الرئيسية / الآراء والمقالات / . محمد صالح الشنطي يكتب : بعد ثلاثة أرباع القرن من المأساة

. محمد صالح الشنطي يكتب : بعد ثلاثة أرباع القرن من المأساة

محمد صالح الشنطي

كتب الدكتور محمد صالح الشنطي 

بعد ثلاثة أرباع القرن من المأساة:

                ذاب الثلج و بان المرج فإلام التغاضي و التباكي؟

         مفرمة الموت و دوّامة الصمود و مسرح المقاومة وغياب الرشد

     كنت قد شرعت في كتابة هذا المقال قبل العدوان الأخير على غزة ؛ ولكنني توقفت عن إتمامه حين شرع الكيان الصهيوني في هجومه الغادر ، وكنت قد أزمعت أن ألخّص مجمل الموقف منذ بداية النكبة التي مضى عليها ثلاثة أرباع القرن كما أتصوره بوصفي منتمياً زمنياً الى الرعيل الأول من ضحاياها ، وكنت أريد أن أضع النقاط على الحروف كما أقرؤها :جيل الضياع المخدوع بمقولة زائفة عن حرب عربية إسرائيلية لم يزد عدد المشاركين فيها عن ثلث العصابات الصهيونية التي كان يأتيها المدد باستمرار من الصهاينة المنضمين للجيوش التي كانت تقاتل في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء ، وكان من المتوقع أن تصل إلى 120 ألف مقاتل في حين لم يصل عدد أفراد الجيوش العربية مجتمعة إلى عشرين ألفا كما جاء على لسان محمد حسنين هيكل الذي كان مراسلا حربيا في فلسطين إبان الحرب التي أفضت إلى النكبة وكان بعضها لا يمتلك من وسائل الانتقال ما يحملها إلى أرض المعركة فاضطرت إلى استئجار باصات سياحية لنقلها من العريش ؛ فضلا عن صفقات الأسلحة الفاسدة . خمسة وسبعون عاماً ونحن نجترّ الذكرى الأليمة ، ندبّج المقالات و نقيم المهرجانات ونردّد الأغنيات وننظم القصائد ونحجُّ إلى هيئة الأمم وجمعيتها العمومية ، ونتلقى صفعات الفيتو في مجلس تحدي الأمن و نستعطف الأمم حتى تدعم وكالة الغوث ، ونحتج عليهاو نبذل المهج والأرواح ونبكي الشهداء ، ونحتفي بذكراهم وندعو للجرحى بالشفاء ونواسي معاقي البطش و الظلم ، ونتضامن مع الأسرى و المنسيين في أقبية سجون العدو ، نتعادى و نتصالح ونعقد الاتفاقات و ننقضها ، ونتلقى المعونات و الصفعات والتأييد و الخذلان و الوفاء و النكران ، وعدونا يزداد عتوّاً ونفوراً و نمعن في التحليل و التأويل و التوصيف و التشخيص و التحليل البارد والحماس الحارق ، ونتبادل القبلات و الاتهامات ، ونعاني من شهوة التسلًط وسطوة الفساد، ونرفع شعارات تبشّرنا بالموت مزيّنا بأكاليل الشهادة ، ونردد شعارات تبشر بانجلاء الظلمة واقتراب الخلاص ، ونغرق في حلكة الواقع ونطفو غلى سطح ألسراب ، ونعاني من ظلم بعض ذوي القربي، وهو أشدّ مضاضة وأمر مذاقا من بطش العدو ، وتستهوينا أحلام اليقظة وننتشي بتنبؤات زوال الكيان الغاصب ، ويشهد مسرحنا السياسي الحكماء و الحمقى و لاعبي السيرك و المنتفعين و تجّار الدم و الموت وفقهاء الظلام من الجهلة و الحمقى و المغفلين و المستغفلين ويختلط الحابل بالنابل ، أما المشهد فتستبين ملامحه على أرض الواقع على النحو الآتي:

