الرئيسية / الآراء والمقالات / سليم النجار يكتب : الشخصية الفلسطينية المعاصرة

سليم النجار يكتب : الشخصية الفلسطينية المعاصرة

سليم النجار٠

الشخصية الفلسطينية المعاصرة “٤” ٠ 

سليم النجار ٠٠٠ 

دائما ونحن بصدد استجلاء أهم الروافد الاجتماعية للشخصية الفلسطينية المعاصرة التي استلهمتها من تاريخها المسكوت عنه نصياً والمحفوظ شفاهياً في ظلّ غيابٍ شبه تام من قِبل الكتّاب والمؤرِّخين الفلسطينيين والعرب عن رصد هذه الظاهرة٠ 

في هذا السياق وعلى امتداد هذا الغياب وبشكل بارز، وهو ما يظهر من خلال الصراع الذي حصل بين العثمانيين والفرنسيين بقيادة نابليون بونابرت الذي غزا مدينة يافا، وحاصرها وطلب من حاكمها على “بيك” الاستسلام ووافق” البيك” على شرط إعطاء الأمان لأهل المدينة، ماذا فعل نابليون عندما دخل المدينة؟ أول شيء فعله كان أن أعدم حاكم المدينة، وفي أوّل يوم العيد قتل أربعة آلاف جندي عثماني حامية المدينة، بخناجر بنادق جنوده، والحجّة هي توفير الرصاص، وتوفير الطعام، علماً أنّه استولى على كلِّ الغلال وحتّى المواشي لم تسلم من نهبه٠ 

ورغم حضور هذه المجزرة في الثقافة الشفاهية الفلسطينية، وروايتها بأشكال مختلفة، فقد خضعت هذه الحادثة لتأويلات متعدِّدة، ومن أخطرها أنّ الحرب شُنَّت على العثمانيين، ولم يكن الهدف من هذه المجزرة الفلسطينيين، والغريب في الأمر أن النخب العربية والفلسطينية تغنّت بحضارة نابليون ومن أبرز مظاهر الحضارة جلب المطبعة والخبز الفرنسي لمصر، علما أن هذه المعلومة غير دقيقة، أي دخول أوّل مطبعة للعالم العربي – مصر، فأوّل مطبعة كانت في حلب، ومع ذلك كان هناك إصرار عجيب أن نابليون هو أوّل من أحضر المطبعة من قِبل “النخب العربية” المتهرئة، فليس غربياً الآن ما تقوم به بعض تلك النخب العفنة لتبرير ما تفعله دولة الاحتلال الإسرائيلي في شنّها حرب إبادة على أهلنا في غزّة!!! 

أمّا عن الضحايا فلا يعرفون في أغلب الأحيان إلاّ الصحيات والجراح والآلام٠ 

وكلّ شيء يتغيّر مع ” السؤال”: لماذا ُتسلب عقولنا أمام الهاوية اللاإنسانية؟ ألا يكفي أن يوجد مؤرِّخ صلب وعنيد ومصرّ على القيام بمهمّته كإنسان لينتزعنا من دوختنا؛ “السؤال” ليس لا إنسانيا، إنّها بكل بساطة جريمة دنيئة وسافلة نفّذها ” كتاّب” ضد تاريخهم الإنساني الاجتماعي، بفلسفة النسيان٠ 

وهذا التعذيب الذي يمكن تعريفه بـ” النسيان”، وإن كان منكرا، وبشيء من الرخاوة أحيانًا، إلاّ إنّه كان يُطبَّق بانتظام خلف واجهة المسكوت عنه٠ ويمكن تعريف التعذيب على أنّه مؤسّسة نصف سرّية٠ وهل أسباب التعذيب واحدة في كلّ مكان؟ بالتأكيد “لا”! إلاّ أنّ التعذيب يعبّر عن نفس ضائقة وضائعة أيضًا في كلّ مكان دخله الاستعمار، فلنكنِّس أمام عتبتنا ولنحاول فهم ما أصابنا، نحن الفلسطينيين٠ 

ففي عام ١٩٢٣ – ١٩٤٨ أقامت سلطات “الانتداب البريطاني” على فلسطين حكومة أطلقت عليها (حكومة فلسطين الانتدابية)، وتمّ تشكيل حكومة فلسطين وعاصمتها القدس ويديرها الاحتلال البريطاني وتحت مسماها صدرت عملة فلسطينية بثلاث لغات عربي وعبري وانجليزي٠ وأسّست شرطة فلسطينية ومطار اللّد وإذاعة فلسطينية طبعا، ولم ينل الفلسطينيون غير التسميات، في حين كانت الوكالة اليهودية تحظى برعاية بريطانية وتعمل كحكومة داخل الحكومة البريطانية٠ 

وهذا الصمت عن هذه الحقبة التاريخية في تاريخنا الفلسطيني، ألا يعتبر خوف من ذكر الحقيقة، وهذه الأخطار التي لا ترى أبدًا في عقول ” كتابنا” وهي دائما موجودة، كل هذا لا يمكن أن يقدم لنا الشرح الشافي لعناد الضحايا الذين هم نحن عندما سقطت فلسطين عام ١٩٤٨ ، بدأنا نتغنى بأمجاد حكومة الانتداب ونتباهى بها أمام الشعوب التي استضافتنا، وكأنّنا أبناء البطة “البيضاء”، وساعد على هذا التعالي “الكتّاب” الذين جاءوا لاجئين ومجدوا حقبة حكومة الانتداب حتّى الخساسة، وفي النهاية هذه الكراهية التي تولّدت لِجُلّ الشخصية الفلسطينية التي استولت عليهم دون رضاهم أو وعيهم صقلت شخصيتهم٠ 

إذا وقع التباهي، فهذه هي القاعدة، لقد وقع التباهي دائما من أجل من مصالح جماعية لشرائح فلسطينية محدّدة تحالفت مع الاستعمار البريطاني وفيما بعد مع الدول التي استضافتهم٠ ولكن الرهان في النسيان، تلك المباراة الغريبة، تبدو شبه جذرية، لأنّ الجلاّد يتبارى مع الضحية من أجل عنوان النسيان، كما حدث عند سقوط فلسطين عام ١٩٤٨؛ إنّ عدم نقد الذات ونقد الآخر العربي بممارسة علمية موضوعية، الأمر الذي أوجد خللا في توسّع مجال الاختلاف، وتوفّر إمكانية تتجاوز بها الثقافة العربية الحديثة ضرورة التماثل والتطابق التي تعيق حركتها، وتبطل فعاليتها، بعد أن انقسمت إلى تيارات متضادّة لا تتشارك في المفاهيم والتصوّرات الأساسية، وكلّ هذا أسهم في إضفاء نوع من العدميّة على ثقافة تعجز عن مناقشة إشكالياتها في قضية فلسطين حتّى الآن٠ 

يتبع ٠٠٠

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : الأول من أيار وحرب الإبادة

نبض الحياة الأول من أيار وحرب الإبادة عمر حلمي الغول حروب إسرائيل النازية على الشعب …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *