الرئيسية / الآراء والمقالات / ناهض زقوت يكتب : قداسة العلاقات الفلسطينية الجزائرية

ناهض زقوت يكتب : قداسة العلاقات الفلسطينية الجزائرية

ناهض زقوت

قداسة العلاقات الفلسطينية الجزائرية

الكاتب والباحث / ناهـض زقـوت

الرئيس الراحل هواري بومدين صاحب المقولة المشهورة: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.

ومن بعده أكد رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون: أن القضية الفلسطينية “مقدسة بالنسبة إلى الشعب الجزائري”.

من هذه الرؤية المؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية تشكلت العلاقات الجزائرية الفلسطينية التي كانت ومازالت قوية، كما أن الشعب الفلسطيني أينما كان ما زال يتذكر وقفة الجزائر معه قيادة وشعباً، وهو الأمر الذي يزيد من التآخي بين الشعبين، كما أن الدولة الجزائرية لم تتوان لحظة في دعم القضية الفلسطينية حتى تحقيق الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

لعب الكتاب والمثقفون الجزائريون دوراً كبيراً في التحريض على الحركة الصهيونية والتنبيه إلى مخاطرها، وفي شحذ الهمم في الدفاع عن فلسطين منذ وعد بلفور والاحتلال البريطاني لفلسطين عامي 1917- 1918، فنجد الشيخ سعيد الزاهري يكتب في جريدة الإصلاح سنة 1929م عقب ثورة البراق، محذراً من الصهيونية قائلاً: “أيها المسلمون الجزائريون هل سمعتم بأن الصهيونية في فلسطين قد اغتصبوا البراق الشريف وردوه كنيساً لهم؟، واعتدوا على المسجد الأقصى في القدس الشريف وهم يحاولون أن يتخذوه كنيسا لهم؟…”.

فقد كانت كتابات الكثير من مثقفي الجزائر وصحافييها ومشايخها عبر الصحف الوطنية، في الدفاع عن فلسطين، رغم انشغالهم بقضيتهم الوطنية ومواجهة الآلة الاستعمارية الفرنسية. كما انشغل كتاب الرواية والقصة في الكتابة عن فلسطين والقدس، فهذا الكاتب الجزائري الكبير واسيني الأعرج يكتب روايته (سوناتا لاشباح القدس).

ففي ذروة المعارك والأحداث النضالية، كانت فلسطين حاضرة في الذهنية الجزائرية منذ أيام الثورة التي قادها الأمير عبد القادر الجزائري، وعندما ألقت السلطات الفرنسية القبض عليه، وقررت نفيه من الجزائر، اختار أن تكون مدينة عكا في فلسطين منفاه، وذلك لدلالتها الرمزية في هزيمة نابليون، إلا أن السلطات الفرنسية أدركت مبتغاه، فرفضت ونفته إلى دمشق، ومن هناك انتقل إلى فلسطين عام 1856م حيث زار صفد والقدس، وامتلك أراضي شاسعة في فلسطين.

ونتيجة للظلم الفرنسي الذي عانى منه الشعب الجزائري، هربت العديد من العائلات الجزائرية متوجهة للإقامة في قرى ومدن فلسطين، حيث كان هناك نحو خمس قرى سكنها المهاجرون الجزائريون زمن العهد العثماني، وهي: ماروس، وديشوم، وعموقة، والحسينية، وتليل، وهي تابعة لقضاء صفد، وثمة حارة باسم (حارة الأكراد) أقام فيها الجزائريون، وحسب الإحصائيات بلغ عددهم عام 1945 نحو (1150) نسمة، بالإضافة إلى إقامة آخرين في قرى حيفا وعكا، وبعد النكبة عام 1948 هجروا إلى المنافي كأهل فلسطين، وأقاموا في مخيم اليرموك بسوريا في تجمع عرف باسم (حي المغاربة).

كتب الدكتور عبد الله صلاح مغربي سيرة ذاتية تتحدث عن هجرة الجزائريين والمغاربة إلى فلسطين بعنوان (من جرجرة إلى الكرمل: تجربة عائلة عبد الرحمن مغربي في الهجرة والهوية) يرصد فيه الباحث رحلة عائلة “مغربي” من منطقة جرجرة الجزائرية إلى منطقة الكرمل في حيفا. حيث درس في الفصل الأول طبيعة الهجرة الجزائرية إلى بلاد الشام، ودوافعها ومراحلها والصراع على تجنيس المهاجرين، وتحدث في الفصل الثاني عن مواطن المهاجرين الجزائريين في بلاد الاغتراب الشامية، وخاصة سورية وفلسطين، كنموذج لهذه المواطن، واستهداف أراضيهم من قبل الصهاينة، ودورهم في النضال ضد الاستيطان الصهيوني، وخصص الفصل الثالث للحديث عن تجربة الاغتراب لدى عائلة المغربي، نموذجاً لغيرها من العائلات التي هاجرت من الجزائر بسبب الاستعمار الفرنسي، وتوزع الحديث فيها على موطن العائلة الأصلي في الجزائر ومناقشة مصطلح “مغربي”، ثم الحديث عن الهجرة الثانية إلى صيدا في لبنان بعد نكبة فلسطين عام 1948. وما زالت جذور العائلة تعيش في مدينة رفح جنوب فلسطين.

يقول الباحث أن وجهة المهاجرين الجزائريين في بادئ الأمر كانت مدينة دمشق، ومنها كانوا يتوزعون في قرى ولاية دمشق، ومن ثم بدأ المهاجرون ينتشرون في مناطق موانئ الوصول مثل يافا وعكا وبيروت، وكان لفلسطين حصة الأسد في الانتشار الجزائري بعد سوريا، فأقاموا في مدينة صفد وسكن أغلبهم في حارة الأكراد، وأقاموا في طبرية حيث أسسوا خمس قرى جزائرية في تلك المنطقة، وكذلك نزلوا في حيفا وقراها المحيطة، كما انتشر المهاجرون الجزائريون في الجليل وعكا ويافا والقدس، لكن أكبر تجمع لهم استقر في قرى الجليل الأعلى.

وثمة العديد من الأراضي والأوقاف الجزائرية في القدس وغيرها، أهمها حارة المغاربة التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي عام 1968 عقب هزيمة حزيران على 1967م. ويؤكد الباحث د. عبد الله مغربي أن الأوقاف الجزائرية الموجودة في فلسطين هي أكثر من أي أوقاف أخرى في العالم. لقد كان من عادة الجزائريين خاصة وبلاد المغرب العربي عامة (موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا) أن من حج بيت الله الحرام ولم يُصل في المسجد الأقصى فإنه لم يتم مناسك الحج، ولحب الجزائريين الشديد لفلسطين وللمسجد الأقصى استوطن عدد كبير من هؤلاء الحجيج في فلسطين.

لم يتوان الشعب الجزائري في الدفاع عن الشعب الفلسطيني منذ العشرينات القرن الماضي، حيث كان لجمعية العلماء الجزائريين دور كبير في دعم القضية الفلسطينية من خلال المشاركة في المؤتمرات التي كانت تعقد في فلسطين، كما قادت الجمعية حملة جمع التبرعات لتقديم العون والإسناد للشعب الفلسطيني، من خلال تأسيس الهيئة العليا لإعانة فلسطين سنة 1948م، حيث عملت اللجنة على جمع التبرعات لصالح فلسطين، فيقول الشيخ الإبراهيمي أحد أبرز قادتها: “شرعنا في العمل في خواتم رمضان المبارك، فاجتمع لدينا من هبات المحسنين عدة ملايين من الفرنكات أبلغناها إلى مأمنها في فلسطين…”، كما سخرت جمعية العلماء الصحف الناطقة باسمها، لتعبئة الشعب لمساندة إخوانه في فلسطين، وكذا نقل أخبار ما يحدث هناك بعيداً عن الصحف الفرنسية المؤيدة للصهيونية.

إن القواسم المشتركة بين الشعبين الفلسطيني والجزائري جد متقاربة، فالشعب الجزائري قدم مليون ونصف شهيد على مذبح الحرية والاستقلال، والشعب الفلسطيني قارب على المليون شهيد وهو يناضل من أجل حريته واستقلاله بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فقد كانت الجزائر من أولى الدول التي اعترفت بالمنظمة وفتح أول مكتب لها عام 1965 وكان مديره سعيد السبع، وهي أول من اعترفت بحركة فتح وفتحت لها مكتباً في عام 1966 وكان مديره الشهيد القائد خليل الوزير، وهي أول دولة افتتحت سفارة فلسطين عام 1974، وأول من اعترف بدولة فلسطين عام 1988 حيث كان الإعلان على أراضيها. وقبل شهور لم يجف حبر التوقيع، وقعت الفصائل الفلسطينية، وثيقة “إعلان الجزائر” للمصالحة، في ختام أعمال مؤتمر “لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية”، وخلال توقيع الاتفاقية، قال رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون “أتمنى عن قريب أن نرى قيام دولة فلسطين المستقلة كاملة الأركان في حدود عام 67 وعاصمتها القدس”. وأضاف: “قبل أربعين سنة، وفي القاعة نفسها، وتحت السقف نفسه، أعلن من طرف ياسر عرفات قيام دولة فلسطينية، التي مضت بنكسات ومشكلات ومؤامرات، واليوم هو يوم تاريخي، ورجعت المياه إلى مجاريها”.

وخلال الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة، وبفضل جهود الدبلوماسية الجزائرية، جرى استدعاء الجمعية العامة للأمم المتحدة في آب/ أغسطس عام 2014 من أجل وقف الاعتداء على غزة والتي استمر أكثر من خمسين يوماً. وقدمت الجزائر مبادرة ألزمت مجلس الأمن على بحث مشروع قرار أعده الأردن وفلسطين بدعم من الدول العربية. يتضمن اتخاذ خطوات فورية من أجل إنهاء الحصار والقيود التي تفرضها “إسرائيل” على عمليات التنقل والدخول والخروج في قطاع غزة، بما في ذلك فتح معابر دائمة نحو هذا القطاع لإيصال المساعدات الإنسانية وضمان تنقل السلع والأشخاص.

لم تتردد يوماً الجزائر في موقفها الواضح والعلني ضد الاحتلال الإسرائيلي على جميع الصعد، وهذا ما شكل حالة من الخوف والهلع عند الكيان الإسرائيلي، لذا كانت الجزائر دائماً مستهدفة من قوى الاستعمار لمواقفها الحازمة في الوقوف مع القضية الفلسطينية وشعبها. في أواخر شهر يوليو 2021 اتخذت الجزائر قراراً بالوقوف في وجه اسرائيل لمنعها من الدخول في عضوية الاتحاد الافريقي، وقد اتفقت الجزائر مع 13 دولة افريقية لطرد إسرائيل من الاتحاد الإفريقي، وبدأت في تشكيل طاقم افريقي لرفض قرار إدخال إسرائيل في الاتحاد الإفريقي للحفاظ على مبادئ الاتحاد ودعم الدولة الفلسطينية العربية. وباركت العديد من الدول الافريقية أي خطوة تتخذها الجزائر ضد إسرائيل. 

وبدأت الدبلوماسية الجزائرية في التحرك باتجاه الدول الافريقية الاعضاء لكسب أصواتها، للوقوف أمام الخطوة التي قامت بها إسرائيل والاتحاد الإفريقي دون استشارة الدول الأعضاء. وأكدت الجزائر أنها ستعمل من خلال الكتلة العربية في الاتحاد الإفريقي، ومع الدول الإفريقية المؤثرة على محاصرة المد الاسرائيلي داخل الاتحاد.

وقد دفع الجزائر ثمناً غالياً نتيجة هذه المواقف القومية إذ بعدها اشتعلت النيران في غابات الجزائر، تحرق الشجر والبشر وتدمر البيوت، وتقضي على الطبيعة الخضراء للجزائر. كل ذلك حدث فجأة ودون سابق انذار، اشتعلت النيران، بشكل كبير ومخيف. لم تكن هذه الحرائق بفعل الحرارة بل كانت بفعل فاعل يستهدف الجزائر لمواقفها القومية.

إن الحديث عن العلاقات الأخوية القومية بين الشعبين الفلسطيني والجزائري، لا يمكن الحديث عنها في بضع صفحات، فجذور العلاقات ينتهي المداد ولا ينتهي الحديث عنها، فالجزائر حكومة وشعباً كانت دائماً مع فلسطين وشعبها في كل المواقف والمحافل الدولية والاقليمية بالكلمة والموقف القومي الجاد، والدعم المادي والمعنوي، ورغم كل التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية نجد الجزائر ثابتة على موقفها الداعم لنضال الشعب الفلسطيني، وستبقى العلاقات الأخوية قائمة ومتفاعلة بين الشعبين على قاعة الانتماء القومي إلى فلسطين. وهذا ما تؤكده مواقف أبناء الجزائر في رفض مشاركة لاعبو اسرائيل في الالعاب الرياضية، وحرصهم على رفع العلم الفلسطيني عقب فوزهم بأي بطولة رياضية.

إن الشعوب تستمد مواقفها الوطنية من مواقف قادتها، وكانت الجزائر مثال الانسجام القومي بين الرئاسة وشعبها، فقد عبر كل رؤساء الجزائر عن موقفهم الثابت من دعم نضال الشعب الفلسطيني، فلقد قال الرئيس الجزائري الراحل “هوراي بومدين” قولته الشهيرة: “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، كما قال الرئيس الراحل “أحمد بن بلة”: “إن استقلال الجزائر سيبقى ناقصاً ما لم تتحرر فلسطين”، وعبر الرئيس الجزائري الحالي “عبد المجيد تبون” عن أسفه واستيائه من هرولة الدول العربية نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأكد أن القضية الفلسطينية “مقدسة بالنسبة إلى الشعب الجزائري”

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عبد الرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
رئيس اللجنة الشعبية في الرياض

د عبد الرحيم جاموس يكتب : ثورة الطلاب العالمية فلسطين تنتصر

ثورة الطلاب العالمية فلسطين تنتصر… احتجاجات الطلاب : من جامعة كولمبيا في أمريكا إلى طلاب …