الصباح الفلسطينية
مقالات مشابهة
نص جميل لاديبنا وشاعرنا الكبير الراحل زكريا محمد الذي رحل إلى جوار ربه صباح هذا اليوم الأربعاء 2/8/2023.
له الرحمة والمغفرة عند مليك مقتدر
“ماشٍ في طريق الماضي إلى بيت أمي وأبي. عائدٌ إلى بيت الدخان والنار، بيتُ العتمةِ الذي يتسرب النور من شقوق خشبته، وتتفتّحُ على سطحه زهرةُ بابونج، وتجلسُ على قبّة عقدِه الشمسُ وتصلحُ صندلَها.
اسمُ أبي وقتها كان الصخورَ والحجارة، واسمُ أمي زعفرانَ الخريف. أما أخوايَ فكانا الصيفَ والشتاء. وشقائقُ النعمان الحمراء كانت الجرحَ الوحيدَ في قلبي.
ضعي الملحَ على ركبتِك يا أمي فأنا أريد أن أغمس فيه خبزتي. ضعي الشمسَ وراء ظهرِك، فأنا أريد أن أنامَ في ظلِّك.
أبدا لن تعرف أمَّك قبل أن تصير أكبر عمرا منها. وقبل أن يصير شعرك أشد بياضا من شعرها. أبدا لن تعرف أباك إلا حين تصير كفك بنّيّة كالتراب.
الفأس في يد أبي، والحطب على رأس أمي. والنهار عودٌ قصير، والليل ظلُّه، وأنا أضع ريشةً على رأس أختي. أبدا لن تعرف أختَك قبل أن يصير صدرُك حقل قمح، وعينك زهرة نرجس، ويدك سمكة متحجرة.
عائد إلى الماضي. أريد أن أعيد بناء البيت الذي تهدم. أريد أن أبصر زهرة البابونج تتفتح على سطحه، ثم أن أركض وراء زرافة الخريف وأن أمسك بذيلها.”
(الشاعر الراحل زكريا محمد)
