الرئيسية / الآراء والمقالات / ريهام الزيني تكتب : العودة للكتابة فرمان إستراتيچية فكر

ريهام الزيني تكتب : العودة للكتابة فرمان إستراتيچية فكر

كاتبة وحقوقية مصرية
كاتبة وحقوقية مصرية

العودة للكتابة فرمان إستراتيچية فكر

ريهام الزيني

أحكي لنفسي وأغازل أوراقي ثم أسطر وحي إلهامي، حتى أجد مخرجا لأتذكر آخر مرة كتبت فيها حروفًا وكلمات، تقود إلى جمل وفقرات، وكتابة أبحاث ومقالات، بعد توقف مدة كبيرة عن الإنتاج الفكري وإبداء الرأي بأمانة وصدق، حول قضايا جديدة، ورؤى مغايرة ربما تكون محل جدل وإنقسام، حتى أقرع الأجراس ويهتم الجميع بالملفات الشائكة العامة والوطنية. ربما يكون لصوتي تأثير على روح المتلقي ودور وإن كان صغيرا في الأحداث وهم أهل الأوطان.

لك أن تتخيل عزيزي القارئ كم كنت أعاني، كم كنت أخفي صراعًا داخليًا لا يفك عقدته الإ القدر، أعلم أنك قد تلومني على إتخاذ قرار ضد العقل والمنطق، نعم، أنت محق، لكن يجب أن تعلم أيضا أنه كان قرارا مفاجئا وضد رغبتي الروحية والوطنية التي تعطي الأولوية دائما لأهم الأشياء، في ظل عالم مضطهد ومقهور بالعنف المفروض.

حقا وصدقا، لقد أقعلت عن عادة تمثلني بقوة، أعتقد أنني بدأت أفهم مدى قبح هذا العالم، عندما يخذلني إحساسي بالآخرين، وتتحطم أحلامي البريئة، وتتحارب طموحاتي بقسوة، في زمن إنهيار القيم الذي ضاع فيه القمم أصحاب الفكر الراقي المستنير الذي يحمل رسالة وطنية وإنسانية عظيمة.

ففي ليلة صماء، جاءنى إحساس منعنى من العودة إلى كل ما أحبه بشغف، ومنعنى من التعبير عما يدور في خاطري، ومنعت من مواصلة معركتي الوطنية في الحلبة الصحفية والإعلامية، التي هي نهر من الدماء لغذاء روحي وعقلي ونافذة لتجديد مشاعري وتطوير أفكاري، شعرت حرفيا أنني كنت في كابوس يتحقق، الفارق الوحيد هو أنني بالفعل مستيقظة، وأشعر أن كل شيء من حولي يتغير، وسوف يزداد الأمر سوءا أكثر فأكثر.

إنه لأمر محزن أن يختفي الشعور الذي كان مدهشا، فالإنتاج الفكري مهما كانت طريقة التعبير أو أهميته أو غرضه، هو الإدمان الحقيقي الذي لم أتمكن من التخلص منه حتى الآن، ولكن ما فائدة الإنسان إذا ربح العالم كله وخسر نفسه؟

كم عدد الصعوبات التي مررت بها والتي كانت الأشد في حياتي، كنت أعاني نفسيا وأكافح جسديا كي تستمر الحياة، لقد أصابتني سكتة مؤقتة عن التحدث والكتابة، حيث إنعزلت عن العالم كله، بدأت أنسى من أنا؟، كادت الدنيا تخنقني والهموم تتزايد وإبتساماتي إختلطت بعبارات، وعيوني مليئة بدمعات، كاد قلبي لا يتحملها، فجأة تحولت إلى شخصية لا أعاتب أحدا، أتجنب نقاشات وحوارات ليس لها جدوي، أنظر إلى الراحل عني بهدوء، أتلقى صدمات بصمت غريب ومريب.

كم عدد النكسات التي مررت بها، كل شيء جميل في حياتي توقف، نعم، ضاعت أفكاري وأحلامي بين صراعات ومتاهات مظلمة، بين دموع عيني، وفي أي اتجاه يسير العالم والإنسانية، ومهما حاولت أن أخفي شعور اللوعة الذي يملأ أعماق قلبي فلن أستطيع، ما أشعر به هو حزن قلبي يحبس أنفاسي لما فاتني في حياتي دون أن أكتب عن كل حدث أو موقف تلقيته في قلبي وروعي إلهام ورسالة من رب العالمين.

