الرئيسية / الآراء والمقالات / نادرة هاشم حامدة تكتب : *كلمات من أسمنت مسلح

نادرة هاشم حامدة تكتب : *كلمات من أسمنت مسلح

كاتبة واعلامية / فلسطين
كاتبة واعلامية / فلسطين

*كلمات من أسمنت مسلح

أ. نادرة هاشم حامدة

على مقاعد الدراسة الجامعية، في مرحلة البكالوريوس، كثيرا ما قال على مسامعنا : ” إن العبيد لا تحرر أرضا “، هزتني هذه العبارة، فكتبتها على غلاف الكتاب الذي يُدَرِّسُهُ، ثم حفرتها في غلاف ذاتي، ربيت عليها أبنائي، وتشاء الأقدار أن تمتحن الكلمات صاحبها، فَما أكُثر أصحاب الكلمات الجوفاء، ذات الحروف الورقية، التي تتهاوى على أرض الواقع، مع ثمة ريح، أو مع بضع زخات من المطر، فتتحطم في نفسك أبراج كنت قد بنيتها لأصحابها، لم تكن تظن في يوم أنها من ورق، فتكشف لك الأيام زيفها، سُجِنَ ابني لأنه حر، وليس عبدا، فقد تربى على العزة و الكرامة، و لا يمكن أن يقبل أن تهان نفسه، تحت أي مسمى حتى لو عقاب عسكري، من أجل ضرب سلام لقائد، وقد كان جدل تحريمه وجوازه ما يزال قائمأ، فعقابه الآن على امتناعه عن السلام، وقائده في مركبة، ليس مترجلا، (أن يعرف مساحة موقع السرايا زحفا، وبالإبرة)، كانت نهاية التلفظ بهذا العقاب المهين، كفيلة بأن تجعل ابني يطير على هذا المتغطرس خلف مكتبه، فيلكمه في فمه، ليسقط أسنانه، حيث لم ينفعه لحظتها مرافقه الشخصي الذي يقف بجانبه، ولم يكن يهمه بعدها لو سجن طول العمر، مضى على سجنه أسابيع، حاولت فيها أن أتجلد، ولكن قلب الأم دعاني بأن أتصل بأستاذي صاحب العبارة، التي أصبحت مبدأ في حياتي، فقد كان وقتها صاحب سلطة، وبيده الأمر، قد لا يصدقني القارئ إذ قلت، إنني حين حصلت على رقمه بصعوبة، كان رصيدي قد نفذ، فاتصلت به عن طريق السلم، كمحاولة يائسة مستعجلة، ولم أتوقع أن يرجع لي باتصال، ولكنه اتصل بأمانة المسؤولية، وقال من معي؟ قلت : إحدى طالباتك، التي لطالما سمعت منك جملة ” إن العبيد لا تحرر أرضا ” فكيف يا سيدي تتفننون في أبنائنا العبودية ذلا، و نحن نرجو منهم الحرية عزا؟ قال : أعطني اسم ابنك!!، وانتهت المكالمة!! لأصبح انا في متاهات من الأسئلة، يكابدها شوقي لابني، واحتراقي أن أطمئن عليه، خاصة انه رفض أن أزوره، و أراه وهو في السجن، أخذت الأفكار تراودني، و الظنون تساورني، هل صحيح سيهتم أستاذي بقضية ابني، وقد أصبح في هذا المنصب المرموق، هل صحيح سيحقق في القصة، وينصفه، هل صحيح سيرفض أن تذل العساكر، وسيعمل بمبدأ إن العبيد لا تحرر أرضا، هل، وهل، وهل؟، مضت ساعة، وأنا غارقة في هذه التساؤلات، فإذا بابني يقف أمامي، يقبل يداي ورأسي، احتضنته وأنا أبكي، مسح دموعي قائلا : اطمئني أنا بخير، أبناؤك أبطال، معي رسالة، قد كلفت ان أبلغها لك، مفادها : ” أن العبيد لا يمكن أن تحرر أرضا، ونشهد أنكم الأسياد “، فسلام على صاحب العبارة، التي أثبتت شخصيته، بأن حروف كلماته التي تعلمناها على يديه، كانت من أسمنت صلب، لا تغيرها إحداثيات الدروب، بل تترجم على أرض الواقع، حقائق في المواقف والخطوب. *فسلام على العمالقة*

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : الأول من أيار وحرب الإبادة

نبض الحياة الأول من أيار وحرب الإبادة عمر حلمي الغول حروب إسرائيل النازية على الشعب …