الرئيسية / الآراء والمقالات / د جمال ابو نحل يكتب : دَاء الأمة العربية، والإسلامية، والدواءَ

د جمال ابو نحل يكتب : دَاء الأمة العربية، والإسلامية، والدواءَ

عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين
عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر
رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين

دَاء الأمة العربية، والإسلامية، والدواءَ

لقد ابتُليت الأمُة العربية، والإسلامية في بعض أحزابٍ، وتنظيمات، وفصائل، وحركات تعتقد أن الله جل جلاله لم يهدى غيرهم!؛ وينظرون لمن يخالفهم بأنه عدوٌ لهم؛ وتجدهم يعلمون من الحَبة قُبة وقد تركوا الشعب غارق في بحرٍ من البطالة، والفقر، والمرض، والجهل، والظلام، والظُلم، ولا هم لهم إلا الحزب والخطاب الإعلامي الموجه للجهات الداعمة لهم؛ وقد وقف بعض الخُطباء لهم على المنابر ، وللأسبوع الثاني، وهم يتغنون بمن سَمعوا كتاب الله حِفظًا على جلسة، وبعضهم فصل عدد الأطباء، والعاملين في الأجهزة الأمنية، والمهندسين الخ بالأرقام على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشعر كأن ذلك صار سمعةً، ورياء ونفاقًا، ولم نسمع بذلك الأمر حدث زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين؛ ونحن نفرح جدًا لمن يحفظ كتاب الله، ولكن نريد تطبيق ذلك بالعمل وأن يكون الحافظ قرآن يمشي على الأرض، ويفقه ويفهم، ويعمل بما يحفظ. يقول د. راغب السرجاني: “ألف خِطاب للتحميس على الجهاد لا تفعل شيئًا إذا وجد الجنود قائدهم أول المختبئين عند الكوارث!؛ وألف خِطاب عن تحمل الظروف الصعبة والرضا بالقليل والزهد في الدنيا، وتحمل المصائب الاقتصادية”؛ فكل تلك الأمور لا تغني شيئًا إن وجد الشعب القادة، والزعماء للفصائل، والتنظيمات والأحزاب، والرؤساء والأمراء والملوك يتنعمون في القصور، وينفقون الملايين على راحتهم، وسعادتهم ورفاهيتهم وأولادهم بشكل صاخب؛ فألف ألف خِطاب عن الأخلاق الحميدة، وعن حفا لكتاب الله دون عمل به؛ فكل ذلك لا يقدم شيئًا للأمة إن كان الذي يقتدى غير قدوة، ولا يتَّسِم بنظافة اليد، واللسان، وطهارة الضمير والوجدان. فالقائد الذي لا يكون قدوة حية لشعبه في الجهاد، والخُلق، والصبر ، والزهد، والعدل لا يجب أن يتوقع من شعبه أن يحميه، وقت الشدائد، ولن يقف معه في زمان المصائب؛ وفي التاريخ عبرة! لقد افتقر المسلمون في زماننا إلى مقومات النصر والتمكين، وتفشت في الأُمَّة الإسلامية أمراض أخلاقية موهنه، فمنعتها من النصر، والتمكين؛ والقاعدة الإسلامية الأصيلة هي قوله سبحانه: (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ)، ونصر الله عز وجل يكون بتطبيق شرعه، والالتفاف حول راية إسلامية واحدة.. لا حزبية، ولا عنصرية.. ولا قبلية.. ولا قومية؛ وقلما تجد قُطرين إسلاميين متجاورين إلا وجدت بينهما صراعًا على حدود أو اختلافًا على قضية.. وانشغل المسلمون بأنفسهم، وتركوا الجيوش المحتلة تعربد في ربوع العالم الإسلامي، وجعلوا همهم التراشق بالألفاظ، والخطب وأحيانًا بالسلاح مع إخوانهم المسلمين!؛ ولا شك أن التنازع بين المسلمين قرين الفشل.. يقول تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). ومن أمراض الأُمة الترف، والركون إلى الدنيا: فلقد كبرت الدنيا جدًّا في أعين المسلمين أجيال كاملة لا تعيش إلا لدنياها وإن كانت الدنيا حقيرة ذليلة.. عاش كل فرد ليجمع المال ويجمّل ويحسّن في معيشته.. ولينعم بأنواع الطعام والشراب والدواب والمساكن.. وليستمتع بأنواع الغناء المختلفة وأساليب الموسيقى المتجددة.. وهكذا غرق المسلمون في دنياهم.. وكثير من الشباب يحفظ الأغاني الماجنة أكثر من القرآن؛ المرض الرابع: ترك الجهاد: كنتيجة طبيعية للانغماس في الدنيا، والترف الرائد عن الحد ترك المسلمون الجهاد.. ورضوا بالسير في ذيل الأمم.. وقَبِلَ المسلمون ما سماه عدوُّهم: «السلام»، بينما هو بوضوح: «استسلام». لم يفقه المسلمون أن السبيل الأساسي لاستعادة حقوق المسلمين المنهوبة هو الجهاد، وأن السلام لو صح أن يكون اختيارًا في بعض الظروف إلا أنه لا يمكن أن يكون الخيار المطروح إذا انتُهِبَتْ حقوق المسلمين، أو سُفكت دماؤهم، أو شُرّدوا في الأرض، أو استُهْزِئ بدينهم وآرائهم ومكانتهم؛ وداء خطير آخر ألا وهو موالاة أعداء الأمة!؛ فلقد سقط الكثير من زعماء المسلمين أيام التتار في مستنقع الموالاة لأعداء الأمة، وكان منطقهم في ذلك أنهم يجنبون أنفسهم أساسًا ثم يجنبون شعوبهم بعد ذلك ويلات الحروب.. فارتكبوا خطأ شرعيًا وعقليًا شنيعًا.. بل ارتكبوا أخطاءً مركبة.. فتجنب الجهاد مع الحاجة إليه خطأ، وتربية الشعب على الخنوع لأعدائه خطأ آخر، وموالاة العدو واعتباره صديقًا والثقة في كلامه وفي عهوده خطأ ثالث. وربنا عز وجل يقول في كتابه بوضوح: يَا (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51]، وهذا تحذير خَطِر من رب العالمين؛ وكم هو أحمق أو ضعيف الإيمان من يستمع إلى هذا التحذير ثم لا يلتفت إليه؛ ومن داء الأمُة الشعور بالإحباط!؛ فالأمة المحبطة من المستحيل أن تنتصر، والإحباط والقنوط، واليأس ليست من صفات المؤمنين؛؛ ومن الأمراض الخطيرة توسيد الأمر لغير أهله، وغياب الشورى: فإذا وُسِّد الأمر لغير أهله، وضيعت الأمانة وتولى المناصب العليا في البلد أناس افتقروا إلى الكفاءة وافتقروا إلى التقوى.. فلا قوَّة ولا أمانة.. وهذه هي الطامة الكبرى!؛ إذا لم يصل إلى مراكز القيادة إلا أصحاب الوساطة أو القرابة أو الرشوة فهذا أمر خطير.. بل شديد الخطورة!؛ إذا رأيتم أن القريب يوظف قريبه، وأن المراكز تباع، وتشترى، وتهدى، وأن أصحاب الكفاءات لا تقدر كفاءتهم، ولا يُرفع من قدرهم، فاعلم أن النصر مستحيل!؛ ومن الأمراض الاجتماعية الخطيرة التي تسري في جسد الأمة العربية في الجاهلية؛ وقد جاء القرآن الكريم وحرمها في الإسلام في قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِـمُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَـحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات:” 11- 12″؛ وهذه هي مداخل الشيطان الستة، وأسلحته الفتاكة! وهي مزالق المتكلمين بغير موازين، وإنها لمن أخطر أسباب خراب العلاقات الاجتماعية أنى كانت، من الأسرة إلى الجماعة! وهي سبب فشل الإنسان في مد جسور المحبة، والتواصل مع المؤمنين، وكلها آفات لسانية وقلبية، وهي كما جاءت مرتبة في الآيات كالتالي: السخرية، واللمز، والتنابز بالألقاب والظن، والتجسس، والغيبة، والنميمة!؛ وعلاج لكل ذلك الداء وبعد التشخيص الصحيح يجب أن نبدأ بالدواء لعلاج الداء؛ وذلك من خلال ما يأتي: العودة الكاملة غير المشروطة لله عز وجل ولشرعه الحكيم، و العودة الكاملة غير المشروطة لله عز وجل ولشرعه الحكيم؛ والوحدة بين المسلمين جميعًا على أساس الدين؛ والإيمان بالجنة والزهد في الدنيا، والبعد عن الترف؛ تعظيم الجهاد والحث عليه وتربية النشء والشباب على حب الموت في سبيل الله، الاهتمام بالإعداد المادي من سلاح وعلم وخطط واقتصاد وتقنيات وسياسات، إظهار القدوات الجليلة وإبراز الرموز الإسلامية الأصيلة وتعظيمها عند المسلمين؛ وعدم موالاة أعداء الأمة والفقه الحقيقي للفرق بين العدو، والصديق؛ وبث روح الأمل في الأُمَّة الإسلامية ورفع الهمة والروح المعنوية. وتوسيد الأمر لأهله.. وأهله هم أصحاب الكفاءة والأمانة؛ والشورى الحقيقية التي تهدف فعلاً إلى الخروج بأفضل الآراء؛ “تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ”؛ معلوم أن التكاتف والوحدة والتضامن فطرة في الخلق، ومبدأ إسلامي أصيل، وأمر إلهي جليل، قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) (آل عمران: 103)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» أخرجه الشيخان، وأول شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة أن آخى بين المهاجرين والأنصار، وتكررت الآيات والأحاديث في الحث على الاجتماع ونبذ التفرق، ومع أنه مأمور شرعا إلا أنه متحتم عقلا، فالاختلاف من عدم العقل، قال الله عز وجل: (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) (الحشر: 14).

ج

الكاتب الصحفي، والمفكر العربي الأديب، والأستاذ الجامعي غير المتفرغ 

ورئيس المركز القومي لعلماء فلسطين، والاتحاد العام للمثقفين، والأدباء والشعراء العرب 

الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : كرة ثلج الحراك الطلابي

نبض الحياة كرة ثلج الحراك الطلابي عمر حلمي الغول ما بين المكارثية الأميركية ونازية نتنياهو …