وفجأة تساءلت كثيرًا عن هذه التي لا تشبهني، فلماذا كل هذا، لا أستطيع تحمله؟، لقد فعلت كل ما بوسعي، لإستعادة نفسي التي أعرفها، ويعرف عنها القاصي والداني بالقوة والشجاعة والصلابة، لكن ما بوسعي غير كاف، وكل الظروف والإحتمالات مازالت تنعكس ضدي.

ولعله يكون من المناسب القول، بعد أن توقفت لفترة عن الكتابة والحضور، أخبرت بعض الأشخاص الأوفياء والمقربين عن قراري دون أن أذكر الأسباب الحقيقية والواقعية التي ما زلت أخفيها عن الجميع، لقد أرعبهم التصريح المفاجيء، وكان الرد “تذكري بأن لكل شيء نهاية، إلا الفكرة، وأنتِ صاحبة إستراتيچبة فكر خاصة ومهما واجهتِ من تحديات سوف تعودين أقوي”، وبالفعل كانوا علي حق وصواب.

دعوني أصارحكم بقسوة، ما جعل ثقل هذه المشاعر والأيام أسهل عليه هو أن العديد من الكتاب والمبدعين العظماء مروا بهذا الخرس الكتابي والإبداعي والفكري، وبالطبع أنا لست منهم، بسبب أعداء الفكرة أعداء الوطن وأعداء بلا سبب إلا الحقد والكيد الذي يملأ قلوبهم.

أصارحكم بلا مواربة ولا تزيين أو تجميل للصورة، ما زالت هناك أشباح تحوم حولنا بوجهين، أشخاص ماهرون في تحطيم طموحاتنا، كيانات بارعون في سقوط الوطنيين الأحرار ويتمنون لهم فشل المثابرة في كل لحظة، كلهم يهددون بخنقنا إذا تمسكنا بمبادئنا المناهضة والمحاربة لكل الأفكار والظواهر المضللة، متناسين أننا أصحاب مبدأ لا يدركه المتملقون المتلونون والمتزلفون، متناسين الحروب التي بداخلنا، وإيماننا بالله هو الترياق الذي يجعلنا نبقى منتصرين أحياء من الداخل، ومهما كانت الأبواب مغلقة ونواجه أخطار وحروب، فلا شيء إلا أن نجتهد بكل جدية حتي لو بخطوات بطيئة وصعبة لا نبالي النتيجة، نحن مسؤولون فقط عن السعي والإيمان بأن قوة الله وتدبيره فوق قدرة كل شياطين الإنس والجن.

أصارحكم، رغم نظرات وكلمات العتاب وسؤال بعض الأكارم “لماذا هجرتي الكتابة والحضور؟”، الآن أقر وأعترف لكم أن أولئك الذين حافظوا على علاقة وطيدة ودائمة برفقة الورقة والقلم يتفقون مع رأيي، ففي القلب شيء كثير وحزن كبير علي ما مضي، ليس من السهل التخلي عما يمنحني الحياة، ويجعلني أشعر أنني ما زلت طفلة تحلم، وشابة تستعد للحرب والمغامرة، وكهلا أنثر ما هو صائب من الحلول والأفكار بكل قوة وعزم وثقة.

أصارحكم، إنني أشعر بحرية حقيقية عندما أختار ما أقرأ وأمسك بالقلم وأكتب ما يعجبني من معانٍ وأفكار، مثل من يسعى وراء مسؤولية القبض علي زمام الأمور للبحث عن الحقيقة التي لا تقل خطورة عن الحروب النووية المدمرة في ظل وعي جمعي مفكك ومريض.

أصارحكم، لولا العقبات والصدمات التي تعرضت لها، ورغبتي المنطفئة في كل شيء، لأصبحت مخدوعة طوال الوقت، ورغم من قسوتها، لكنها صادقة، وكان عليه سرعة تخطي هذه الصعوبات، حتي لو مع قليل من الخسائر، حتى أعيش وأكمل رسالتي في الحياة، وهي مسيرتي الوطنية في معركة الكلمة، بقلمي، سلاحي الرئيسي في معركة الوجود.

أصارحكم، إنني أحن لسنوات مضت ولم يعد يوم، نعم أحن إلى قلم يشدني الحنين إليه في كل لحظة، أحن لأيام ليست مثل هذه الأيام التي تراكمت فيها أحداث لم تكن الروح ترغب فيها، وسواء كانت جيدة أو سيئة، أعترف عندما أكتب يسعدني أن أرى تفيد الكثير من أحبائي القراء والمتابعين.

