عدلي صادق: عدلي صادق : روايات مسمارية بتاريخ الثلاثاء 17 يوليو 2012
الموضوع: قضايا وآراء
|
 روايات مسمارية عدلي صادق من يتأمل الحديث الذي أدلى به نوري المسماري،
روايات مسمارية عدلي صادق من يتأمل الحديث الذي أدلى به نوري المسماري، الذي كان رئيس المراسم اللصيق بمعمر القذافي، لغسان شربل رئيس تحرير جريدة "الحياة" اللندنية؛ يغرق في لُجة من المفارقات المرهقة والاستثنائية. فالرجل الراوي، يعرض بأدق التفاصيل، وبالأسماء والوقائع، وبلغة تغلب عليها الصدقية، لتكرار نفي معرفته بالكثير من اللقطات، بل ونفي الكثير من الشائعات؛ ما شاهده بأم العين، وما شارك في معالجته، من تداعيات سلوك رجل غريب الأطوار، نجح في خداع الأبعدين، وامتشق لغة "ثورية" جعلت بعض شرائح النخبة العربية، ترفض إسقاطه، بل ترى في انفجار الشعب ضد حكمه، مؤامرة أطلسية، عززتها "الجزيرة" وساندها الشيخ حمد أمير قطر، مثلما عززها آخرون "رجعيون" قبل أن يتدخل "الأطلسي" لغايات في نفوس الجيوش الصليبية! * * * ما جاء في شهادة نوري المسماري مذهل في سياقاته ووقائعه، ولعل الحلقة الثالثة التي نُشرت أمس، تصعد بسياق الشهادة الى ذروته الصادمة، اللهم إن كان هناك في الحلقات المقبلة، ما هو أفظع: "الزعيم القائد، ملك ملوك إفريقيا، وعميد القادة العرب، والثورجي الأول، كان لديه جهاز للخدمة الخاصة، يتشكل من قوادين وقوادات، يجلبن له ويجلبون، غلماناً وفتيات. وفي سياق عمل الجهاز، كان يُصار الى افتعال حفلات اجتماعية أو تحت أي عنوان، ثم يتم تصوير الحاضرين والحاضرات بتركيز، وتُعرض الصور على القائد الهمام، فينتقي صيده لتتكفل القوادات بإحضار الفريسة كمدعوة لدى "إمام إفريقيا". غير أن التحرش أو النكاح، لم يكونا يحدثان بلطف أو بتلاطف يسبقه كلام عذب أو متعاذب، لأن الرجل كان معتوهاً يهجم على فريسته ويخربشها. ويقول المسماري في أحد أمثلته: أذكر مرة حين كنتُ في المكتب، وردتني مكالمة من مسؤول أمن فندق المهاري، يقول فيها إن ضيفة أفريقية مريضة تريد أن تقابلني، فقلت للمتصل انني لست طبيباً، ولا أفهم بهذه الأمور. الفندق كان يتبع للمراسم. قلت له أن يتصل بطبيب ليراها. فقال: اعتقد يا سيد نوري أن من الأفضل أن تأتي. قلت له: ما قصتك أنت، هل تعطيني تعليمات؟ فقال: أنا لا أعطي تعليمات، أنصح بأن تراها أنت قبل أن يراها الطبيب. عندها استقليت السيارة وتوجهت الى الفندق. ولما وصلت، سألت الشخص الذي اتصل بي، ما حصل؟ فقال: اصعد الى الغرفة لترى بنفسك. دخلت على هذه السيدة وهي من نيجيريا وأذكر ان اسمها كان الدكتورة (...) وكانت في حال يرثى لها. كانت في حال رهيبة، تعرضت للعض والنتش والدم يسيل، وآثار كدمات ظاهرة على جسدها، وكانت تبكي. سألتها ما بها، فقالت: هجم عليّ. قلت لها: مَن هاجمك... في الفندق؟ فأجابت: لا. ذهبت لمقابلة القذافي وهجم عليَّ"! وأضاف المسماري: طلبت أن يأتوا إليها بطبيب. اتصلت بأحمد رمضان وهو كان مدير مكتب القذافي لكنه أقرب من بشير صالح، وطلبت منه أن يرسل طبيب القيادة. تململ اولاً، لكنني أعدت الطلب. فقال: حاضر. ثم سألني لماذا طلبت طبيب القيادة، إذا كان بإمكانك احضار أي طبيب. فشرحت له الموضوع. ثم قابلت معمر القذافي وأخبرته بما حصل، فقال: فضّك منها. وأضاف ان هذه السيدة تكذب وأن المسألة عملية ابتزاز"! ينتهي أمر تلك الواقعة باسترضاء الضحية الإفريقية، بمئة الف دولار، وهو سعر زهيد للغاية قياساً على ما حصده مدير شركة سويسري، تعرضت زوجته الإيرانية لحادث هجوم "ثوري" قذافي مشابه. فالرجل السويسري طلب 20 مليوناً ولا يعرف المسماري المبلغ الذي تمت به التسوية ومن ضمنها تعاقدات أعمال. لكن الطريف أن "القائد" لم يكف عن اصطياد سيدات قصور الرؤساء أو السيدات الأوَلْ والوزيرات. وكنت، في هذا المكان، قد ألمحت في بداية الثورة الليبية، الى مثال مبكر، يتعلق ببدايات تلك الأفعال الشائنة، عندما ذكرت قصة المليحة السمراء "بغايا" عارضة الأزياء التي صارت وزيرة خارجية عيدي أمين في أوغندا، ولم تعجب تلك الإشارة الواهمين. الآن المسماري لصيق معمر، والرجل ليس هو من الأطلسي ولا من الإمبريالية، يتحدث عن تسجيل صوتي عرضه المرحوم عمر بونغو رئيس الغابون السابق، على مسؤولين ليبيين، لمكالمة بين "القائد" وزوجته (بونغو) وكان يساورها على نفسها. والسيدة المستهدفة كانت الزوجة الثالثة لعمر بونغو، وهي طبيبة أطفال، وكريمة الرئيس الغابوني الأسبق، دينيس ساسو. وكانت التسوية، من خلال عملية دعم اقتصادي إغراقي، لجمهورية الغابون! الشاهد المسماري، يجزم بأن القذافي كان مصاباً بالشذوذ مع الغلمان والإناث. وفي المحصلة، يُعد هذا الجانب المِشوّه من شخصية الرجل، أحد عناصر العاهة الكبيرة التي جعلته لا يرى الشعب ولا يطيق أنفاسه، وأن يعيش مذعوراً يحسب كل صيحة عليه. * * * القذافي بات في ذمة رب العالمين. لكن العبرة ـ وهي الأهم ـ مطروحة برسم الاستفادة، أمام الطغاة الذين أعماهم الصولجان وأدارت رؤوسهم السلطة المعززة بالسلاح الثقيل، الى وجهة الشيطان. فهؤلاء سينشر خدمهم، ذات يوم، ألوان ملابسهم الداخلية وكل وقائع حياتهم. وهذه الأشكال التافهة التي حكمت البلاد، وسامت العباد سوء العذاب؛ لا تُقارن بزعماء مناضلين في التاريخ، مهما حاولت إلصاق نفسها بهم. القذافي أوحى في بدايات حكمه، أنه وريث الزعيم طيب الذكر جمال عبد الناصر. والسطحيون ينسبونه اليه ويتخذون من هذا الافتراض حجة على زعيم مناضل، لم يعش في عهد القذافي إلا سنة واحدة لا تزيد إلا 28 يوماً. كان ناصر فرحاً بإجلاء الأمريكيين والبريطانيين عن ليبيا، وحاول تشجيع القذافي وقام بزجره مرات عدة في السنة الوحيدة التي تعايش معه فيها. والفارق بين الاثنين، أن شهوراً قليلة، بعد إسقاط القذافي وإعدامه ببشاعة، بأيدي نفر من الجيل الذي تربى في عهده المشوّه؛ أخرجت فيضاً من فضائحه وغرائبه وسلوكياته التي لا علاقة لها بأية قيمة سياسية أو أخلاقية أو اجتماعية محترمة. أما جمال عبد الناصر، ففي كل فترة، تظهر ملامح جديدة من نبل شخصيته، ومن زهده وترفعه عن الإسفاف، ومن وقائع سهره على شؤون معركة الأمة والنضال القومي. الطغاة الصغار القتلة، من منكري وجود الشعب، ما زالوا ينتظرون قبل موتهم، من ينطقون فجأة بأسرار وحكايات انحطاطهم الشخصي والمسلكي. أما بعد إحالتهم الى مزبلة التاريخ، فإن الروايات ستكون مسمارية! www.adlisadek.net adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|