الرئيسية / الآراء والمقالات / موسى الصفدي يكتب : رحلة الى حلم

موسى الصفدي يكتب : رحلة الى حلم

موسى الصفدي

رحلة إلى حلم

موسى الصفدي

خمسون عاماً مضت دون أن يستطيع و لا للحظةٍ واحدة أن يحصي تلك الكيلوميترات التي قطعها بصحبة الأطفال الثوار مشياً على الأقدام للوصول إلى لبنان .

ظل يكتم على صحبتهِ من الصغار الحقيقة … الخريطة المدرسية التي كان يعتمد عليها للوصول لموقع سرية الشهيد جواد أبو شعر خذلته … 

اللعنة على كتاب الجغرافية .. صرخ في داخله عشرات ألاف الكيلومترات و الأنهار و التضاريس الصعبة كنت أقطعها خلال دقائق و دونما بذل أي جهد يذكر باستخدام أدوات الهندسة الخشبية التي كانت توزع في مدارس الأونروا …

  لا لا لن أعترف للأخرين بأني أضعت الطريق …

ماذا سيقولون … تساءل و قدر ان الوقت الإضافي بما في ذلك الجهد الذي سيبذل في الوصول إلى موقع قيادة سرية الشهيد جواد أبو الشعر هو الثمن لا بد من دفعه من قبل كل الثوار الصغار لكي يرتدوا تلك البدلات العسكرية التي طالما حلموا بارتدائها و البنادق أيضاً … 

النهر الموجود في كتاب المدرسة لم يكن بهذا العمق كذلك التضاريس اللعينة … 

 كما لم يذكر الكتاب وجود كل تلك الدوريات و المهربون و الرعاة و تشكيلات الهجانة المنتشرة بكثافة في المناطق الحدودية للدول التي تحلم من الناحية النظرية بتحقيق وحدة شعوبها …

ادرك أن الكتاب و حلم الوحدة كلاهما طرحان نظريان و التعامل مع واحدٍ منهما او كلاهما ممكن بسهولة من الناحية النظرية و عندما يتعلق ذلك بالواقع و الممارسة فإنه يترتب على من يريد الحصول عليهما إحراق الكتب و تجنب الدوريات و القضاء على المهربون و حل مشكلة الرعاة …

 

تساؤلات تساؤلات … 

كان عليه ان يجب على كل التساؤلات التي إنهالت عليه من أصدقاء الرحلة الهاربون من بيوتهم و الملاحقون من إدارة المدرسة و مدير مؤسسة اللاجئين في المخيم المعروف بعلاقاته المبهمة مع كل الجهات خارج و داخل المخيم … كذلك التخلص من كل العقبات التي تم ذكرها …

ادرك هو و أصدقائهِ الرومانسيون الصغار الذاهبون للحياة التي تخبئها لهم فكرة الثورة أن معضلة الجغرافيا و صعوبات الطريق لا تمثل شيئاً يذكر أمام مجرد التفكير بالواقع المعقد جداً جداً جداً لجرائم الفكر و الفلسفة و الشعارات المصنعة في الغرب و المعاد إنتاجها بطريقة سيئة و بوسائل إنتاج أسوء منها والتي تقدمها الأحزاب الثورية في عالم لا يحتل أي تصنيف يذكر او ذو أهمية للمستهلك الذي يتخاطف سُلعهم الرديئة بكل إمتنان … و إلا كيف بنيت الأحزاب تسائل … 

مبادرة الإلتحاق بسرية الشهيد جواد أبو الشعر تشكلت في بيوت كان ينقصها كل متطلبات هندسة البيوت المحيطة في الأحياء المجاورة …

ربما هذا بحد ذاته شكل دافعاً أساس للثورة …

 على الرغم بان المخيم كان مزهواً بما يملكه من ملصقات و كتابات ثورية على جدرانه المتهالكة و بما لا يُستطاع فهمهُ مع مخزون هائل من شعارات العودة و حرب التحرير الشعبية المكتوبة بعصبية واضحة تدل على أن من قام بكتابتها على الجدران هم من شريحة كبار و عتاة الراسبين في مختلف مراحل الدراسة أو من الممنوعون من دخول مدارس الأنروا في فلسطين و البلدان المجاورة لها لأسباب لا دعي لذكرها و الذين شكلوا بمجملهم رافعة أسست لبناء مدارس في الإعلام و الفن التشكيلي و الموسيقا و فوضى المنظمات الشعبية … 

  كنا قررنا انا و هؤلاء الصبية الصغار إلى المبادرة بالقيام بما لم تكن الظروف تسمح فيها للكبار بعد يوم او يومين على الأكثر من سماعنا لخبر إجتياح إسرائيل لجنوب لبنان … 

الوصول إلى موقع السرية مشياً على الأقدام تسبب بأوجاع لازلت أشعر بها حتى الأن لا كن الوجع الأكبر كان في وجود أباء هؤلاء الصبية الثوار برفقة مدير مؤسسة اللاجئين و شيخ المخيم و مدير المدرسة في غرفة قائد السرية بإنتظار وصولنا …

عاد أغلبهم الى متابعة حياتهم بعيداً عن حلم وفكرة الثورة …

فقدت أصدقائي و بقيت وحيداً …

موسى الصفدي

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عبد الرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
رئيس اللجنة الشعبية في الرياض

د عبد الرحيم جاموس يكتب : ثورة الطلاب العالمية فلسطين تنتصر

ثورة الطلاب العالمية فلسطين تنتصر… احتجاجات الطلاب : من جامعة كولمبيا في أمريكا إلى طلاب …