أصارحكم، وأنا في حضرة كل ما هو مصري وعربي أصيل ومشرف، إنني يلاحقني التفكير بإستئناف العودة للكتابة والإستجابة لفرمان إستراتيجية فكر، وعليه العمل والرد البليغ علي أولئك الذين يحاولون بسعيهم المريض تثبيط الهمم، والصبر مع أولئك الذين يجادلونني بحماس، ويطالبون بكتابة وجبات سريعة وكبسولات ذات صلة بالملفات الشائكة التي تحتاج مواجهتها إعداد خطة إستراتيجية لمناقشتها ومعالجتها، فهم يقرؤون كما يأكلون”فاست فود”، و”فاست ثوت”.

أصارحكم، إنني أشعر بأرق البدايات ولعثمة الكلمات، تماما مثل رحلة عودة عاشق إتخذ للتو قرار الصدق مع محبوبته، ورغم الضغوط والعراقيل التي كانت تزيد الأمر تعقيدا، فالحنين دائما ما يدفعني إلى غزل إستراتيجية فكر، المقالة فكرة، وعودتي للكتابة فرمان إستراتيچية فكر.

نعم، لم أكن أدرك أن توقفي من الدخول في ثنائية صنع الأحداث وتغيير الهمم يشبه التوقف عن ممارسة الرياضة اليومية التي تفقد اللياقة البدنية، مما يسبب ترهلا عضليا وضغطا نفسيا، فلا يوجد شيء مبهج للنفس ومريح للعقل أكثر من القيام بعمل أحبه.

وفي الختام، أقر وأعترف للجميع أن “مصر” ستبقى هويتي وإنتمائي، و”فلسطين” قضيتي وفي قلب عروبتي، وصوت شعوب العالم المقهورة هو أساس رسالتي التي أشعر أنني خلقت من أجلها، أما سلاحي “قلمي” فسيظل دائما وأبدا مصوبا نحو “العدو الصهيوني”.

آآمل أن أظل عند حسن ظن المخلصين الرائعين، وأستطيع مواصلة القتال وتوجه كل الأسلحة الأخرى إلى ساحات المعارك الحقيقية لا الوهمية، مواكبة لتطلعاتكم وأمال أوطانكم، حتي إنتصار إستراتچية فكر كنت أقاتل تحت أضوائها منذ سنوات، في ظل تلك الظروف العالمية التي ألقت بظلالها القاتمة علي أصداء بعيدة وواسعة لتداعيات الحرب الأكثر عنفا وفتكا وتدميرا منذ الاف السنين.

شكر واجب لأولئك الذين مازالوا ينظرون إلي ويعتبرونني بقعة نور تصفو بها النفوس وتطمئن بها القلوب وتشرق بها الوجوه بنور التفاؤل والإصرار والمثابرة، أو ربما نجم يضيء غرف أذهانهم المعتمة في أصعب الأوقات، أو لاسيما قطرة مطر علي أوراق أزهار ذاكرة الوطن في أحلك الحقب الزمنية التي يتخللها أحداث دموية.

شكرا لمن يشعر بنبرة الألم في صمتي وكلماتي حتى لا يناقشوا معي بل يبحثون عن أشياء تسعدني وتجلب البهجة إلى روحي، وسلاما للذين غضوا أبصارهم عن تقصيرنا، وصفقوا لمحاولاتنا، وشجعونا علي الوقوف من جديد دون مقابل.

العودة إلى الكتابة هي فرمان استراتيجة فكر، إنه الولاء والشعور بالمسؤولية ليس فقط تجاه الأجيال القادمة، بل تجاه الدين والوطن والإنسانية، ولاء مرتبط بعزف فكر وطني إستراتيچي منفرد على أوتاري الخاصة، لكن يبقى السؤال الأهم والأخطر: إلى أي مدى أستمتع بحرية إتخاذ القرار في تلك الأمور المتعلقة بأفراد وأطراف وكيانات تختلف رغباتهم عن رغباتي؟، دمتم ودامت سواعدكم أحبائي، دمتم ودامت أوطانكم بكل فخر وعزة ونصر.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : كرة ثلج الحراك الطلابي

نبض الحياة كرة ثلج الحراك الطلابي عمر حلمي الغول ما بين المكارثية الأميركية ونازية نتنياهو …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *