IMG-20230612-WA0026
الرئيسية / متابعات اعلامية / وفاة برلسكوني الاب الروحي للجمهورية الثانية

وفاة برلسكوني الاب الروحي للجمهورية الثانية

IMG-20230612-WA0026

وفاة برلسكوني الاب الروحي للجمهورية الثانية

 

بسام صالح

روما / الصباح /  كتب  /  بسام صالح

توفي صباح اليوم 12/6/2023 سيلفيو برلسكوني في مستشفى سان رافاييل في ميلانو حيث دخل هذا المستشفى عشرات المرات. مثل بيرلوسكوني شخصية سياسية أثرت وتميزت وقوضت ثلاثين عامًا من الحياة السياسية في في ايطاليا.

لا يختلف اثنان ان بيرلوسكوني كان المستفيد الاكبر مما اطلق عليه الجمهورية الثانية، التي نشأت بعد ما سمي بعملية الايدي النظيفة، واظهرت مدى الفساد وسؤ الادارة للاحزاب التي حكمت ايطاليا منذ قيام الجمهورية بعد الحرب العالمية الثانية، وادت التحقيقات القضائية الى انحلال كافة الاحزاب الايطالية وتشتيت ما تبقى من قياداتها الى احزاب جديدة متقاطعة وتنقل العديد من الشخصيات من حزب لاخر، واختفت تلك الاحزاب الذي كان الاسم يدلل على طبيعته، مثل الديموقراطية المسيحية، الاشتراكي، الديموقراطي الاشتراكي، وحتى الحزب الشيوعي وان كان لاسباب اخرى قام بتغير اسمة.

اكتسب برلسكوني السلطة في ثنايا تلك الرأسمالية المتفشية والتجارية والتي كانت متوافقة جيدًا مع مشروع حزب كراكسي الاشتراكي. كان ذلك في ثمانينيات القرن الماضي من خلال العلاقات مع المحفل الاعلامي الماسوني المعروف P2 وما أعقب ذلك من طفرة في التلفزيون الوطني التجاري والشعبوي، وهو عامل سمح له بانشاء إمبراطورية إعلامية وتحريرية كاملة (Mediaset) اندفعت إلى “السياسة”، وهذا ما تمكن من الحصول عليه خلال فترة حكم بيتينو كراكسي زعيم الحزب الاشتراكي وبالاتفاق معه تم منح ترخيص لتلفزيونات بيرلوسكوني البث على المستوى الوطني و تدشين نموذج الشركة الحزب (Forza Italia) وهيمنة السرد الاستهلاكي، الملكية، والانانية الذاتية ، التي كانت تتصاعد في العمق الباطني لغالبية الشعب الايطالي. 

جسده برلسكوني في التسعينيات النموذج السياسي والاجتماعي والثقافي الذي منسجمًا تمامًا مع رغبة اليمين في الانتقام وسمح بفك الحظر عن بقايا الفاشية وتخليصهم من ماضيهم الاسود. وهذا دفع الفاشيين الجدد إلى تذوق نكهة الحكومة والسلطة ، والتي لم يتخلوا عنها مطلقا. حيث شاركهم في حكوماته الاربعة التي تراسها. 

لكن برلسكوني كان أيضًا تجسيدا لرأسمالية إيطالية متسولة نوعًا ما وطموحة إلى حد ما ، تتكون من “المقترضين” بدلاً من رواد الأعمال، في ارتباك واضح بين الطموح بأن تكون “الأول على الراسبين” أو “الأخير من بين الأوائل”. أدى هذا التناقض في كثير من الأحيان إلى اصطدام برلسكوني مع الجزء الآخر من الرأسمالية الإيطالية: الجزء الأكثر تكاملاً أو المتوقع على البعد الدولي والأوروبي.

في الوقت الذي كانت فيه عمليات التسلسل الهرمي الرأسمالي تهدف إلى إعطاء نفسها بعدًا أوروبيًا على أساس الهيمنة الألمانية التجارية والليبرالية النظامية، حاول برلسكوني أن يجمع حول نفسه كل أجزاء “الرأسمالية الصغيرة” التي نجحت في السوق الداخلية أكثر منها في الاوروبي او الدولي.

في المقابل شنت المؤسسة الاوروبية التي تمثلها بامتياز مجموعة النشر والتحرير وعلى راسها لاريبوبليكا والاسبرسسو حربا منهجية ضد برلسكوني، مما اجبر ايطاليا والسياسة الايطالية على الانقسام بين مؤيد ومناهض لبرلسكوني، وقاد اليسار الايطالي الخط المناهض لبرلسكوني، في قرأة سيئة ومشوه للواقع، ادت في النهاية الى ذوبان اليسار نفسه، اذ غاب اي تحليل علمي لواقع المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي واحتياجات الغالبية العظمى من المواطنين، واصبح نضال اليسار مرتبط فقط باسقاط حكومة برلسكوني دون ان يكون لديه بديل علمي واقعي يلبي احتياجات الشعب. من عام 1994 إلى عام 2011، مثل التناوب بين حكومات برلسكوني وحكومات يسار الوسط (رومانو برودي وغيره) تضارب المصالح المادية ضمن الطبيعة المتناقضة للرأسمالية الإيطالية. فخرجت المصالح الشعبية ومصالح العمال محطمة، ودمرت بسبب النيران الصديقة لليبرالية من يسار الوسط وشراهة ريادة الأعمال الواسعة النطاق التي جسدها برلسكوني. العواقب واضحة ومازال الشعب الايطالي يدفع ثمن ذلك. 

تعرض برلسكوني لمساءلة من قبل القضاء الايطالي في قضايا الفساد والتهرب من الضرائب اضافة للفضائح الاخلاقية، تمت ادانته باكثر من قضية ومنع من حقوقه المدنية في الانتخاب والترشيح وتم ابعاده لفترة خمس سنوات من دخول المقرات الحكومية الرسمية، الى ان اعيد انتخابه مجددا لعضوية مجلس الشيوخ الايطالي في الانتخابات الاخيرة، حيث يشارك حزبه الى جانب جورجا ميلوني رئيسة الحكومة الحالية ورئيسة حزب اخوة ايطاليا ذو الاصول الفاشية و بمشاركة الرابطة التي يراسها ماتيو سالفيني ولكن بقيت ظلالّ علاقاته مع المافيا مخفية منذ دخوله المعترك السياسي وكما يبدو انها لن تتبدد. 

انتهى حكم برلسكوني عام 2011 ، بتدبير من البنك المركزي الاوروبي والدوائر السياسية والمالية الاوروبية مما اجبره على تقديم استقالته، وتم استبداله باحد رواد التكنوقراط الاوروبي ماريو مونتي. 

برلسكوني على ضؤ ذلك قام بتسجيل حزبه فورسا ايطاليا ضمن مجموعة الحزب الشعبي الاوروبي في البرلمان الاوروبي وحصل على الضؤ الاخضر لتحويل مملكته الاعلامية الى امتياز يحترم القواعد الاوروبية. وخضع ممثل الراسمالية الوطنية الضعيفة لاملاءآت الترويكا الاوروبية في مواجهة ازمة العولمة الراسمالية.

منذ ذلك الحين، تولى تقريبًا دور الأب النبيل للجمهورية الثانية، ولم يخفي طموحه للجلوس على كرسي رئاسة الجمهورية. حلم أحبطه الأعداء و “الحلفاء” بشكل متكرر. حتى أطيح به كزعيم لليمين الوسط أولاً من قبل سالفيني ثم ميلوني.

منذ وصول برلسكوني للحكم تغيرت السياسة الايطالية تجاه القضية الفلسطينية، وغلب عليها تعزيز الصداقة مع دولة الاحتلال العنصري، بدلا من موقف الحياد بين الطرفين، الذي اتخذته بعض حكومات يسار وسط، ويذكر انه ردا على سؤال بعد زيارته لاسرائيل وفلسطين، هل شاهدت جدار الفصل العنصري؟ كان رده بالنفي. 

في السنوات الاخيرة كان برلسكوني شخصية تمثيلية مختفيه في الغالب ولكن ليس في الحرب في اوكرنيا حيث حاول الظهور مرة اخرى كزعيم سياسي بواقع صداقته مع الرئيس بوتين، ولكن حلفائه في الحكومة كان لهم رائيا اخر.  

حاول برلسكوني أيضًا إجبار الساعة البيولوجية على ما هو أبعد من القياس، لكن هذا غير مسموح به، ولا حتى لأصحاب المليارات. مات برلسكوني تاركا ارثا يقدر ب ستة مليارد يورو. وبعد ايام ستبداء معركة الخلافة الحزبية بين اقطاب يمين الوسط الذي فقد مموله المالي وربما دوره السياسي في البلاد.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

20240420_143456

استهداف مخيم نور شمس يندرج ضمن مخطط التهجير ويتطلب تدخل دولي لحماية المخيمات

استهداف مخيم نور شمس يندرج ضمن مخطط التهجير ويتطلب تدخل دولي لحماية المخيمات    المحامي …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *