الرئيسية / ادب وثقافة / اسماعيل ابوالبندورة الترجمة عملية ابداعية متكاملة

اسماعيل ابوالبندورة الترجمة عملية ابداعية متكاملة

received_396467352382651

اسماعيل ابوالبندورة 

الترجمة عملية ابداعية متكاملة 

الترجمة احترافا ودربة لا تجعل المترجم ظلا للمؤلف 

الترجمة هي الى حد ما” خيانة” قليلا أو كثيرا 

الترجمة تقوم بمفاوضة مع النص 

قام مشروعي للترجمة على أساس فكرة المحاولة” ورفض فكرة الاستحالة”

سليم النجار

حاوره سليم النجار

الترجمة ليست فنا خلاقا ولا فنا مقلدا ولكن مابين هذا وذاك . كيف تعلق على هذه المقولة ؟

الترجمة عملية ابداعية متكاملة وخاصة وليست عملية تقنية تقوم على ابدال كلمة بكلمة أو حرفا بحرف . انها اعادة كتابة للنص الأصل بكلياته وجزئياته وكافة حمولاته وهي كما يقول امبرتو ايكو ( أن تقول الشيء نفسه تقريبا !! ) . هي عملية ابداعية تتطلب احترافا ودربة لا تجعل المترجم مؤلفا كما لاتجعله تابعا وظلا للمؤلف وانما تقوم بمفاوضة مع النص الأصل – ومبدأ التفاوض في هذا الاطار هو مايبقيه المترجم ومايفقده من النص المترجم – لجعله مقبولا ومستساغا في اللغة المنقول اليها ولاتجرده من أساسياته وبداهاته وايحاءاته المختلفة والمضمرة وتعطيه حياة جديدة في بيئة ثقافية ولغة ثانية مختلفة .

  ولا غرو أن كل ترجمة هي الى حد ما (خيانة) قليلا أو كثيرا وهو أمر لا مهرب منه ، يدخل ماهو ذاتي عادة في ترجمة النص ويتم تحليله بطريقة المترجم على طريقته الخاصة وتحلل الكلمات العصية على الفهم ويتم اختيار الكلمات التي لا يمكن أحيانا أن تكون معادلة للكلمة في النص المصدر.

عندما يترجم الكاتب المتوفى يتملك المترجم شعور غير مريح بأنه يخونه أو يخدعه دون موافقته . أما عندما يكون المؤلف حيا فأنت تسأله توضيحا ويمكنك مقابلته .

وكانت هنالك حالات عمل فيها المؤلف والمترجم معا فقام المؤلف بتغيير نصه الأصلي لأن التعبير الذي اقترحه المترجم جعله أفضل . وهكذا حدث مع المترجمة لورا بتايلون وهي تترجم خوليو كارتازار حيث كان المؤلف يغير نصه أحيانا وأصبح الأصل الذي يسبق الترجمة والنص الجديد بعد الترجمة ، فالمترجم يضاعف عبقرية الكاتب في بعض الأحيان أو يفتح نصه على آفاق جديدة . 

ان المترجم الفرد يستطيع ان يترجم عملا واحد فقط بطريقة لديه هي موضوع تجاذب بين المصطلح الدقيق للنص الاصلي والمصطلح الشخصي جدا الذي يستخدمه المترجم ولا يمكن ابد الغاء المنافسة المحببة بين النص الاصلي والمصطلح الجديد او بين التقليد واعادة الكتابة او بين الدقة والطبيعة او بين الشكل والمعنى او بين الشعر والنثر ان الاشياء تمثل مثلا متباعدة لكن هل صحيح ضمن ماسبق ذكره ان تكون الترجمة مساحة توافق بينها لأن الترجمة هي بالأساس مسألة مصالحة ؟

ذكرت أن الترجمة تقوم بمفاوضة مع النص للتفاهم على مقاربة كلياته وجزئياته وكل مايحويه من حمولات رمزية وأساليب بلاغية وصياغات لفظية ولغوية   

 وعندما تستوي المقاربة ويستقيم التوازن في المفاوضة يحتفظ النص عندها بقيمه ومرموزاته المختلفة ويحافظ على قوامه الأصيل ومحدداته التي لا يجوز للمترجم الخروج عليها أو تغيير دلالاتها .تحوي النصوص بذاتها وبين سطورها مضمرات ومخبوءات غامضة أحيانا في ثناياها لابد من الاحاطة بها وعدم اغفالها فالمترجم يكون في معظم الحالات هو القاريء الجيد والمدقق للنص ، والترجمة بهذه المثابة هي القراءة العميقة المخصبة التي تضع يدها على الهنات لتداركها وعلى الأخطاء لاصلاحها وعمل المترجم بهذه الحالة يختلف عن الناقد الذي يتتبع الزلات والمنزلقات بغية ابانتها وتعريتها واظهارها للعيان .

كان هناك في الماضي عادة سائدة لدى المترجمين وهي يحذفوا او يضيفوا الى عمل من دون تمييز على نحو يتوافق وانحيازاتهم الثقافية او لان هناك عبارات صعقتهم او احرجتهم بوصفها لاتتوافق مع رؤاهم الفكرية . هل مازالت هذه العادة حاضرة في الترجمة المعاصرة ؟

كل العادات الترجمية التي توهن النصوص وتعتدي على قيمها وحرماتها ومعانيها الأصيلة منبوذة ومعيبة من الناحية المعرفية والأخلاقية أيضا . الاحلال والابدال الكيفي والذي كان يطلق عليه ( بتصرف ) هو من العادات التي رافقت بعض الترجمات في الماضي – وكانت قد ثارت ثائرة طه حسين عليها في تلك الأزمنة – ثم اصبحت في وقت لاحق لا تمت للترجمة بصلة ولا تنسب اليها ولا تؤخذ على أنها ترجمة مستوفية لمتطلباتها المعرفية لأنها في الأساس تحوير وتحريف للنصوص غير جائز ويقلل من قيمة هذه النصوص بتسطيحها وتغيير معانيها ودلالاتها وقوامها المعرفي .

وقد يكون مثل هذا النوع من العادات في الترجمة قد تضاءلت أو اختفت الى حد كبير ولكنها لاتزال تمارس في بعض الأحايين والنطاقات الضيقة وتتصدى لها أحيانا وجهات نظر نقدية تكشف وتفضح عيوبها ومخاطرها على تشويه المعرفة والمعاني وأشير في هذا المجال أن نقد الترجمة في بلادنا لا يزال محدودا ولا يأخذ مداه المطلوب .

هل مشروعك الترجمي هو مشروع قراءة ابداعية يقود الى كتابات مفتوحة تساهم تباعا في فعل الابداع وانتاج المعرفة ؟

قام مشروعي الترجمي على أساس فكرة المحاولة ( ورفض فكرة الاستحالة ) والترجمة هي في الغالب محاولة ابداعية قد تفضي الى احتمالات مختلفة ولكنها تسهم بشكل أو بآخر في اثراء الثقافات وتعميق التلاقح بينها.

 ذهبت الى الترجمة برغبة مني كامنة في أن أكتب أدبا ولأنني لم أكتب أدبا وجدت ضالتي في الترجمة والترجمة الأدبية تحديداعلى اعتبار أنها ممارسة كتابية لا تختلف عن النصيّة ، لأنني شعرت في لحظة معينة أنني أقوم بعمل ابداعي عند اعادة كتابة النصوص المترجمة وأصبحت أتدخل بكل معارفي وطاقاتي المعرفية لكي أنتج نصوصا ترجمية موازية يتحقق فيها الكثير من الابداع أو التطلع الى الابداع .

لقد حاولت بطريقة ما ومضمرة بشكل ما الانفتاح على ما يسمى ( بذهنية المركزية الاوروبية وهيمنها الثقافية ) الآداب الصغيرة وآداب الهامش التي لا تجد لها المجال الوافي للانتشار على المستوى العالمي والتعرف عليها مع أنها آداب راقية وحصل العديد من كتابها على جائزة نوبل وغيرها من الجوائز الهامة .

ان مايجعل من الترجمة مسألة شائكة هو كون الدلالات الايحائية للمعجم غالبا ما تتغير تبعا للعوامل المؤثرة التي تتكيف معها ولم يستطع لحد الآن أي علم أن يقوم بحد أو بالأحرى بتحديد حمولة هذا التغيير ومن الناحية الافتراضية تدل المناهج الاجرائية في عملية الترجمة على أنه بامكان المترجم بتقسيم الصعوبات اللغوية – المصدر الى عناصر ممثلة بطريقة ذهنية . كيف تقرأ هذا القول كمترجم ؟

الاشكالية اللغوية في الترجمة تعد من اصعب مايمكن أن يواجهه المترجم لأن في النصوص لغة مغايرة ولهجات محلية ومفردات رمزية ومناهج اسلوبية وصياغية قد تهدر بعض دلالاتها ومعانيها أثناء الترجمة وخصوصا عندما لا تستطيع المعاجم أن تقدم حلولا لبعض هذه الاشكاليات أو عندما لاتعطي المعاني المكافئة فتكون حيرة المترجم وقدرته على الابتكار وهنا يكون ابداعه في انتاج حلول لغوية لبعض الاشكاليات العالقة والمرتبطة بخصوصيات النصوص وعماءاتها في بعض الأحيان.

وقد أصبحت هذه الاشكاليات اللغوية والمصطلحية توضع على طاولات البحث والتشريح في العديد من مؤتمرات الترجمة (ترجمة الكتب المقدسة وتوحيد المصطلحات وغيرها من القضايا ) لغاية الوصول الى تفاهمات حول كيفيات التعامل معها وتقريب وجهات النظر حولها .

           

 

البعض من المهتمين بمتابعة النصوص المترجمة يرى أن الترجمة تأويل للنص الأصلي هل هذا الاتهام صحيح ؟ 

التأويل ابتداء ليس ترجمة وانما هو تدخل اجرائي مغاير يدخل النصوص أحيانا في ارتباك معرفي وتأويلات بدلالات متناقضة ومتعددة وغير متجانسة قد تزيد من تعقيدات الفهم بسبب تعدد هذه التأويلات وعدم استقرارها المعرفي كما أن التأويل قد لايؤدي الدلالات والمعاني المطابقة والمؤسسة للنص وكثيرا مايحرف النص عن موضعه ويفسد مقاصدة . التأويل يقدم احتمالات ورؤى تفسيرية قد تكون غير مطابقة للمعنى المطلوب .

عندما يؤول المترجم يكون في ساحة غير ساحته وفي مكان خارج النص تماما فالتأويل عملية ذهنية خالصة تطرح من خلال اجهزة مفاهيمية مغايرة وأدوات تحليلية تقوم على الاستشعار والاستشراف والمقاربات الممكنة غير المطابقة ولا تصل في أحايين كثيرة الى المقتضى اضافة الى انها قابلة للتغير والازاحة والالغاء والتناقض والتعدد .

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

received_403550599263065

صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون اليوم كتاب الدكتورة

صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون اليوم كتاب الدكتورة  شفاء أحمد علي مستريحي  ظواهر أسلوبية …