عدلي صادق: عدلي صادق : السيسي في الطريق الى الرئاسة بتاريخ الأربعاء 12 فبراير 2014
الموضوع: قضايا وآراء
|
السيسي في الطريق الى الرئاسةعدلي صادقبعد أن تفكك المشهد السياسي المصري، وتداعت جزيئاته وغاصت في رمال الأحداث المتسارعة؛ خرجت القوات المسلحة دون سواها، فائزة بتماسكها ووحدتها. فهي، على امتداد تاريخها، ظلت
السيسي في الطريق الى الرئاسة عدلي صادق بعد
أن تفكك المشهد السياسي المصري، وتداعت جزيئاته وغاصت في رمال الأحداث
المتسارعة؛ خرجت القوات المسلحة دون سواها، فائزة بتماسكها ووحدتها. فهي،
على امتداد تاريخها، ظلت بؤرة الاستجابة لطموحات الناس. يخرج من بين صفوفها
من ينعقد عليه الإجماع، لأن الإجماع الحقيقي، لم يكن متاحاً لقوة اجتماعية
سواها. فأحمد عرابي، في التاريخ، هو رأس الثورة الوطنية الأولى، وهو الذي
تزعم المواجهة مع الخديوي توفيق في أيلول (سبتمبر) 1881. فلم يكن لأحمد
عرابي، سوى حماسته الوطنية وسجايا شخصية، ميّزته عن أنداده وأوصلته الى
رتبة "عميد" وهو في سن العشرين. قاتل الإنجليز في معركة غير متكافئة أضعفته
فيها مواقف خيانية من الخديوي وضباط وأعيان وشيوخ. انتهى أمره الى النفي
في سري لانكا، التي عاد منها خالي الوفاض إلا من اعتزاز ببسالة الجنود
وبالروح الكامنة في المجتمع، ومعهما الشتلة الأولى من شجرة الـ "مانجو"
السيرلانكية. كان الفتى سعد زغلول، أحد الشباب الذين انضموا اليه، وترأس
سعد بعد ذلك ثورة 1919 المدنية، التي واجه زعماؤها النفي والمطاردة وسط
التفاف شعبي على أهداف الثورة مع التأييد لزعمائها. ولم تؤسس ثورة 19 لقوة
فعل حاسمة مستدامة وموحدة، بعد أن تحقق للمصريين استقلال غير ناجز ودستور
صاغته الحكومة. لكن أمل المصريين ظل ينعقد على القوات المسلحة، وهذا ما
التقطه جمال عبد الناصر في العام 1952! أدوار الرجال في التاريخ،
مقدّرة ولا تصنعها إلا العوامل الاستثنائية . فقد تخرّج السيسي من الكلية
العسكرية بعد انتهاء كل الحروب. لم يُعرف له اسم ولا دور قبل 25 كانون
الثاني (يناير) 2011. لكن النَفق الذي دخلت فيه البلاد، مع خشية المجتمع من
حُكم جماعة "الإخوان" اقتضى حسماً من شأنه طمأنة المصريين على مستقبلهم.
فلمصر خصوصيتها الاجتماعية والثقافية. فلا صيغة لحكمها يمكن أن تنجح، إلا
الصيغة الوطنية الجامعة، ولا قوة متماسكة ومؤهلة، يمكن لها تأمين هذه
الصيغة سوى القوات المسلحة. ففي تجربة سعد زعيم ثورة 1919 أدرك الرجل، حتى
على صعيد التفصيلات، أن منطق الطيف الواحد والمنحى الواحد، دينياً كان أو
ثقافياً أو جهوياً، لن يلقى إجماعاً، فاتخذ لنفسه رفاقاً وأصدقاءً من كل
الأطياف، وعندما نُفي الى جزيرة سيشيل في العام 1922، كان معه خمسة رفاق
اثنان منهم مسيحيان هما مكرم عبيد وسينوت حنا. ولما أعد الوطنيون من رفاق
الرجل تصاميم قبره، رفضوا أن يكون الضريح في مسجد، على الرغم من كونه
أزهرياً، تعلم على يدي الشيخين الإصلاحيين محمد عبده وجمال الدين الأفغاني.
فقد رأوا ألا يصطبغ الضريح بالصبغة الدينية، واعتمدوا الطراز الفرعوني،
لكي لا يتلكأ المتدينون المسيحيون من محبيه، في زيارة قبره! اليوم،
أدرك الطامحون الى الرئاسة، أن النُخب الثورية تقبع في خلفية المشهد،
عاجزة عن الفعل وإن كانت قادرة على الكلام. وبالمقارنة مع الانتخابات
السابقة، نلاحظ أن المرشح الثاني الذي خسر بفارق ضئيل أمام مرسي، وهو
الفريق أحمد شفيق، خسر زخمه فتنازل طوعاً ومبكراً عن طموحه لصالح السيسي،
على الأقل لأنه لم يعد يمثل القوات المسلحة. وتضاءل عدد المنخرطين في بورصة
الترشيحات لأسباب لا تختلف كثيراً عن أسباب شفيق. وعبد المنعم ابو الفتوح
ينسحب تحت عنوان أن المنافسة محسومة سلفاً. أما سامي عنان، رئيس الأركان
السابق، إذا ترشح، فإنه يستأنس بتأييد أمريكي يضر ولا ينفع، مع استئناس
بالتيار السلفي، مع تلميح مبكر، بتأييد سعودي لم يعد قائماً. المنافسة
الحقيقية ستكون بين رجل له رصيد ثوري، وهو القطب الناصري حمدين صباحي، الذي
له منحى سياسي وخطابي محدد، لا يتحقق له إجماع في هذا الخضم، ولا يستعاد
له الزخم الذي حصل عليه في الانتخابات السابقة! لكن ترشح حمدين
صباحي له فوائده الموضوعية، وأهمها أنه يُضفي على المنافسة الجدية التي
يحاول "الإخوان" ومؤيدوهم الانتقاص منها. فهم، منذ الآن، يتمنون انتخابات
بلا منافسة جدية، لاستغلال شكلها ومضمونها في تأليب الخارج على الدولة
ولتوسل التدخلات الأجنبية في الشأن المصري! الجمهور المصري يعوّل
الآن على رئيس يتلافى أخطاء القوى المدنية الثورية، التي نزلت الى الشارع،
ثم افتقدت الانسجام، فأتاحت للقوى الإسلامية أن تركب الثورة وأن تستحوذ
على نتائجها الأولى. فعندما وصل "الإخوان" الى سدة الحكم، صنعوا فشلهم
بأنفسهم، عندما تخلوا عن القوى المدنية وانصرفوا الى التمكين لأنفسهم
وتنكروا لأهمية الشراكة، فبدأ فصل الفشل، الذي تداعى الى معضلة حقيقية
معقدة بعد إقصائهم، إذ اعتمدوا العنف في الشارع بالتظاهرات، وتطور الأمر
الى أعمال إرهابية كان من نتيجتها انفضاض الجمهور عنهم بعد أن رأى فيهم قوة
منظمة تشكلت لتحقيق أحد أمرين إما الحكم أو هدم المعبد! على
الرغم من أن الطريق باتت مفتوحة للسيسي؛ إلا أن أموراً مهمة ينبغي أن
يتداركها، أولها أن رموز الخصوم من غير المرشحين ما زالوا قادرين على
التنغيص عليه وإفشال تجربته. والسيسي ما زال حتى الآن، بلا برنامج محدد،
يضع فيه أولوياته ومواقفه حيال قضايا إقليمية واجتماعية، عدا الكلام
المقتضب والفضفاض. ولعله يتنبه مبكراً الى ضرورة رفع مستوى المهنية، على
حساب منطق القوة المفرطة بدون تمييز، في التصدي للإرهاب، وبخاصة في سيناء.
وفي وسع مستشارين محترفين أن يرصدوا هذه الظاهرة وأن يقفوا على خطورتها.
هناك أيضاً، ما يؤلم بالنسبة للعلاقة مع الشعب الفلسطيني ومع غزة المحاصرة،
وهذا يُلقي بظلاله على الروح القومية وعلى التنبه اللفظي لأهمية دور مصر
التاريخي في العالم العربي. فالشعب الفلسطيني، مؤيد لطموحات السيسي على
صعيد الدولة والمجتمع والدور الذي ينبغي أن تضطلع به المحروسة. والغزيون
ليسوا إلا من هذا الشعب الفلسطيني، وهم أصدقاء طبيعيون لرجال الوطنية
المصرية، وغزة ليست "حماس" ثم إن "حماس" نفسها قيل فيها وفي دورها الكثير
مما لا تؤيده الوقائع، واستحث نقمة قطاع عريض من المصريين على الفلسطينيين
جميعاً! adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|