عدلي صادق: عدلي صادق : لنفترض أننا متفائلون بتاريخ الأحد 26 فبراير 2012
الموضوع: قضايا وآراء
|
 لنفترض أننا متفائلون عدلي صادق توقفت في القاهرة مساء الجمعة، وفي عصر السبت، شاركت في ندوة تسجلها ثم تنشرها أسرة مجلة "الطليعة"
لنفترض أننا متفائلون عدلي صادق توقفت في القاهرة مساء الجمعة، وفي عصر السبت، شاركت في ندوة تسجلها ثم تنشرها أسرة مجلة "الطليعة" اليسارية (التي أُعيد إصدارها) للإجابة عن سؤالين، أولهما عن مصير المصالحة، والثاني عن أزمة اليسار الفلسطيني وما السبيل الى اضطلاعه بدور مؤثر في الواقع الوطني. وحضر للحديث أيضاً ضيفان هما الرفيقان عبد الرحيم ملوح أمين عام مساعد "الجبهة الشعبية" وفهد سليمان القيادي في "الجبهة الديموقراطية" وعبد القادر ياسين. وكانت نقطة التوافق الأهم، في الأحاديث كلها، أن لا مصالحة في الأفق، وكان ثمة اختلافات في الشرح. كنا، في مكتب الراحل نبيل الهلالي، الذي بات مقراً لمؤسسة دراسات، وتعيّن علينا، أن نجيب عن الأسئلة، على أن يُعقّب على أجوبتنا عبد العال الباقوري، ورئيسا تحرير "الطليعة" الأخوان إيمان يحى ومصطفى الجمّال. (الإيمان ليس حكراً على المرأة في التسمية عند المصريين) ولقد أحببت إيمان يحى الذي لم أكن أعرفه، لا باللقاء الشخصي ولا بالقراءة، لكنه يعرفني جيداً من خلال القراءة، مما يوحي أنه مهتم بمتابعة ما يُنشر فلسطينياً. لا شىء تصالحياً في القاهرة، إلا الابتسامات والتواصي على أن يترفق الناطقون من الحركتين، بنفسيات من ينتظرون طي صفحة الخصومة، والإدلاء بأحاديث "إيحابية". فليس هناك اتفاق على الحكومة، ولا مجال للاتفاق بموجب الاشتراطات الحمساوية التي تضاهي الرفض التام لما تم الاتفاق عليه في القاهرة والدوحة. وكان لافتاً أن الصديقين اللذين يمثلان الفصيلين اليساريين، كانا حريصين على تحاشي وضع النقاط على الحروف، حتى في موضوع أزمة اليسار الفلسطيني، وعللا سبب انتكاسة المصالحة، الى فرضيات ظنيّة، أهمها حرص الجانبين الفتحاوي والحمساوي، على التمسك بالسلطة. ودخل الرفيق فهد سليمان في تفصيلات كان الأخ عبد العال الباقوري مدير الندوة، قد نبه في البداية، الى ضرورة تلافيها اختصاراً للوقت! * * * ثنائية "فتح" و"حماس" هي حلقة من سلسلة ثنائيات متضادة، في واقع الفلسطينيين، بدءاً من اتفاق "أوسلو" وحتى الآن. ثنائية صيغة الاتفاق وسياقات التنفيذ كانت منذ البداية مقلوبة، إذ جاءت الأولى، وهي بالقطاعي (المفّرق) بينما اندفعنا الى التنفيذ بالجملة. ففي مألوف اتفاقات فض النزاعات، يكون الاتفاق هو الذي يتبدى واضحاً كاملاً (بالجملة) على أن يجري التنفيذ على خطوات ووفق جدول زمني (بالقطاعي) لذا فقد دخلنا الى مرحلة "أوسلو" بالخطوة الأولى، التي لا يتوافر معها أي يقين، يتعلق بالخطوة التي بعدها. ثم نشأت ازدواجية الشرعيات على الأرض، وهي ثنائية أخرى متناقضة: الشرعية الدستورية، التي يُفترض أن نحكم وأن نبني بموجبها الوطن بعد احتلال طويل، وشرعية المقاومة بكل الوسائل. وهذه الأخيرة ليست ظاهرة قانونية واضحة البنود والضوابط، لكنها ظاهرة تاريخية، أقرّ بها الفقهاء الدستوريون، طالما ان الاحتلال يجثم على أراضي من يأخذون بها، وسمّوها الشرعية الثورية. فقد تواجدت شرعيتان صحيحتان من حيث المبدأ، على أرض واحدة! الثنائية الثالثة، تمثل قطبي الصراع على الأرض مع المحتلين، بعد انقلاب حكومتهم على العملية السلمية. فالمحتلون يريدون لنا انكساراً تاماً، ويؤكدون بممارساتهم أنهم لا يريدون إلا التوسع الاستيطاني والتهام الأرض ورفض التسوية، بينما نحن فسطاطان، أحدهما يجهد ملتمساً عون المجتمع الدولي، لعله يُدين مسلك المحتلين وينصفنا، والثاني لا برنامج سياسياً لديه حسب منطوق الكلام اليومي، لكنه أخيراً أقر في لقاءات المصالحة، أنه يقبل ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية. غير أن مُجريات الأمور على الأرض، ولغة الكلام اليومي، تناقض كلها المنطق الإيجابي الذي يتحدث به خالد مشعل، وبدا أن الغاية مسايرة بعض الحمساويين لمشعل هدفها رفع الحرج والتنصل من المسؤولية عن فشل المصالحة، على أن يتولى آخرون من "حماس" وضع العوائق التي يأملون أن تتفهمها الجهات الراعية لعملية المصالحة، فتتعامل معها كمستلزمات طبيعية لهذه العملية! هناك ثنائية شبيهة بتلك التي انقلب بها المنطق في عملية "أوسلو": المحتلون يريدون أن تتأسس السياسة على الأمن، بحيث تنبثق كلمة سياسية واحدة في حكاية الحل، كلما بُني لصالحهم إجراء أمني. الطبيعي أن يقوم الأمن على السياسة وليس العكس. في المصالحة، تريد "حماس" الإفراج عن كلمة من السياسة، مقابل قائمة من الصلاحيات وأشكال الهيمنة و"التمكين". والطبيعي أن تضع الفصائل سياسة العمل الوطني كاملة، لكي يقام عليها بُنيان السلطة والحكم، وفق عملية ديموقراطية! لقد أفصحت عن تشاؤمي وشرحته. وقلت لنفترض أننا متفائلون بما قيل عن منجزات الحوار واللقاءات بين الحركتين؛ فهل ستتقبل "حماس" ضخ عناصر قوتها في غزة، الى بُنية الكيان الفلسطيني الوطني، على أن تصبح القدره على الإكراه، نيابة عن المجتمع ولمصلحته وبالقانون وبشكل حيادي، تعزيزاً لقدرة الكيان الوطني وهيبته؟ الجواب: لا لن تفعل "حماس" ذلك، مهما قال خالد مشعل! الكيانية الوطنية، أو الدولة، لا تقوم ولا تحقق اقتدراها ولا تضمن مستقبلها، طالما أن هناك قوة تملك أن تقلب الطاولة، في أية منطقة من أراضي الوطن، في أية لحظة شاءت. بخلاف ذلك، هناك مظاهر انتفاخ للوهم. من أمثلتها أن اسماعيل هنية، رئيس حكومة "حماس" في غزة، يقاوم كوابيس المصالحة، باختلاق مناسبات للظهور الخطابي، الذي يدغدغ مشاعر البسطاء دون أن يقول شيئاً أو وعداً يمكن انتظار تحقيقه. هو يرش الوعود بتحرير كامل للأرض من النهر الى البحر. وعلى الرغم من معرفته بأن أحداً لا يطالبه هو حصراً بالاعتراف بإسرائيل، تراه يجعل الإعلان عن رفض الاعتراف، حبكة كل خطاب وورقة "الجوكر"، كأنما يريد أن يجعل معارضي الوفاق الفلسطيني، من الأمريكيين والإسرائيليين، قادرين في كل يوم، على تعليل رفضهم لسياسة الرئيس محمود عباس حيال المصالحة! عتبي على الرفاق من اليسار، أنهم لا يقدمون لقناعاتهم حول التسوية المتوازنة، المواقف التي يتوجب الإعلان عنها، وهي الإسهام في تعرية منطق عقيم قائم على الخزعبلات والخطابة فاقدة الدلالة، وليس له من هدف، سوى الاستمرار في الحكم الذي خنق الكيان الوطني الفلسطيني، ويحرمه من التعدد، ومن العقلانية الكفيلة بتقوية الموقف الوطني الشامل، في سياق السعي الى نيل الحقوق، بوسائل النضال السياسي والديبلوماسي والشعبي. إن الشعب الفلسطيني محبط، ومتأثر سلباً بوضعية الخصومة، وباتت حياته بائسة، والمعطلون يقدمون له خطابات ملعلعة، جعلت بعض المصلين في الأزهر يهتفون لهنية مع البندقية، كأنه صاحب تاريخ في القتال وفي تفخيخ حياة الكيان الصهيوني، أو كأن القدس مستغنية عن بنادق من تعنيهم من المؤمنين، ولا تطلب إلا بندقية هنية الأسطورية! www.adlisadek.net adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|