الرئيسية / الآراء والمقالات / عمر حلمي الغول يكتب : أبعاد قصف القنصلية

عمر حلمي الغول يكتب : أبعاد قصف القنصلية

عمر حلمي الغول

نبض الحياة

أبعاد قصف القنصلية

عمر حلمي الغول

معادلات التحالف والصراع معقدة، ولا تتخذ نسقا واحدا، لأنها بالأساس مركبة، فهناك توافقات بينية بين الدول على مصالح بعينها قصيرة المدى، وبالتجاور مع ذلك، هناك صراعات حول الحدود والمصالح والسياسات والعلاقات البينية والاقليمية وانعكاساتها على الجيوبولتيك الدولي. وهذه المعادلات بوجهيها الإيجابي والسلبي متحركة ومتحولة، وليست ثابته تحكمها بوصلة المصالح للدولة او التحالف، وأيضا تغير موازين القوى في سيرورة وصيرورة حركة التاريخ.

وعلى أهمية قراءة تاريخ مطلق صراع محلي او إقليمي او دولي، كونه يشكل خلفية لإرهاصات الصراعات المختلفة، في محاكاة أي صراع تستوجب الضرورة قراءة التحولات والاحداثيات المتمظهرة نتاج صيرورة الصراع هنا او هناك. لان ثابت اليوم قد يصبح متحولا غدا، والعكس صحيح.

مثال حي على معادلات الصراع والتحالف المركبة، تعكسه العلاقات الأميركية الإسرائيلية من جهة وجمهورية إيران وادواتها من جهة أخرى. فهي في الوقت الذي تتكامل فيه على استهداف العدو العربي المشترك، ونهب ثرواته وارضيه، وإخضاعه لمصالحهم المشتركة، في ذات الوقت تتنافر مصالحهم في حسابات السيطرة على الإقليم، ومن يخضع لمن، وارتدادات ذلك على خارطة الصراعات الدولية. وبالتالي يحرص كلا الطرفين على معادلة دقيقة لضبط إيقاع الصراع بحيث لا يصل لإطلاق شرارة حرب إقليمية او عالمية. لان كلاهما خاسر بالمحصلة النهائية.

واذا توقفنا أمام جريمة قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق، العاصمة السورية يوم الاثنين الماضي الأول من ابريل الحالي، وأودى بحياة 16 ضحية من بينهم 8 من ضباط الحرس الثوري الإيراني، و5 سوريين ولبناني واحد، فهذا التصعيد الإسرائيلي السياسي والديبلوماسي والعسكري لم يكن عبثيا، ولا نزقا شخصيا، رغم وجود الحساب الشخصي لنتنياهو، وانما استهدفت حكومة الحرب الإسرائيلية دفع عربة الحرب خطوة كمية نحو المواجهة مع إيران ذاتها، وليس مع ادواتها في لبنان او سوريا او العراق او اليمن لأكثر من اعتبار: الأول رغبة إسرائيل في توسيع نطاق الحرب، وإطالة امدها؛ ثانيا توجيه ضربة قاصمة لإيران، وطي صفحة ملفها النووي؛ ثالثا تجفيف منابع ادواتها، وتغيير قواعد اللعبة معها والتخلي عن تكتيك الاشتباك المقنن؛ رابعا توسيع دائرة الحرب الإقليمية، بما يتجاوز حدود الإقليم لحرب عالمية مباشرة بين الأقطاب، وليس كما هي دائرة حتى الان بالوكالة في الأطراف.

واسئلة الهدف الأخير تدور حول الاتي: هل هدف توسيع الحرب مرتبط بما يجري في قطاع غزة وفلسطين عموما ام لا؟ وهل لحكومة إسرائيل ان تخطو هكذا خطوة دون ضوء اخضر أميركي؟ وهل لصفقات السلاح الأميركية الأخيرة لإسرائيل علاقة بتوسيع دائرة الحرب، ام انها منفصلة؟ وهل تريد الولايات المتحدة الأميركية الحرب ام لا؟ واذا كانت إدارة بايدن مع توسيعها، الا تخشى تداعياتها على الداخل الأميركي؟ وهل الظرف السياسي والاقتصادي والعسكري مؤات، أم انها تريد فرض معاييرها على الأقطاب الدوليين في النظام العالمي الجديد؟ وهل إيران مستعدة لخوض حرب مباشرة مع إسرائيل وأميركا ام لا، رغم تهديدات قياداتها ومرجعياتها الدينية بالرد على قصف القنصلية؟ وهل استنفذت قدرة وامكانيات ادواتها في الدول العربية؟

مؤكد ان للقيادة الإسرائيلية وخاصة نتنياهو لديهم رغبة جامحة بتوسيع نطاق الحرب وتجاوز حدودها في قطاع غزة بحيث تصل نيرانها لطهران وقم حليفة الامس، لأنه يقضي على منافس قوي في الصراع على الإقليم، ويعيده لدائرة التحالف بعد تقليم أظافره، ولان اشعال فتيلها يخدم مآربه الخاصة والعامة. ومن المؤشرات المتناثرة التي تصل من داخل الجبهة الإسرائيلية تم اخذ العديد من الإجراءات الاجتماعية والصحية واللوجستية والاقتصادية والعسكرية والبيئية. ومع ذلك لست على يقين الان من ان واشنطن الان تريد حربا إقليمية أوعالمية. ولكن كل شيء ممكن. والا لماذا ارسال الطائرات الأميركية الاحدث في العالم لإسرائيل بالتزامن مع ارسال الاف القنابل والصواريخ؟ ولماذا هذا التواجد البحري العسكري المكثف الأميركي والغربي الامبريالي في بحور الإقليم الشرق اوسطي؟ ولماذا مازال البيت الأبيض يمنح إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة حرب الإبادة على قطاع غزة، رغم التباين في التفاصيل بين بايدن ونتنياهو؟ ولماذا ترفض الإدارة الأميركية حصول فلسطين على مكانة دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة؟ ولماذا تصر على التهجير القسري لابناء الشعب الفلسطيني من القطاع والضفة؟ أليس كل ذلك لإبقاء نيران الحرب والصراع في الوطن العربي والاقليم متقدة؟

واما على الصعيد الإيراني أميل للسيناريو التالي، اعتقد انها لن تذهب للحرب، حتى لو حاولت إسرائيل الاستفزاز تلو الاستفزاز لها. لأنها تعتبر الحرب على بيتها الداخلي نهاية وجود دولة الملالي، كما لن تضحي مقابل قصف القنصلية ولا مقابل 100 او 1000 قتيل من جنودها وضباطها، وستبقى تناور باستخدام أذرعها في الدول العربية. بيد ان إسرائيل مستميتة على خيار الحرب، لذا تضخ من خلال ادواتها وامبراطورية الاعلام الصهيونية كما هائلا من التحريض والتهويل حول طبيعة الرد الفارسي، وتضخم من إمكانية استخدام طهران للصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، أضف الى انها قد تقوم بضرب اهداف أكثر حساسية داخل إيران نفسها، مما يضيق الخناق على الخامئني ورئيسي، ويحرجهم امام أبناء شعبهم والعالم على حد سواء.

من السابق لأوانه الجزم بأحد السيناريوهات. لان حدود لعبة الامتصاص الإيرانية قد تضعف امام الضغوط الصهيو أميركية، وإسرائيل معنية بتوسيع الحرب والفوضى والإرهاب بدعم الولايات المتحدة ومن يدور في فلكهم، وممولي حروبهم في الإقليم والعالم من عرب وعجم.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عبد الرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
رئيس اللجنة الشعبية في الرياض

د عبد الرحيم جاموس يكتب : تأمُلات…!

تأمُلات…! باتت المدينةُ تحتَ حكمِ ثلاثِ قِديسات .. هّنَّ: القديسةُ اضطِهاد… القديسةُ تَزَّمت… القديسةًاشمِئزاز.. (يشعرُ …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *