الرئيسية / الآراء والمقالات / عمر حلمي الغول يكتب : محاذير المشاركة في القمة

عمر حلمي الغول يكتب : محاذير المشاركة في القمة

عمر حلمي الغول

محاذير المشاركة في القمة

عمر حلمي الغول

شهد تاريخ الصراعات الاهلية والقومية والدولية مساومات متعددة، نجم عنها تنازلات متبادلة، وبعضها تنازلات من جانب الطرف المهزوم لحساب المنتصر. بيد ان كل المساومات قامت على ركيزة أساسية عنوانها تقليص حجم الخسائر الى الحد الأدنى، حتى الفريق او الدولة او الائتلاف الإقليمي او الدولي الذي لم يحالفه الحظ بالنصر، حرص كل منهم على المساومة مع الأعداء او الخصوم على تقليص نسبة الاثمان التي سيدفعها لحين تجاوز أسباب الهزيمة، وإستعادة موازين القوى المناسبة لاسترداد الحقوق، التي فرضها المنتصر.

في الحالة الفلسطينية، إضطرت قيادة منظمة التحرير منذ العام 1965 وحتى اليوم (2023) الى خوض غمار العديد من المساومات الداخلية والعربية ومع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، أصابت في بعضها، وفشلت في بعضها الاخر. لكن كان هاجسها الدائم، تقليص حجم الخسائر، حماية الوجود الفلسطيني في الجغرافيا السياسية، وعلى مسرح السياسة الدولية، وتفادي عمليات التصفية المتعاقبة للقضية الوطنية، والمحافظة على الهوية والرواية الفلسطينية، والاهداف والثوابت الوطنية وفق محددات برامج اجماع المجالس الوطنية لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ وكسب الوقت لحين تغير شروط المعادلات السياسية بما يتناسب والاهداف الوطنية.

في الآونة الأخيرة، وقعت القيادة الفلسطينية تحت ضغط أميركي غربي راسمالي بعد قرارها بالتوجه لمجلس الامن الدولي لانتزاع قرار اممي يدين ويجرم الإنتهاكات الإسرائيلية (احادية الجانب)، ويرفض من حيث المبدأ وجود الاستيطان الاستعماري في ارض الدولة الفلسطينية المحتلة، ويطالب الحكومة الإسرائيلية الفاشية بوقف سياسة التغول الاستيطاني والاقتحامات المتوالية للمدن والقرى والمخيمات، واستباحة الحقوق الفلسطينية، وكان من المقرر التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به دولة الامارات العربية للمجلس باسم فلسطين في يوم الاثنين الموافق 13 من فبراير الحالي، الا ان القيادة الشرعية استجابت للضغوط الأميركية، وطالبت دولة الامارات سحب المشروع قبل 24 ساعة من التصويت، بعد ان عرض بلينكن، وزير خارجية اميركا ثمنا زهيدا، ووعودا لا تسمن ولا تغني من جوع للقيادة الفلسطينية، أهمها: وقف البناء الاستيطاني وتشريع البؤر الاستعمارية لبعض الشهور القليلة؛ ووقف الهدم والاقتحامات للمناطق (A و B)؛ ووقف عمليات التصعيد والعنف، وتعزيز مناخ التهدئة؛ ووعد بالتمني على إسرائيل للسماح لاميركا بفتح القنصلية الأميركية في القدس؛ ووعد بترتيب زيارة للرئيس أبو مازن لواشنطن واللقاء العام القادم مع الرئيس جو بايدن؛ وعقد قمة أمنية في العقبة تشارك فيها الإدارة الأميركية، وإسرائيل والسلطة الوطنية ومصر والأردن البلد المضيف لترسيم تلك التفاهمات.

لكن حكومة غلاة الفاشية والدينية الصهيونية بزعامة نتنياهو، ردوا من اللحظة الأولى، وبعد سحب مشروع القرار بلسان رئيس الحكومة، ان البؤر التسع التي شرعتها الحكومة، وما قررته من بناء حوالي 10000 الاف وحدة سكنية لا تندرج ضمن التفاهمات، ليس هذا فحسب، بل ان قوات الجيش الوحدات الخاصة الإسرائيلية الوحشية قامت صباح يوم الأربعاء الموافق 15 فبراير وقبل ان ترى تلك التفاهمات النور باقتحام حارة الشيخ مسلم في البلدة القديمة في نابلس البطولة، وقتلت احد عشر مواطنا فلسطينيا جلهم من الأبرياء بينهم طفل ورجلين تجاوزا السبعين من العمر، واصابة ما يزيد على المئة فلسطيني بالرصاص الحي، فضلا عن إصابة المئات بالاختناق من قنابل الغاز، وهو ما اكد للقاصي والداني بؤس التفاهمات الأميركية، وتواطؤ الإدارة الاميركية مع حكومة نتنياهو، وكان حصاد القيادة الفلسطينية صفر نتائج، مما اسقط في يدها، ووضعها في موقف صعب جدا، زاد من الهوة بينها وبين الشارع الفلسطيني.

ما تقدم اماط اللثام مجددا وللمرة المليون، ان إسرائيل وحليفتها اميركا لا يركن اليهم، ولا يمكن الرهان على تنفيذهم أي وعد، مع ذلك، وخيرا ان قمة العقبة تأخر عقدها ليوم غدٍ الاحد، التي من المفترض ان تُرسمْ التفاهمات الوهمية، وهي فرصة امام قيادة منظمة التحرير للاستفادة من اللحظة بعد كشف إسرائيل فهمها للتفاهمات، وفي اعقاب جريمتها الوحشية في نابلس كي تتنصل منها، لان لديها أوراق تثبت عدم جدارة ومصداقية الراعي الأميركي للمرة المليون أيضا، والاهم ان صيغة التفاهمات من حيث المبدأ كانت على حساب المصالح والحقوق الوطنية، ولا تساوي شيئا، وفيها إقرار بشكل غير مباشر ب”شرعية الاستيطان الاستعماري”: لان القبول بمبدأ التأجيل لمدة 3 او 6 شهور، هو عمليا إقرار بالاستيطان على الأرض الفلسطينية، اضف الى ان مطلق تفاهمات مع اميركا او إسرائيل، يفترض ان ترتكز على العديد من الثوابت، أولا إقرار كل منهما بالشعب العربي الفلسطيني، ورفض الصيغة المستخدمة للتعريف بهم ب”الفلسطينيين”، يجب استخدام بالنص “الشعب العربي الفلسطيني”، وثانيا الإقرار المبدئي بالحقوق السياسية والقانونية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، التي زادت عن الالف؛ ثالثا رفض وصم المقاومة الشعبية الفلسطينية ب “الإرهاب” تحت أي اعتبار بما في ذلك العمليات الفدائية المسلحة؛ رابعا اسقاط صفة الإرهاب عن منظمة التحرير، ورفعها من قوائم الإرهاب الأميركية؛ خامسا فتح ممثلية دولة فلسطين في واشنطن، والقنصلية الأميركية في القدس؛ سادسا رفض عقد أي قمة تحت الاعتبار الأمني. لان اميركا ومعها إسرائيل المارقة والخارجة على القانون تريد تحويل القضية السياسية والقانونية الفلسطينية الى قضية امنية، ليس هذا فحسب، بل تحويل السلطة الوطنية لاداة بوليسية لخدمة أهدافهم الاستعمارية.

اذا هناك محاذير كبيرة من المشاركة في قمة العقبة التي اقترحتها الإدارة الأميركية، لا يجوز تحت اية اعتبارات المشاركة بها، لانها تشكل خطرا على القيادة والشعب والقضية والمشروع والاهداف الوطنية.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عبد الناصر شيخ العيد

عبدالناصر شيخ العيد يكتب : الفينو الأمريكى طعنه فى وجه الديمقراطية

الفينو الأمريكى طعنه فى وجه الديمقراطية بقلم عبدالناصر شيخ العيد لقد أصبح حق الفينو قمه …