الرئيسية / الآراء والمقالات / علي ابو حبلة يكتب : مدينة القدس ومبدأ الوصاية في التاريخ الإسلامي يفند ادعاءات بينت

علي ابو حبلة يكتب : مدينة القدس ومبدأ الوصاية في التاريخ الإسلامي يفند ادعاءات بينت

رئيس تحرير افاق الفلسطينيه
رئيس تحرير افاق الفلسطينيه

مدينة القدس ومبدأ الوصاية في التاريخ الإسلامي يفند ادعاءات بينت
علي ابو حبلة

تراجع رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، عن تفاهمات بين إسرائيل والأردن حول إدارة الحرم القدسي ومنع اقتحامات المستوطنين الاستفزازية لساحات المسجد الأقصى، وأعلن أنه «نرفض أي تدخل أجنبي».

تصريحات بينت جاءت في بداية اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأحد الواقع في 8/5/2022  ، إن «القرارات بشأن جبل الهيكل (المسجد الأقصى) والقدس ستتخذها الحكومة الإسرائيلية»، زاعما أن «إسرائيل ستستمر بالحفاظ على التعامل باحترام تجاه أبناء كافة الديانات في القدس ، وأضاف بينيت أنه «بودي أو أوضح أنه لا يوجد ولن يكون أي اعتبار سياسي بما يتعلق بمحاربة الإرهاب. وبالطبع، أي قرار بالنسبة لجبل الهيكل ستتخذه الحكومة الإسرائيلية، التي تخضع المدينة لسيادتها، من دون أخذ أي اعتبارات أخرى بالحسبان. ونحن نرفض بكل تأكيد أي تدخل أجنبي بقرارات الحكومة الإسرائيلية. والقدس الموحدة هي عاصمة دولة واحدة فقط – دولة إسرائيل».

هذا الموقف المتعصب والمتعنت لبينت بشأن القدس والمسجد الأقصى سيكون له تداعيات خطيرة لأنه يشكل خرق فاضح لكافة الاتفاقات الدولية مع الأردن وبالأخص اتفاقية وادي عربه وتنصل من الاتفاق 2014 الذي عقد بالرعاية الامريكيه  وتجاهل خطير لكافة القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة وجميعها تؤكد أن القدس أراضي فلسطينيه محتله  

لم يتأخر الرد الفلسطيني على تصريحات بينت  فقد صرح الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، «إن قرار عصبة الأمم لعام 1930 حسب لجنة «شو» ينص على أن ملكية المسجد الأقصى المبارك وحائط البراق والساحة المقابلة له تعود للمسلمين وحدهم ، وأضاف أبو ردينة «أن القدس الشرقية بمقدساتها الإسلامية والمسيحية هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين حسب قرارات الشرعية الدولية، والتي كان آخرها القرار رقم (2334) الذي أكد أن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن جميع أشكال الاستيطان غير شرعية في جميع الأراضي الفلسطينية.» وتابع «أن أية محاولات إسرائيلية لإضفاء شرعية على احتلالها لأراضي دولة فلسطين، بما فيها القدس الشرقية هي محاولات فاشلة، هدفها التغطية على الإنجازات الفلسطينية، التي تحققت بصمود أبناء شعبنا وتمسكه بمقدساته الإسلامية والمسيحية.»

الانتهاكات والجرائم الاسرائيلية  ضد المواطنين وأرضهم وممتلكاتهم ومنازلهم ومقدساتهم في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة  جميعها ، يندرج ضمن الجهد الذي بذلته وتبذله حكومات إسرائيل وبعض الحركات الصهيونية للاستحواذ على مدينة القدس في منطق الاستملاك وهو منطق يتناقض مع مبدأ الوصاية الذي اتّبعه العلماء والسلاطين المسلمون في تعاملهم مع المدينة خلال أكثر من 1200 عام.

وقد أوجب منطق الوصاية على الحكام والعلماء المسلمين ليس فقط تأكيد حقّ المسحيين واليهود في الحج إلى القدس وزيارة أماكنهم المقدسة، بل أيضاً حماية ما يملكونه منها. فسلطان المسلمين على المدينة لم يعطهم رخصة لاستباحة أملاك المسيحيين واليهود فيها والاستيلاء عليها، ولذلك نرى أنه عند احتلال الإنجليز لفلسطين في سنة 1917، كان أكثر أملاك ومباني القدس بيد المسيحيين.

