لم أكن أتوقع أن أرى المخيم هكذا !!!
بقلم الأسير/ مراد أبو الرب
لم أكن أتوقع أن أرى المخيم هكذا !! هذا الكلام لم يأتي من عالم أو رئيس أو ملك ، هذا كلام طفلةٍ عندما رأت البيوت فوق بعضها مهدمة ، وألعابها مبعثرة ، رأت ذكرياتها مدفونة تحت الأنقاض ، نجوى جلال !! تلك الطفلة التي لم تجد ما تعبر فيه عم ما رأته عيناها ، تلك الطفلة التي انتصرت كلماتها ودموعها على ذلك الجيش ، الذي قال عن نفسه :
جيش لا يقهر !!!
في مثل هذا اليوم وقبل واحدٍ وعشرين عاماً اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين ، طائراتٌ تقصف في كل مكان ، ودباباتٌ ومجنزرات تعيث في الأرض الفساد ، وتقصف ما لم تقصفه الطائرات ، ناقلات جُندٍ ذهاباً وإياباً ، تنقل الجنود وتزرعهم في كل مكان ،حاصروا المخيم من كل الجهات .. حاولوا اختراقه مرةً ومرتين وثلاث … في النهار والليل .. مرّ يومٌ ويومين وعشرة .. لم ينالوا ما يريدون ؛ فأهلُ الأرض فيها ثابتون !!
شهداءٌ في كل مكان ، دماءٌ تسيل گالوديان . ولكن الصمود والتحدي كان هو العنوان ، وفي اليوم العاشر حضر رئيس الأركان الذي جاء بعد تبديله لعدة مرات ، وقف على الجبل ، وقال :
لا بد أن يزول هذا المكان !!
و أعطى الأمر الجرافات التي من نوع ” D9″ بأن تهدم من الأربع جهات ، وتلتقي في الوسط ويكون الركام ، فتحركت جرفت كل ما هو أمامها من حجر وشجر وإنسان ، وسوت المكان ، وأصبحت البيوت جبلاً من الركام تحته الذكريات ، ذكريات اللجوء وكأنه مكتوبٌ أن تبقى النكبة ناقوشٌ يدق في الذكريات.
أبو جندل !! .. أحضروه بعد أن قيدوه ، كان حسب قول أم علي وهي شاهدة عيان :
أحضروه فكان يرتدي بزته العسكرية ، ووضعوه على الأرض تماماً فوق الركام ، تجمعوا حوله ، لكنه كان شامخاً وهو ينظر إلى السماء ، صوبوا بنادقهم نحوه ، فخافوا من نظراته ، ثم أطلقوا النار عليه !!
ارتقت روحه إلى السماء .. لكن جبينه بقي مرفوعاً هكذا هم العظماء ، يموتون وقوفاً گالاشجار لا يحنون رؤوسهم !! و اجتمع مجلس الأمن و حضرت حقوق الإنسان لكن بعد فوات الأوان ، ولكنهم قالوا:
أن ما حدث هنا زلزال !!
ومنهم من قال :
أنها جريمة حرب مع سبق الإصرار !!
و آخرون قالوا :
تطهيرٌ عرقي وإبادة للإنسان !!
قالوا كثيراً من الكلام !! خرجت طفلة لا تفقه بالسياسة وقالت :
يا سادة أيها القادمون إلينا لتبحثوا عن أدلة للجريمة ، فهذه الأسلحة من صنع بلادكم ، فتلك القنبلة مكتوب عليها USA وتلك القذيفة هي التي قتلت ابي وامي و اخي وشقيقاتي ولم يتبقى غيري وانا شاهد عيان !!! .
بعد واحد وعشرين عاماً من الاجتياح كبرت نجوى جلال واصبحت عروس ، لا أدري كم عندها من الأولاد ، ولا أعرف اسمائهم ، و لكنها ستبقى تلك الطفلة التي وقفت وقالت :
_ لم أكن أتوقع أن أرى المخيم هكذا !!
والآن تراه اليوم بعد أن أعادوا بناءه ، حيث ما زال حتى اليوم يحدث فيه ما يحدث ، نفس الجناة يرتكبون كل يوم جريمة ، شهداء وجرحى كل يوم ، ونجوى ما زالت تصرخ :
_ ألم ينتهي ذلك اليوم !!!
أم علي عويس كبرت في السن لكنها لا زالت تزور قبور الشهداء وهذا عهدها لهم وهم أحياء ، اطفال الاجتياح كبروا ، يا سادة !! صاروا هم أصحاب القرار ، وحفظوا عهد أبو جندل والعامر وطوالبة و الفايد والصباغ و الزبيدي ، أتعلمون أن هؤلاء الذين يحملون اليوم السلاح كانوا يومها صغار !!! وانتم تقولون أن الكبار يموتون ، والصغار ينسون !! فما رأيكم بما تشاهدون !!
اليوم وبعد كل تلك السنوات وصمت العالم على ما كان و يكون ! وعدم محاسبة الجاني فماذا تتوقعون !!! أتتوقعون الخنوع !!!
فانتظروا … وانتظروا … وانتظروا … فهذا الجيل لا يعرف الخنوع ، فاشِجبوا … وأدينوا .. و استنكروا ! أما نحن فأدرى بما نحن فيه ، فدربنا هو درب واضح وصريح نحو التحرير سائرين .. فلا محاكمكم ولا قممكم ولا مؤتمراتكم ولا ندواتكم نعترف بها !! .
في الذكرى الواحدة والعشرين على مجزرة مخيم جنين فما زال الدم يسيل ، وما زال الشهداء يعرجون إلى السماء مبتسمين ، وما زالت الأمهات تودع أولادهن بالزغاريد وقبلةٍ على الجبين ، فسيأتي اليوم الذي فيه ستحاسبون ، فدولة الباطل إلى زوال ، ودولة الحق هي الباقية .
وجنين بمخيمها وريفها كانت وما زالت وستبقى شوكةً في حلق الغاصب ، وشعارنا :
ان لا تسامح في الدم الشهداء والجرحى ، ولا تصالح عدواً غادراً ، ولا تصافح يداً قاتلة !!
فطيبى وطيب لكِ يا جنين ، لأناسكِ الطيبين ، لِشوارعك ، لحاراتك ، لسمائك ، لأرضك لكل ما فيكِ لأن كل ما فيكِ ومن فيكِ يصرخ باسم فلسطين !!
قلعة الشهيد عبد القادر أبو الفحم
سجن عسقلان المركزي
الأسير القائد مراد أبو الرب