الرئيسية / الآراء والمقالات / عمر حلمي الغول يكتب : بوريل يكشف عنصريته

عمر حلمي الغول يكتب : بوريل يكشف عنصريته

عمر حلمي الغول

بوريل يكشف عنصريته

عمر حلمي الغول

النخب السياسية في الغرب بشكل عام، مسكونة بنزعاتها العنصرية والاستعلائية على شعوب العالم الثالث بشكل خاص، وتفترض انها تمثل شريحة وطبقة “النبلاء” و “الاسياد” والاخرون من شعوب العالم “عبيد”. ومهما حاولوا الادعاء يغير ذلك، ولبسوا ثوبا آخر، تفضحهم مواقفهم، وسقطاتهم وتكشف عوراتهم، لانهم يرتدوا لمنابتهم وثقافتهم الفوقية العنصرية، كونها متجذرة في وعيهم ومسلكياتهم وسياساتهم اليومية والاستراتيجية تجاه شعوب العالم، او كما اسماهم ووصفهم جوزيب بوريل يوم الاثنين الموافق 17 تشرين اول / أكتوبر الحالي شعوب “الادغال”، وللتمييز العنصري البغيض وصف الشعوب الأوروبية ب”شعوب الحديقة”؟!

هذا ما ذكره مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ذات اليوم (الاثنين) في كلمته، التي القاها في افتتاح الاكاديمية الديبلوماسية الأوروبية الجديدة في بروج في بلجيكا، عندما قال ” يجب ان يعتني البساتنيون بالحديقة، لكنهم لن يحموا الحديقة ببناء الجدران، حديقة صغيرة جميلة محاطة بجدران عالية لمنع الغابة من الدخول.. لان الغابة لديها قدرة كبيرة على النمو، ولن يكون الجدار عاليا بما يكفي ابدا.”

لا اريد ان اقتبس اكثر مما ورد أعلاه في كلمة الاسباني السياسي، الذي يتربع على عرش السياسة الخارجية الاوربية، ويمثل النموذج السياسي الأوروبي البشع، والذي وجد انعكاسه في ازدواجية المعايير مع المسألة الأوكرانية الأوروبية التي ضخمها ساسة الغرب من اقصاهم إلى اقصاهم، وعكستها وسائل الاعلام بشكل فج ووقح، عندما استخدمت مفاهيم فاقعة في عنصريتها، مثل ان الحرب تدور ضد شعب أوروبي، ذات عيون زرقاء، وشعر اشقر، وهذا ما لا يجوز، ولم تكتف تلك النخب ووسائل اعلامها بما تقدم، بل انها ذهبت لتجييش العالم ضد روسيا الاتحادية (وشعبها شعب أوروبي وذات عيون زرقاء وشعر اشقر)، وبالتالي المسألة لا تكمن في لون الشعر ولا لون العيون ولا لون البشرة، وانما تكمن في النزعة الاستعمارية، وفي اخضاع روسيا والصين لمشيئة القرار الأميركي الأوروبي، ولهذها قدمت عشرات المليارات من الدولارات الأميركية واليوروهات الأوروبية لنظام زيلينسكي في كييف، والاف الاطنان من الأسلحة والصواريخ والعتاد لاستنزاف روسيا من خلال التضحية بالشعب الاوكراني المغلوب على امره… الخ، في حين ان تلك النخب وعلى مدار ثمانية عقود خلت لم تفعل شيئا لانصاف الشعب العربي الفلسطيني، وابقته حتى يوم الدنيا هذا رهينة سياساتهم الرثة، التي لم تتجاوز الدعم الشكلي والوهمي للسلام، ولم ترقَ حتى الان لمجرد الاعتراف بالدولة الفلسطينية المحتلة، رغم صدور مئات القرارات الأممية ذات الصلة بالمسألة الفلسطينية الإسرائيلية.

ولم تقتصر ازدواجية المعايير عند حدود فلسطين، انما طالت شعوب العالم الثالث المختلفة، وشنت عليها عشرات ومئات الحرب، او زجت بها في حروب أهلية بهدف تدمير وحدتها، وتفكيك نسيجها، ونهب ثرواتها، واختطاف كفاءاتها لتعمل لصالح مشاريعها الامبريالية.

وتناسى ذلك العجوز الاسباني، ان حديقته اثخنها المرض والعجز والتراجع، ولم تعد أوروبا العجوز، أوروبا عصر النهضة، ولا اوروبا القرن التاسع عشر، ولا حتى أوروبا النصف الأول من القرن العشرين، نتاج التناقضات التناحرية بين اقطابها على تقاسم النفوذ على كعكة العالم، والحروب التي استنزفت أرواح الملايين من الأوروبيين وشعوب العالم كله. ورغم صراعاتها، لكنها (أوروبا واميركا وكندا) لم تغب عينها عن الوطن العربي لحظة، واتفقت جميعها في مشاريعها الاستعمارية منذ القرن التاسع عشر والقرن العشرين كله وحتى الان على استعباد واستغلال وتفتيت وحدة العالم العربي، واوجدت إسرائيل الصهيونية على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني. وبالتالي كان نصيب العالم العربي كبيرا جدا من ظلم واستعمار وعنف وعنصرية وفاشية تلك الاوروبا وسيدتها الولايات المتحدة.

ورغم ذلك امست أوروبا الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، وتابعة لها، وتعمل وفق اجندتها. ولم تخرج حتى الان عن طوعها، ولا عن سقف سياساتها ومشاريعها الاستعمارية الحديثة. ومع ذلك يأتِ بوريل ليستعرض عنصريته بشكل معيب، ومهين لشعوب الأرض. وهو يدرك ان تلك الشعوب تملك من الإمكانيات والكفاءات والثقافة والحضارة ما يفوق ثقافة وحضارة الغرب العنصرية، ولنا في الثقافة العربية الإسلامية، والحضارة الكونفوشوسية، والحضارة الهندوسية وحضارة شعوب اميركا اللاتينية والحضارة الفارسية نماذج عظيمة اغنت الثقافة الإنسانية الى جانب الثقافة اليونانية، وقدمت، ومازالت تقدم اسهامات جليلة في مختلف الميادين، لا بل ان التطور العاصف في الصين والهند وغيرها من الشعوب تجاوز الغرب بقضه وقضيضه.

ومع ذلك، من غير المسموح استخدام مفاهيم ومفردات عنصرية ومسيئة للشعوب الأوروبية ولا لشعب الولايات المتحدة، بل الدعوة الدائمة لتلاقح الثقافات، وتكاملها، وتعاونها في إرساء ركائز نظام عالمي قائم على المواطنة والتسامح والتعايش بغض النظر عن الجنس واللون والدين والعرق، ورفض مقولة صموئيل هنتنغتون “صراع الحضارات”، ومنطق “نهاية التاريخ” لفوكوياما واضرابهم من دعاة التسيد والحروب والعنف والإرهاب، واغلاق دائرة التاريخ البشري عند حدود الليبرالية والنيو ليبرالية الأميركية والأوروبية المتوحشة، بل العكس صحيح، الدعوة لفتح كل اقواس التطور الإيجابي للبشرية بحضاراتها المختلفة. لان كل حضارة منها تعتبر حديقة هامة تعطي اعظم ما لديها من ابداع معرفي، وارقى مضامين انتاجها الحضاري للكينونة الإنسانية برمتها.

سقطت أيها السيد بوريل بطريقة بشعة، وكل تبريراتك للأسف لا تكفي للتغطية على ما تفوهت به من الفاظ عنصرية فجة، وانصحك بالاستقالة ان كان لديك حد ادنى من المسؤولية الأخلاقية والقيمية تجاه نفسك وشعبك الاسباني وشعوب أوروبا والعالم على حد سواء.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : لا ادلة على أكاذيب إسرائيل

نبض الحياة لا ادلة على أكاذيب إسرائيل عمر حلمي الغول دولة إسرائيل اللقيطة قامت على …