ومع اغتصاب فلسطين وتأسيس دولة  الكيان في سنة 1948، وُضعت خطة منهجية واضحة لسلب أملاك المسلمين (عبر حِيَل قانونية وغير قانونية)، وهذه الخطة تلقى دعماً وتغطية سياسية وقانونية هائلتين من الولايات المتحدة الأميركية وكثير من الدول الأوروبية سواء أكان ذلك سراً أم جهاراً.

ولا يعني مبدأ الوصاية عدم الاكتراث بالقدس أو أنها ليست مهمة للمسلمين، فعلاقة الإسلام بالمدينة عميقة ومتشعبة. لنأخذ مثلاً لذلك جواب صلاح الدين الأيوبي لريتشارد قلب الأسد عندما طلب الأخير من السلطان تسليم القدس كشرط للصلح بينهما. يقول كتاب ريتشارد:

إن المسلمين والإفرنج قد هلكوا، وخربت البلاد، وخرجت من يد الفريقين بالكلية، وقد تلفت الأموال والأرواح من الطائفتين، وقد أخذ هذا الأمر حقّه، وليس هناك حديث سوى القدس والصليب والبلاد، والقدس متعبّدنا ما ننزل عنه، ولو لم يبقَ منا إلّا واحد. وأمّا البلاد فيعاد إلينا منها ما هو قاطع الأردن. وأمّا الصليب فهو خشبة لا مقدار له عندكم، وهو عندنا عظيم، فيمنّ به السلطان علينا ونصطلح ونستريح من هذا العناء الدائم.

فاستشار صلاح الدين كبار رجال دولته وكتب جواباً لريتشارد هذا نصّه:

القدس لنا كما هو لكم، وهو عندنا أعظم ممّا هو عندكم، فإنه مسرى نبيّنا ومجتمع الملائكة، فلا يُتصور أن ننزل عنه ولا نقدر على التلفظ بذلك بين المسلمين، وأمّا البلاد فهي أيضاً لنا في الأصل، واستيلاؤكم كان طارئاً عليها، لضعف مَن كان بها من المسلمين في ذلك الوقت، وما أقدركم الله على عمارة حجر منها ما دام الحرب قائماً، وما في أيدينا نحن منها نأكل بحمد الله مغلَّه وننتفع به، وأمّا الصليب فهلاكه عندنا قربة عظيمة، لا يجوز لنا أن نفرّط فيها إلّا لمصلحة راجعة إلى الإسلام هي أوفى منها.

جواب صلاح الدين يبرز عاملَين أساسيين لأهمية القدس عند المسلمين: العامل الديني والعامل السياسي، ولكليهما أسس تاريخية وركائز دينية. إن الجواب عن سؤال ركائز الأهمية الدينية للقدس عند المسلمين، يتطلب فهماً واضحاً للإسلام والتاريخ الإسلامي. فبحسب المعتقد الشائع إسلامياً، يبدأ التاريخ الإسلامي مع خلق آدم ويتضمن الأحداث التي جرت منذ ذلك الوقت، وخصوصاً تلك التي في التوراة وتاريخ بني إسرائيل، والتي تُعتبر جزءاً من الماضي الإسلامي الذي لا يمكن فصله عمّا حدث خلال عصر النبي محمد وما بعده، وينتهي التاريخ الإسلامي عند يوم القيامة. وهناك فرق كبير، من جهة، بين هذا المفهوم العقائدي للتاريخ الإسلامي كتاريخ أشبه بخط مستقيم يشمل التجربة البشرية كلها من الماضي إلى المستقبل، والمفهوم التأريخي الأكاديمي للإسلام، من جهة أُخرى، الذي يبدأ مع محمد، وينحصر بتجارب المسلمين إلى وقتنا الحاضر.

نجد لمبدأ الوصاية أمثلة كثيرة في التاريخ الإسلامي. فزيارة عمر ومن بعده معاوية بن أبي سفيان وصَلاتهما في كنائس في القدس لم تخلق واقعاً استخدمه المسلمون ركيزة لاستملاك أي منها، وإنما أسست لعرف قانوني أكد ملكية المسيحيين لكنائسهم وأماكن أُخرى، وحقّ المسلمين في زيارة هذه الأماكن والصلاة فيها. وفيما يتعلق بمعاوية، فإن قصة زيارته للقدس تُبرز أهمية العاملَين الديني والسياسي للمدينة عند المسلمين. ففي سنة 661 جاء معاوية إلى القدس كي يترأس اجتماعاً لأهل الحل والعقد من المسلمين هدفه مبايعته بالخلافة. وفي أثناء طريقه إلى الحرم الشريف، توقّف ليصلي عند قبر المسيح في كنيسة القيامة، ثم ذهب ليصلي في كنيسة مريم في وادي الجسمانية حيث التقليد المحلي يقول إنها مدفونة هناك، وبعد ذلك، توجه إلى الحرم حيث أُعلن خليفة.

يشير هذا التصرف من دون شك إلى الأهمية السياسية والدينية لمدينة القدس، فجزء منها كان بمثابة إيماءة سياسية لطيفة منه نحو قاعدته، إذ كان جيش المسلمين يضم كثيراً من القبائل العربية المسيحية، كما أن زيارة القدس والصلاة في كنائسها هي أيضاً تأكيد لتقديس المسلمين لمريم وعيسى، قبل أن يصبح لهكذا زيارات دلالات سلبية في الإسلام.

ولمّا فتح أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – القدس في صدر الإسلام أقرّهم على هذا المكان، ولم يأمرهم بهدم البنيان. ، هذا الرأي القائل إن المسلمين مسئولون عن حماية الأماكن المسيحية المقدسة وصون حقوق المسيحيين ليس بالضرورة نابعاً من خوف أو حب لهم أو طمع في مودتهم، بل هو ببساطة اعتراف بما يمكن أو لا يمكن فعله وفقاً لمفهوم الحكم والأعراف القانونية والسياسية، لا مفهوم القوة والبطش مثلما تفعل إسرائيل اليوم

رواج مبدأ الوصاية بين الحكام والعلماء المسلمين فيما يتعلق بالقدس وحقوق غير المسلمين فيها. وقد حدد منطق الوصاية ما يمكن لهم أن يفعلوه، ولو كان لديهم القدرة العسكرية والسياسية على فعل ما شاؤوا. وحتى في الحالات عندما كان هناك مطالبة من بعض المسلمين بالاستيلاء على ما يملكه المسيحيون واليهود في المدينة، فإن مواقف السلاطين وكثير من العلماء كانت حمايتها والحفاظ عليها. وأيضاً عندما كان هناك خلاف بين المسيحيين أنفسهم، كان تدخّل الحكام المسلمين هو للحفاظ على أحقية المسيحيين جميعاً بهذه الأماكن، ومن أجل ألّا تكون حكراً للبعض فقط؛ مثال لذلك قيام صلاح الدين باستئمان مفاتيح كنيسة القيامة إلى عائلة مسلمة كي لا يحتكرها فريق مسيحي واحد.

أمّا ما نراه في العقود الفائتة من حملة إسرائيلية شرسة ليس فقط لتهويد القدس، بل أيضاً لوضع اليد على أملاك الفلسطينيين – المسلمون منهم والمسيحيون – فيتناقض مع مبدأ الوصاية، وهو أمر مؤسف ومأسوي. والأكثر مأسوية أن الأمثلة التي ناقشناها في هذه المقالة هي من ماضٍ يعطينا دروساً نحن في أمسّ الحاجة إليها في يومنا الراهن الذي تسيطر عليه الحضارة الغربية التي تتشدق بحقوق الإنسان واحترام الآخر ودولة القانون والشرائع، بينما هي تمارس العكس في الواقع.

على بينت وحكومته وغلاة المتطرفين من اليهود والمتصهينيين أن يعلموا أن القدس كانت وستبقى عربية وهي عاصمة فلسطين وأن الوصاية الهاشمية على القدس حق أصيل للهاشميين لا تنازل عنه وإلا إقرار بغير ذلك وهي مفتاح الأمن والسلام.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : لا ادلة على أكاذيب إسرائيل

نبض الحياة لا ادلة على أكاذيب إسرائيل عمر حلمي الغول دولة إسرائيل اللقيطة قامت على …