الرئيسية / الآراء والمقالات / نادرة هاشم حامدة تكتب الضَّامِرُ ” فِي سُورَةِ الْحَجِّ ( صِفَةُ قُوَّةٍ وَ إِعْجَازٌ بَيانِيٌّ

نادرة هاشم حامدة تكتب الضَّامِرُ ” فِي سُورَةِ الْحَجِّ ( صِفَةُ قُوَّةٍ وَ إِعْجَازٌ بَيانِيٌّ

كاتبة واعلامية / فلسطين
كاتبة واعلامية / فلسطين

*” الضَّامِرُ ” فِي سُورَةِ الْحَجِّ ( صِفَةُ قُوَّةٍ وَ إِعْجَازٌ بَيانِيٌّ)*

✍ : *أ. نادرة هاشم حامدة* 

يقول الله تعالى : ( *وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا، وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ*﴾

لا يمكنك أن تمر على هذه الآية الكريمة، أو تخوض في معناها، دون أن تتوقف على جوها العام، الذي تَولَّد من مناخ الكفر والإلحاد، وعبادة النجوم و الأوثان، وصولا إلى دعوة الناس بالحج عبر هذا الأذان، إذ دُقت للإسلام وقتها أوتادٌ ؟ ورُفعت حينها للتوحيد أشرعةٌ ، بلا إله إلا الله، كما ولا تنسى بمرورك هذا، أن تصلي وتسلم على رَجُلٍ أمة، ذلك الرجل الذي تطلب من الله في كل صلاة، أن يصلي ويبارك على نبيك محمد ﷺ، كما صلى و بارك عليه، إنه إبراهيم الخليل، أبو الأنبياء، عليه الصلاة وأفضل السلام، الذي قال عنه الله سبحانه وتعالى : ” *إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا* “.

 لقد أذن إبراهيم عليه السلام، في الناس بالحج، بأمر من الله، وذلك في أول إعلامٍ على الأرض، بزيارة بيت الله الحرام، هذا البيت الذي وُضِعَ ببكة مباركا، وكان قد رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، في شرف من فوقه شرف، ومن بعده شرف، في سِلْسِلَةٍ من شرف إلى شرف لخليل الرحمن، عليه السلام. 

وللعودة للآية الكريمة: ” *وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا، وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”* تجد أنها دعوة عالمية للإسلام، والانقياد لله، في قصد البيت الحرام، تعظيما لله ، فالأذان بالحج، لم يخص المسلمين دون الناس، إنما وُجِّهَ لكافة الناس، فكان بمثابة دعوة إسلامية عالمية في الأرض. ولبيان كيفية ذلك الأذان، في تلك الدعوة العالمية، نجد أن الآية الكريمة، لم تُظْهِرُ كيفية هذا النداء العجيب، الذي وصل كل المعمورة صداه، بل تعدته الآية، لتظهر تلبية الناس لهذا الأذان، بعد أن سمعوا النداء، فالذي ندركه، أنه كان على إبراهيم فقط الأذان، و كان على الله البلاغ.

 وللنظر إلى حال الحجيج الذين لبوا النداء في الآية، نجده حالين، الحال الأول : (رِجَالًا)، أي : مشيا على الأقدام، وقد قُدِّمَ هذا الحال، للابتداء بالأقرب مكانا من بيت الله، وليس لأفضلية الحج للراجل، وإلا لفعل رسول الله ﷺ هذا الأفضل، وحج راجلا، ولكنه ﷺ قد حج راكبا.

وقد استخدم القرآن الكريم اشتقاق المصدر رِجَالًا، من عضو المشي، وهو الرِجِل : (الساق والقدم)، لإرادة قوة المشي وجُهده، التي تتطلبها رحلة الحج الشاقة، فقد استخدم القرآن لفظة امشوا، في قوله تعالى : ” فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا “، ولم يستخدمها هنا، ليبهرنا القرآن في إعجازه، في دقة اختيار ألفاظه لمناسبة معنى السياق، فناسب السياق دلالة القوة التي تكمن في عضو المشي، فكان اللفظ (رِجَالًا) أنسب للحال. 

أما الحال الثاني والذي يحمل عنوان المقال، فهو ” *وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* ” فما هو الضامر الذي تقصده الآية؟ وهل الضامر الذي تعنيه الآية، صفة ضعف أم صفة قوة؟ إن معظم التفاسير، على أن الضامر : *(هو البعير المهزول*)، الذي هزل من مشقة المسير، نظرا لما آل إليه، بينما قلة قليلة من المفسرين، قد تفهم منه بتواضع، ودون تصريح أنه ليس المهزول. 

بينما معنى القوة التي تحملها لفظة ضامر في حقيقتها، هو الذي يناسب سياق الآية، في معناها، ومنطقها، وبلاغتها، وتركيبها، وفي إعجازها البياني المبهر، الذي ناسب كل زمان، وإليكم التفصيل : 

ففي لسان العرب الضامر : ( *هو الجواد أو البعير خفيف اللحم، النحيل، وليس من الهزال، فهي صفة حسنة، تفعلها العرب برَكوبهم من خيلٍ وإبل وبغال*) والسؤال : ما هي صفة الضامر؟ ولماذا تجعلها العرب في رَكُوبِهِمْ؟ وكيف ؟ ومتى؟ وأين؟ وكم تحتاج من الوقت؟ استفسارات نجيبها من بيئة العرب، التي نزل فيها، وعلى أصحابها القرآن الكريم.

 فلقد عرف العرب ما يُسمى، ( *التَّضْمِير أو المِضْمار*)، وهو عمليةٌ تُخْضِعُ العرب فيها رَّكُوبهم، من جياد، أو إبل، أو نوق أو بغال للتدريب والتهيئة لتقوى، وقد يستغرق التضمير أربعين يوما، حيث تُحبس فيها الحيوانات في مكان حار، وتشد عليها السروج، وتُجَلِلُها الأَجِلة، حتى يُجْهدها العرق، كما يُقدم لها علف خاص، وبطريقة مخصوصة، فَتَقَلَّلُ الكمية بالتدريج، ويزيد الوقت بين كل تقديم، فيسيح دِهنُها، ويشد لحمها، وتضمر، وتكون بهذا قد زادت قوتها أضعافا، وتتهيأ لسهولةِ العَدْوِ، وقُوةِ الأعمالِ والسَير، وخاصةً قبل أيِّ غَزْوٍ أَو سِباقٍ أو سفر.

*الدليل من السنة النبوية* : لقد أشارت السنة النبوية الى التضمير موضحة الغرض منه ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ( *أَجْرَى النَّبِيُّ ﷺ ما ضُمِّرَ مِن الْخَيْل: مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الوَداع، وَأَجْرَى ما لَمْ يُضَمَّرْ: مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مسجد بني زُرَيْقٍ. قَال ابن عمر: وَكنْتُ فِيمَن أَجْرى. قَالَ سفيان: مِن الْحَفْيَاء إلى ثَنِيَّة الوداع: خمسة أمْيال، أو سِتَّة، ومن ثَنِيَّة الوداع إلى مسجد بني زُرَيْقٍ: مِيل*) متفق عليه، فلقد كان الفارق بين الضامر، وغير الضامر في السباق، خمسة أضعاف أو ستة.

إن في الآية الكريمة ما يدلل على إرادة القرآن، لمعنى القوة من لفظة ضامر، حيث أنها الأنسب للسياق، فالآية الكريمة تتكلم عن رحلة حج شاقة ومتعبة، وقد راعت هذا المعنى في استخدام (رجالا) للمشاة، لإرادة القوة، من اشتقاقها من عُضْو المشي، كما وضحنا سابقا، فناسب أن تكون الرَّكوبة أيضا قوية، مهيأة لهذه الرحلة الشاقة.

 ومن جهة أخرى، فلقد ارتبط هذا الضامر في سَيره في الآية، بطريقٍ فجٍ عميق، والفج : هو الأرض بين الجبال، والعميق : يدل على السير في الأرض الجبلية الصاعدة المرتفعة ، وهذا سفر شاق في طريق غير مستوية، تحتاج إلى جهد جهيد، فلذلك يُوَجِّهُ القرآن الحجيج إلى الاستعداد الجيد، في رَكوبة قوية لا هزيلة. 

كذلك من جهة البلاغة : *” وعلى كل ضامر* ” فإن (كل) هنا اسلوب يفيد العموم، بينما إضافة ضامر إليها، نقلها من العموم، إلى خصوص العموم، فيكون المعنى : أن الضوامر ، هي المقصودة المخصوصة في الرحلة من عموم الرَّكُوب لا غيرها، وعليه لا يمكن أن تكون الرَّكُوب الهزيلة هي المخصوصة أبدا.

 ثم إن المتأمل في تركيب السياق، في الآية : ” *وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا، وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* ” يجد أن الفعل تقدم على الحال في رجالا، بينما تقدمت الضامر على فعلها، لتثبت أن حالها القوة ابتداء قبل الشروع بالفعل، و البدء برحلة الحج، وفي هذا رد على من قال بأن الضامر الناقة الهزيلة، باعتبار المآل. 

*الإعجاز البياني* : كما أن الضامر وإن أُلْصِقَت بركوبة البهائم، ولكن في حقيقتها هي صفة، كناية عن القوة بالتهيئة و والاستعداد، لأي ركوبة كانت، سوف يعتليها الحجيج كما في الآية، وهنا تكمن براعة القرآن وإعجازه، في استخدامه للفظة الصفة ضامر، لتشمل الزمن الماضي و المستقبل والحاضر و الآتي، وخروجا عن زمن إبراهيم عليه السلام حيث كانت المراكب المستخدمة للحج هي البهائم، لتشمل بعد ذلك أي ركوبة في أي عصر أو زمان، كما هو الآن، فمراكب العصر هي السيارة أو الطائرة أو السفينة، أو غيرها، فجميعها تحتاج أن تكون في حالة (ضامر جيد)، ليركبها الحجيج، وتنقلهم من جميع بقاع الأرض، إلى بيت الله الحرام، في هذه الرحلة الشاقة، التي لابد لها من الاستعداد والتهيأة والإعداد، وهذا هو ما يحصل فعلا مع الحجيج الآن ، عبر مكاتب الحج والعمرة، حيث أول الاهتمامات تكون مسألة الضامر (الركوبة القوية الآمنة) وفي نهاية مقالي أقول إن الضامر : ( *كناية عن القوة المُهَيأة، وَالْمُعَدَةُ جيدا، التي يوصي بها الرحمن، في مراكب الحجيج، برية كانت أو جوية أو بحرية، لطوي المسافات، للوصول إلى بيت الله الحرام بسلام،وتأدية فريضة الحج*)

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عبد الرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
رئيس اللجنة الشعبية في الرياض

د عبد الرحيم جاموس يكتب : ثورة الطلاب العالمية فلسطين تنتصر

ثورة الطلاب العالمية فلسطين تنتصر… احتجاجات الطلاب : من جامعة كولمبيا في أمريكا إلى طلاب …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *