محمود الزعيم
بقلم: سري القدوة/المحرر المسؤول رئيس تحرير جريدة الصباح – فلسطين
www.alsbah.net
من يصنع الظلم يحصد ظلما.. ومن يصنع الخير يحصد خيرا.. لقد كانت المأساة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني هي الدافع القوي الذي يؤلمنا كل يوم وما يؤلم النفس أن ترى صديقا عزيزا وأخا وفيا وحبيبا شهيدا كان يتلمس الحزن دائما وكان يلتمس الفرح دائما.. كان يعشق كلمات الأنشودة الفلسطينية وردة لجريح الثورة وردة لأبو جرح رصاصة.. تارك رجله في الميدان.. لأنه وببساطة فقد قدمه أثناء المعركة.. تركها ولم يندم لحظة ما..
كان محمود الزعيم زعيما وطنيا وقوميا شارك معنا لحظات الفرح والميلاد احب "الصباح" التي احتضنته.. حملنا ذكريات جمعتنا معا أيام وليالي.. حدثنا عن أيام الغربة وكبر فرحه معنا عندما أراد الزواج ليتزوج فلسطينية الوجه والملامح والعينين.
تركنا "أبو حسان" محمود الزعيم وغادر إلى الروح سوريا غادرنا دون موعد ليكون لقاءه مع الوطن الغالي.. ليلتقي أهله وشعبه ليستنشق هواء سوريا ليلتمس فرح دمشق التي أصر أن يراها لتلقي روحه الطاهرة وكأنه على موعد مع القدر.. أربعة عشرة يوما واستشهد في أقبية التحقيق، اعتقلته السلطات السورية من على المعبر الأردني السوري الحدودي ليتم ترحيله إلى المخابرات العامة في دمشق، وبعد أربعة عشرة يوما يستشهد لم يتبقى من ذكرى محمود الزعيم أبو حسان سوى تلك البصمات الرائعة التي كتبها بدمه وتاريخه الوطني المشرف على صفحات الصباح فكم كنا نفرح عندما يكتب مقاله وكم كنا نفرح عندما يصدر له كتاب.. ديوانه الأول دفع ثمنه كاملا مما جمعه ليتزوج.. قلت له كيف تدفع ثمن تكاليف زواجك فقال لي بالحرف إن ديواني الأول هو ولدي وفعلا تابع طباعة إصداره الأول كلمة كلمة من المطبعة إلى التصحيح وإلى المطبعة والى إهداء كتابه الأول "ابنه الأول" لمن يحب رحل محمود الزعيم أبو حسان ليترك لنا معنى لحب فلسطين التي عاشت في دمه والتي كانت أسطورة ولحن للبقاء وذكرى خالدة على مر الزمن..
محمود الزعيم كان صديقا وفيا أحب فلسطين وترك دمشق في ريعان الشباب لينتقل من نهر البارد إلى البداوي إلى السودان وإلى تونس وأخيرا إلى غزة التي فرح بها عائدا من الغربة ليعيش بين أهله وشعبه كأنه من غزة هاشم فكانت غزة تساوي دمشق عند محمود الزعيم وتساوي الروح التي جمعته ليالي وأيام مع الهواء والماء والخبز والزعتر..
لقد ترك غزة وقرر أن يذهب إلى دمشق للقاء أهله والتي لم تغيب عنه لحظة.
تركنا وذهب ليلتقي الوطن والروح ليعيش لحظات دافئة والى الأبد فما اجمل أن تذهب الروح إلى هناك , ويسجل محمود الزعيم أروع قصة نضال من اجل الحرية والحياة والكرامة والعزة والشرف التي نعيش معا من اجلها..
محمود الزعيم كان دائما يحب الصمت، يعيش صامتا وعندما اخترق صمته وأعيش مع ذكرياته اخترق وجوده فأرى دمشق في خلوده.. تركنا ولكنه ترك بصماته ورائحته في غزة التي أحبته واحتضنته شعبا وأرضا وحياة، ترك بصمات لن ننساها عبر الزمن وستبقى مشرقة ونبراسا للأجيال لأن كتاباته هي بصماته وقلمه سيبقى نورا للأجيال الفلسطينية عبر الزمن..
لن نبكيك أبا حسان لأنك أنت فينا وستبقى معنا وسنكون أوفياء لذكراك الطاهرة طالما نحن أحياء المجد والخلود لك.. ولتكون مع الشهداء الذين أحببتهم.
إن ما يخفف عنا فراقك هو أنك التقيت بالوطن وعشت مع سوريا روحا ورغما عن الجميع ذهب جسدك إلى دمشق ليعيش هناك إلى الأبد وحتى الأبد.
لن تحاكم بعد اليوم ولم يستطيع أحد منعك من دخول دمشق لأنك أنت هناك وستكون دائما هناك بين أهلك وشعبك وجسدك سيلتقي الأرض الطاهرة التي ستحضنك إلى الأبد.
وداعا أبا حسان والمجد والخلود لك وبصماتك ستبقى باقية ونورك ووجهك المشرق لن ولم يفارقنا لأنك أنت فينا تعيش بيننا وتفرح معنا وكلماتك ستبقى مرشدة لنا دائما.
لقد عرفنا معنى الحزن لأنك فارقتنا ووقف الجميع مذهولا أمام الحدث كل محبيك في (الصباح) كانت الصاعقة عليهم واضحة عندما علموا باستشهادك ولكنهم فرحوا لك لأنك حققت ما أردت ولأن جسدك كان هناك كان حيث حلمت أن تعيش وعشت وأنت تحلم أن تدفن في دمشق، رحمك الله أبا حسان والمجد والخلود لك وإننا على العهد باقون..