الرئيسية / الآراء والمقالات / د.مروان محمد مشتهى يكتب / الشماعة

د.مروان محمد مشتهى يكتب / الشماعة

مروان محمد مشتهى

الشماعة
د.مروان محمد مشتهى

ما نقصده تحديداً هنا ليس حتماً شماعة تعليق الملابس بمفهومها الإعتيادي المجرد ،إنما هم أشخاصاً قمنا طواعيةً بعدائهم ومن ثم بدأنا بتعليق مشاكلنا وأخطائنا عليهم وتحميلهم مسؤلية اخفاقاتن وعدم وصولنا إلي تحقيق النجاحات المطلوبة في حياتنا .

غالباً ما يقع الكثير في دوامة التبرير كحالة من الدفاع عن النفس لخلق وتبني أسباباً منطقية على الأقل من وجهة نظر من يتبناها و تعتبر اجابات جاهزة لتحميل المسؤلية للغير للتخلص من نقد الآخرين .

وقد تكون تلك المبررات واهية الجوهر والمضمون لا تقنع صاحبها إلا أنها الوسيلة الوحيدة للهروب من المواجهة ،وايجاد فرصة لحرق الوقت لتتغير الظروف والمواقف لاحقاً من خلال الضغوطات و خلق حالة من الفوضى لإرباك الخصوم .

و يمكن اعتبار تعليق الأخطاء على الآخرين صفة فطرية داخل العقل الباطن ، تدخل صاحبها في حالة من الصراع مما يتسبب بحالة مرضية تحتاج إلي علاج نفسي طويل؛ تبدأ من خلال اعترافه بالخطأ وعدم تحميل الآخرين المسؤلية عن أخطاء هو السبب الوحيد في ارتكابها واعترافه أنه مشكلة لكل حل ؛ لينجو من تأنيب الضمير الذي لا يسمح له أن يعش في سكنية وسلام نفسي وعاطفي مع ذاته .

و يمتلك صاحب تلك الشخصية المضطربة قدرة على العناد القاتل ، لا يستمع لأحد ، لا يعنيه ما يقول عنه الآخرين ، يظل متمسكاً برأيه إلي أبعد ما يتصور البعض ، لا يستسلم ولا يقر بالهزيمة ،يعترف بينه وبين نفسه أنه على خطأ وأن مبرراته لا تقنع أصحاب الفكر والرأي السديد؛ ولكن بقاء الوضع الحالي من وجهة نظره تلبي غروره و جميع مصالحه وما عليه الا ايجاد أشخاصاً يعلق عليهم أسباب عدم وصوله إلى حلول وقواسم مشتركة للمشاكل والأزمات الموجودة بالفعل والتى ينكر أساساً أنه سبب أفتعالها ، من خلال استخدامه مبدأ الأدارة بالأزمة .

يمكننا القول أن البوابة الرئيسية للخروج من هذا الواقع النفسي المرير لتلك الشخصية المتناقضة هو تحمله المسؤولية من خلال اعترافه بوجود مشكلة ، ومواجهة الذات بكل شجاعة ( أن النفس لإمارةً بالسوء ) وعدم الانصياع إلي النفس البشرية وعدم اتخاذ قرارات عاطفية سريعة لتخليص النفس من اللوم فهو عادةً قد يوقعها في شباك التضليل والعيش خلف قناعاً مزيفاً مما يمكنه من احتراف التضليل في كل ما يقول ويفعل .

يعتبر العجز الحقيقى هو عدم القدرة على مواجهة الآخرين والصاق التهم والأكاذيب بهم ، من خلال الاستعانة ببطانة سوء هي غالباً لا تحمل الخير لأحد هم عادةً أحد ثلاثة أنواع : النوع الأول لا يمتلكون قراراً أو قوة تأثير وشخصياتهم غالباً انقيادية ضعيفة و النوع الثاني :المنتفعين من بقاء الوضع على ما هو عليه حفاظا على مصالحهم الشخصية ويتمثل النوع الثالث : في تلك الفئة المنهكة التي تلتقط وتتلهف الحلول وتائهة بين التناقضات وتتعرض الابتزاز .

يبدأ في تلك الحالة من يدير الأزمة بالأزمة البحث عن شماعة يفرغ فيها سمومه وعدوانيته وشخصيته السادية و يعلق عليها كل أسباب العثرات والعقبات والمسؤوليات ليرتاح من عذاب الضمير؛ مما يؤثر على حياته وتعاملاته و علاقاته مع الآخرين ؛ إلي أن يسقط القناع الزائف .

تعتبر ثقافة الاعتراف بالذنب في الإسلام من المعايير الأساسية في تهذيب وتربية النفس البشرية، ويأصل في النفس المسلمة صفاءً ونقاءً وطهارةً مستمرة، كلما دنسها الذنب والمعصية، والاعتراف بالذنب الأساس لقبول التوبة، بل هو مقدمة للخروج منها، يقول تعالى: {وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا۟ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا۟ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُوا۟ لِذُنُوبِهِمْ} ويقول عليه السلام : كل أبن أدم خطاء وخير الخطائين التوابون .

يمكننا القول أنه لا يوجد من هو معصوماً من الوقوع في الأخطاءوالزلل ، و أن من لا يخطئ لا يتعلم ، وبدلاً من البحث عن وسيلة للهروب وتحميل الغير المسؤلية عن أزماتنا ؛ يجب الاعتراف بوجود المشكلة ومن ثم البدء الفوري بوضع حلولا ً منطقية وعادلة وعاجلة لها ؛وتحمل تبعات وتأثيرات تأخير تلك المشكلة بكل شجاعة وعقلانية.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : معضلات معبر رفح ودخول المساعدات

معضلات معبر رفح ودخول المساعدات بقلم : سري  القدوة الاثنين 18 آذار / مارس 2024. …

تعليق واحد

  1. مقال رائع ويعالج مشكلة حقيقية موجودة بيت صفوف بعض الناس بوركت جهودك دكتور مروان وإلى الأمام عليك تعديل كلمة اخفاقاتن في السطر الثالث للمقال

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *