الصباح الفلسطينية
مقالات مشابهة
مع سيكولوجية آية
بقلم ا . نادرة هاشم حامدة
يقول الله تعالي في فتية الكهف : *” لو اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رعبا*” الآية الْكريمة تطرح سؤالًا مُشْكِلا، في وصفها لحال المطلع على فتية الكهف، من حيث ترتيب هذا الحال بالواو العاطفة بين الأفعال، فالآية الكريمة تفيد أنه أولا يحصل الفرار السريع، ثم بعدها، يمتلئ القلب بالرعب، والسؤال : ( *أيهما يحصل أَوَّلًا الْفِرَار أَمْ الرعب)*،فالمعروف أنَّ الرعب يحصل أولا، ثم يكون الفرار نتيجة حتمية عنه، بينما الآية الكريمة تذكر العكس!!، ليذهب البعض خروجا من هذا الإشكال إلى أنْ الْوَاوَ العاطفة فِي الْآية الكريمة لم تفد الترتيب، بينما التَّفْسِير النفسي السيكلوجي لِلْآيَة له رأي آخر وجيه، يثبت فيه أن الواو العاطفة إنما أفادت، وأجادت الترتيب، إذ أن الخوف الفجائي، لشيء لا يتوقعه العقل والمنطق، يُحْدِثُ رَدّة فعل لا إرادية، غير مسيطر عليها، تدفع إلى الفرار الفوري، بعيدا عن مصدر الخوف، وهذا تماما ما دلت عليه الآية، وهو حقيقة ما يحدث للمطلع على فتية الكهف، بأشكالهم المخيفة والمرعبة، التي لا يتصورها عقل بشري كما وصف القرآن ، فللوهلة الأولى، وفي جزء من الثانية، يتكون لدى المطلع عليهم صورة شمولية فورية مخيفة، تكفي لأن يعطي الدماغ من خلالها إشارة للفرار ، حتى إذا ما تم هذا الفرار لمسافة يستطيع معها هذا الشخص أن يدرك ماهية هذه الصورة بدقة تفصيلية، يستوحيها من الصورة الأولية المسجلة في دماغه، فحينها يدرك أن ما رآه يفوق حجم الإدراك البشري لمسببات أي خوف ، ويتحول هذا الخوف لديه إلى رعب يتملكه، ويسيطر عليه، وقد يحصل هذا تماما مع أحدنا، في أن يفر أولا من شيء يفاجئه ولم يتوقعه، ثم يرتعب بعد أن يتيقن من حقيقة ما فر منه، وَيُعَرِفُ المختصون الرعب بأنه : ( *نَوْعٌ مِنْ الْخَوْف، يَرْكُز على عُمْق النَّفْس البشرية، ويؤثر فيها، فتبقى تحت تأثيره، لذلك لَا يُمْكِنُ للمرعوب أَبَدًا أَنْ يَعُودَ لِمَا أرعبه*)، وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل أمر فتْيَة الكهف في طي الكتمان طيلة عقود من السنين، رغم أن كهفهم غير موارى عن أعين المارين في المكان، ولكن الله قضى فِيهِم أمْرًا كَانَ مفعولا، فالحمد لله، الذي أنزل علينا قرآنا عربيا غير ذي عوج، لكل حرف فيه قيمة وميزان