– شريط من صور التضحية و الفداء تتبدّى فيها البطولة و نكران الذات واللامبالاة بالحياة احتجاجاً على الظلم الذي بلغ أقصى مداه وكتائب تتشط هنا وهناك تتعرّى أمام الكاميرات والأجهزة الذكية متحدّية في وضح النهار بلا رؤية لسياسة مقاومة واضحة متحدة ؛ تقود إلى أهداف محدّدة ضمن استراتيجية مدروسة مرسومة في برنامج معد إعداداً محكماً بعد أاتضح أن الشعار الذي رفعته بعض الفصائل حول المقاومة فشل فشلاً ذريعا لأسباب عدة : أولها الارتهان إلى قوى خارجية لها أجنداتها التي ترتبط بمحاور تستثمر المقاومة لصالح سياساتها الخاصة ضمن معادلة الصراع في الإقليم كله لقاء دعم استفاد منه عِلية القوم الذين غادروا الميدان وتركوه ضمن قسمة ضيزى كان نصيب الأسد فيها لمن هيمنوا على الساحة وتبادلوا الخبرة في التدجين و التدليس و التلبيس ؛ وأنتجوا أفلاما نضالية حسب السياق المناسب بعد أن فتّتوا الساحة وراحوا ينضوون تحت شعارات مضللة عن وحدة الساحات ، يطلقون صواريخهم انتصارا للأقصى حسب الطلب و وفق المناسبة فيرد عليهم الآخرون برشقات وزنانات تلقي حمولتها في الأرض البور، فإذا استدعى الموقف لا بأ؟س من بعض الضحايا ، في تنسيق محكم لقاء الطاقة و الغذاء والنور و الهواء ومصاريف الجيب يطلقون التصريحات بلا حساب في أوقات محددة و بحسابات مدروسة تستثمرها أبواق جاهزة ترفدها مختبرات تصنّع وتفرك الفيديوهات لزرع الفتن وتقويض الوحدة الوطنية ، وإن كنا لا ننكر على قواعدهم القتالية وقادتهم الميدانيين بطولاتهم واستبسالهم ؛ ولذلك كانوا مستهدفين و وقعوا ضحايا العدوان الذي تعمّد قتلهم على وجه الخصوص ؛ وقد راح لعض القادة السياسيين يتخذ ون من التنسيق الأمني شمّاعة يعلقون عليها خيباتهم ويبرّرون بها مآسينا كلّها في حين يمارسون أقصى درجات التنسيق مع العدو ، فهم عالة عليه في التمويل و الطاقة والتجارة و العمل يعيشون في غرفة إنعاش القطاع المنكوب الذي يستمد مقومات وجوده مما تمدّه به أجهزة الكيان وفق تفاهمات معلنة ، وروتين واضح : صواريخ ثم عدوان ، ثم تدخل الوسطاء للتهدئة ثم صمت كصمت القبور .

– حراك سياسي تعمل على إحباطه الدول الكبرى المتنفذة ، وسلطة وطنية تصارع أمواجا عاتية من محتل يتحكم في مواردها و مشاريعها ويحاول اغتيال قادتها سياسياً و معنوياً و وطنياً، تستبعدها من مفاوضات التهدئة تهميشاً لها و تدميراً لهيبتها و تقليصاً لدورها ، تساعده تلك القوى الإنفصالية التي تطعنها من الخلق عبر التشويه المستمر في الداخل و الخارج فهي عميلة تنسق أمنيا مع العدو تارة و تمنع المقاومة تارة أخرى ؛ وما دروا أن ذلك له مفهوم مغاير لما تصوره أبواقهم ، وقد صمدت القيادة الوطنية في استيعاب الحالة حفاظاً على مؤسساتها و منجزاتها ، ولم تقع في الفخ المنصوب لها بإعطاء المسوّغات لحكومة إرهابية عنصرية للقضاء عليها و محوها، وظلت دائبة السعي على المستوى الدولي حفاظا على شرعية وجودها أمام انسداد الطرق و المسالك أمامها و وقوعها بين مطارق العدو وسندانات الفصائل التي يمتد حبلها السّري إلى خارج الإقليم وينقاد لمصالح المموّلين و المؤدلجين و الوالغين من أخمص القدمين إلى قمة الرأس في وحل الانتهازية والعزف على الأوتار المرخيّة و النفخ في القرب المقطوعة ، وما يزال الحفل مستمرا، فإلى متى تخطف أبصارنا أفلام الصمود و مسرحيات المقاومة؟

بقلم د. محمد صالح الشنطي  

16/5/2023 م

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عبد الرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
رئيس اللجنة الشعبية في الرياض

د عبد الرحيم جاموس يكتب : ثورة الطلاب العالمية فلسطين تنتصر

ثورة الطلاب العالمية فلسطين تنتصر… احتجاجات الطلاب : من جامعة كولمبيا في أمريكا إلى طلاب …