الرئيسية / الآراء والمقالات / سليم النجار يكتب : الشخصية الفلسطينية المعاصرة

سليم النجار يكتب : الشخصية الفلسطينية المعاصرة

سليم النجار

الشخصية الفلسطينية المعاصرة”٢” 

سليم النجار 

لعلّ العلاقة بين الكلمات وما تفكر به، من منظور رومانسي مفتوح الجهات، هو الذي يشجع الحديث عن الشخصية الفلسطينية، رغم الاحتدامات الفكرية التي كانت تعيش فيها المنطقة العربية، وعلى وجه التحديد الشرق منه، قبل النكبة٠ ومحاولة الخوض والقراءة غير المتأنية لنمو الشخصية القطرية؛ التي لعب الاستعمار الفرنسي والبريطاني في نموها وتنميرتها، وما فعله ما يسمى بالاستقلال الوطني ترميم هذه الشخصية القطرية، التي تناغمت بشكل أو آخر مع مخلفات الاستعمار٠ 

وشكلّت فلسطين نوعا من الاستثناء، فقد كانت الأمور تتجه للأسوأ نظرًا لما خططه الاستعمار البريطاني في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، لذا لم تشهد الشخصية الفلسطينية ولادة طبيعية، أو في أحسن أحوالها على نمط الشخصية العربية في المشرق كسوريا ولبنان والعراق، بل انطلقت من رحم الانتداب الذي في جوهر وجوده في فلسطين إلغاء الشخصية الفلسطينية، من هنا برز التناقض، من جهة أراد الانتداب البريطاني إظهار الشخصية الفلسطينية لخدمة مصالحه الآنية والاستراتيجية، ومن جهة أخرى تكون جسرًا لتحقيق هدفه في إنشاء الكيان الصهيوني٠ قد يقول قائل هنا لا بد من التوقف قليلا وطرح السؤال: هل تغيّر شيء على هذه الشخصية؟ أم اعتراها اليأس والخجل لأنها الضحية بعد النكبة مباشرة٠ وإذا عُدنا قبل النكبة وسألنا أنفسنا سؤالا آخر: هل كنا ساديين في انتماءاتنا للصراع المحتدم بين عائلتي الحسيني والنشاشيبي؟ هذا الصراع الذي لم يكن إلا صراع نفوذ على المصالح، وكل منهما يغازل الانتداب على طريقته٠ 

أو غياب أي ممارسة سياسية لدى القطاع الواسع من الفلسطنيين، أدى لتفاقم وتزايد وزن العنصر الشخصي في السياسة مع تصاعد دور الهامش الفلسطيني الذي قام بمقاومة الاحتلال البريطاني، وغير دليل على هذا القول” ثورة” عز الدين القسام التي انطلقت بحيفا ولم يلتحق مع هذا الثائر الجليل عز الدين القسام إلا “١١” شخصا واستشهدوا جميعهم في أحراش يعبد٠ وانتظر الفلسطينيون وقتا لا بأس به لقيام ثورتهم المدنية عام ١٩٣٦، التي تمثل ثورة مدنية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وباعها ساسة فلسطين بوعود كاذبة من الدول العربية في ذلك الوقت التي كانت لا تملك من أمرها شيئا، وكانت خاضعة لرؤية الاستعمارين البريطاني والفرنسي الذين كانا مهيمنين على الشرق والعراق ومصر٠ 

وإن كانت الدراسات التاريخية الفلسطينية التي تناولت تاريخ فلسطين أثناء الانتداب البريطاني ومرحلة سقوط فلسطين في براثن الحركة الصهيونية التي أفضت لقيام كيانهم السياسي، قد انتهت إلى عقم هذه الدراسات، وإن كانت كتابات إميل توما قد انتهت إلى عقم الرؤى والمواقف السياسية التي كانت سائدة ما قبل النكبة، والتي أدت في أحد تجلياتها إلى تسريع بناء الكيان الصهيوني الغاصب٠ 

ويمكن القول: إنّ أهمية التاريخ في بناء الهوية الوطنيّة، وإن استسهال الكتابة في التاريخ، واعتمادهم على تجميع الوثائق والمعلومات وتقديمها في قالب أقرب للهزل، ومن ثمة ظهور ما يمكن تسميته بالكتابة التاريخية الهاوية٠ والاعتماد على الوثيقة الرسمية التي هي في الأساس وثيقة استعمارية، وإعادة بناء التاريخ على أساس النصوص المحلية٠ 

ظلّ البحث التاريخي الفلسطيني المقاوم منغلقاً على نفسه لفترة طويلة، وعلى سبيل المثال جماعة الكفّ الأسود التي تشكّلت من أفراد وطنيين وأغلبهم كانوا يعملون عمال نظافة في بلدية حيفا للتغطية على أنشطتهم النضالية القائمة على تصفية العملاء الذين يتعاونون مع الإنجليز وبيع الأراضي، وحتى هذه اللحظة لا يُعرف عن هذه الجماعة إلا القليل القليل٠ كما أن العمليات التي تستهدف الطيارين الإنجليز -وقد تم اصطياد العديد منهم وتحديدا في نابلس كما ذكر المناضل الكبير بهجت أبوغربية مع كاتب السطور- وهذه العمليات حسب علمي لم تُذكر، وربما إذا ذكرت فهي قليلة٠

وهكذا، فالوعي بالشخصية الفلسطينية المعاصرة، في سياق تاريخ الحركة السياسية الاجتماعية الفلسطينية والتاريخ المعاصر، الذي ينطوي على اعتبارات وقضايا ناقصة يجري البحث عنها من أجل إدراجها في المشروع الوطني الفلسطيني٠ 

إذاً هنا لا بد من السؤال: إن الشخصية الفلسطينية المعاصرة عاشت وتعيش ما بين مدّ وجزر إن صحّ التعبير؟ أو تعيش مرحلة التقهقر، وهل نحن في مرحلة الرجوع إلى الوراء؟ 

لذا فإنّ أي حديث عن أسس الشخصية الفلسطينية المعاصرة وأصولها، لا بد وأن يطرح في البداية مسألة الأصل والأساس كما تطرح في هذه الشخصية، وكما هو معلوم إن الحديث الأصل والأساس، هو دراسة النشأة والتكوين لإثبات النسب والوقوف عند الأصل٠ كما كتب معظم الكتاب الفلسطينيين والعرب إنّ الأصل كنعاني، لكن تناسوا أو لم يفطنوا أن الكنعانيين لم يؤرخوا تاريخهم، بل الذي فعل ذلك هم الفراعنة! مع التنويه عند الحديث عن الأصل والأساس، لا نقصد البحث عن بداية ونهاية٠ لأنه ببساطة إنها -أي الشخصية الفلسطينية المعاصرة- ليست شجرة أنساب متجذرة في أصل، متواصلة الأغصان، متجهة نحو السماء٠ 

لذا إنّ الكتابة الشخصية الفلسطينية المعاصرة هو وقوف عند حالة بعينها، عند احتلال فلسطين والنضال من أجل تحريرها، ليضفي على الشخصية الفلسطينية المعاصرة صفة الغاية والهدف فيصبح هو معنى تاريخ الشخصية الفلسطينية المعاصرة ٠ 

يتبع٠٠٠

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عبد الرحيم جاموس 
عضو المجلس الوطني الفلسطيني

د عبد الرحيم جاموس يكتب : لاتبيعُوهُ مواقفَ من بعيد ..!

لاتبيعُوهُ مواقفَ من بعيد ..! نص بقلم د. عبدالرحيم جاموس  لا تبيعوهُ مواقفَ من بِعيد …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *