أسرى الحرية وعشر سنوات على اختطاف مروان
عدلي صادق
ننوّه بكل التقدير، الى فعاليات وزارة الأسرى ونادي الأسير وحملة مروان البرغوثي، وكل الجمعيات والمنابر التي أولت عناية موصولة الجهد، بقضية أسرى الحرية، أنبل الأحياء منا، وأسخى الكرام، وأعظمهم صبراً وقناعة بموجبات الصمود. إن هؤلاء الناشطين على خط مساندة الأسرى، وتتبع تفصيلات عنائهم ومعاركهم وإضراباتههم، وجعلها مدويّة، تطرق آذن الضمير العالمي؛ مناضلون تركزت عواطفهم السائدة، على وقائع الزنازين والقضايا الجزئية لكل أسير من قاطنيها. ومثلما حدث مع إعرابي، عندما استفسر إعرابياً آخر عن اسمه، فكان ملخص الاسم في الإجابه، أنه ثابت بن شديد بن منيع، فعلّق الإعرابي الفصيح الأول: 'ويْحَكُم، لا أحسب الأقْفال إلا صُنعت من أسمائكم'. كذلك فإن الناشطين الثابتين الأشداء المانعين لتبريد قضية الأسرى، هم الذين وضعوا أقفال المعتقلات نُصب أعينهم، فجعلوها قضية حاضرة في الوجدان الشعبي، وبالتالي في الخطاب السياسي الفلسطيني!
تتقدم قضية الأسرى الى نقطة الوصول الى مسأسسة إدارة النشاطات المساندة، بقاعدة معلوماتها، وإعلامها، ووسائلها ومواقيت مناسباتها. ونشير هنا، بالنسبة لقاعدة المعلومات، أن حيثيات المتوافر منها، وجاهزية المتابعة اليومية، ودقة الوقائع المسجلة، تبعث كلها على الفخر. هناك بعض الهفوات في تثبيت تواريخ المناسبات. ففي الشرح المتداول، على الانترنت ـ مثلاً ـ وبخاصة في موسوعة 'ويكيبيديا' العالمية التي يحرر موادها، بأية لغة، المعنيون بتلك المواد؛ يُقال ـ خطأً ـ إن اختيار يوم 17 نيسان (أبريل) ليكون يوماً للأسير، جاء تبعاً لإطلاق الأسير الأول محمود بكر حجازي في مثل هذا اليوم من العام 1974. وعندما قرأت تاريخ إطلاق محمود بكر؛ أحسست فوراً، بالخطأ الجسيم بحساب الزمن، لأنني أسرت في آيار (مايو) 1971 لكنني قبل وقوعي في الأسر بشهور، احتفظت بعدد جريدة 'النهار' اللبنانية، الذي نشرت فيه صور الأسير المحرر، ووقائع عملية استبداله بالجندي الإسرائيلي 'روزنفاسر'. ولما فتشت عن التاريخ، وقد فاتني أن أسأل الصديق 'أبو بكر' عن التاريخ الدقيق، عرفت أنه يوم 28 كانون الثاني (يناير) 1971 وهذا هو الأرجح لأنني كنت أيامها في منطقة قريبة من مخيم النبطية في الجنوب اللبناني وكانت ذروة الشتاء. وقرأت في مقال لعضو مركزية فتح، عثمان أبو غربية، تاريخاً آخر يزيد شهراً عن تاريخ الإطلاق المذكور، لكن النتيجة بالعموم أن حجازي لم يُحرر في العام 1974 حسب الموسوعة التي يحررها المعنيون بموادها. لذلك فإن من دواعي الدقة في قاعدة المعلومات، وضع الكتيّب الإيضاحي التاريخي المدقق، باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والعبرية، مع توطئة سياسية وتاريخية، تتصدى لمحاولات الاحتلال وصف أسرى الحرية النبلاء بـ 'الإرهاب'. فالنضال من أجل حرية أسرانا، هو عمل سياسي بامتياز!
* * *
الآن، هناك قضايا ملحة للحركة الأسيرة، وبعضها يتطلب حلاً عاجلاً. فلا يصح أن يُلقي الانقسام بظلاله السوداء على الأسرى في سجونهم. بالتالي، لا بد من وحدة الأسرى في إضراباتهم. فالإضرابات الفردية تتيح للسجان الاحتلالي، الانفراد بالمضربين والتعاطي مع الموقف باعتباره مجزوءاً، إن لم يتحدث هذا الاحتلال بصفاقة، عن خروج المضربين فردياً، عن إجماع القانعين والراضين. فإن كانت هناك قضايا اعتقال فردي استوجبت إضراباً لصاحب لشخص ذي ملف خاص واستثنائي؛ يمكن بالتنسيق بين الأسرى أن يترافق الاضراب الفردي مع إضراب احتجاجي مسانتد له محدود المدة، يتكرر على امتداد مدة الإضراب الفردي، ويعبر عن صوت المجموع، وهناك موجبات لإضرابات سياسية محدودة الوقت، في المناسبات الوطنية، احتفاءً أو احتجاجاً!
مأسسة الحركة المساندة للأسرى، يمكن أن تدفع باتجاه إنصاف أسرى 'فتح' المحررين، مثلما فعلت 'حماس' عندما أنصفت أسراها ووفرت لهم السبل المريحة لاستئناف حياتهم. وهذه المأسسة لحركة مساندة الأسرى، تستوجب التوصل مع الحكومة الى اتفاق على تسهيل الحصول على الوظائف، لأن الأسرى الذين مكثوا سنوات من أجل شعبهم في السجون أجدر بالوظائف من الجميع. وهناك مشكلة كاريكاتورية يواجهها الأسرى المحررون، الذين ثابروا في السجون على التحصيل العلمي الجامعي المتاح، من خلال جامعات إسرائيلية. الطريف في الأمر، أن وزارة من الحكومة، تكرمت وهيأت لهم مقومات التعليم ورسومه وأكلافة، ثم وقفت ورارة أخرى (هي وزارة التعليم) ضد شهاداتهم فلم تعادلها. وكنا نوّهنا الى تخلف الإدارات المعنية في الوزارة المذكورة، حيال قضايا عدة، في غياب السلطة التشريعية التي تراقب وتصحح. ولا بد أن المعنيين بمعادلة شهادات الأسرى المحررين، لا يعرفون أن الالتحاق ببرامج التعليم في الجامعات الإسرائيلية، كان بمساعدة وزارة شقيقة، مثلما لا يعلمون أن معظم رؤساء أقسام التاريخ ـ مثلاً ـ في الجامعات الإسرائيلية، هم من المؤرخين الجدد الذين يدحضون الرواية التاريخية الرسمية عن الصراع العربي الإسرائيلي منذ أن بدأ، وأن الأسير الفلسطيني والمواطن الفلسطيني في أراضي 48 يستفيدون من التعليم أينما كان.
* * *
أخيراً، ربما يتساءل البعض: لماذا نركز على مروان البرغوثي، في ذكرى اختطافه، دون سواه من أسرانا الرائعين؟!
مروان رمز يحتشد بالمعاني، ولا يدل على مروان وحده. وتجربة مروان تمثل عملية تذكير في كل الاتجاهات، كالكلمات المتقاطعة. فالتركيز عليه له معنى ضمني، قوامه التركيز على كل الأسرى. هو مناضل كان من الصف الثاني القيادي، متأخراً عن الصف الأول في أوقات المغنم. يوم أن جدَّ الجد وجاء وقت المغرم، في الليلة الظلماء، تراجع لصف الأول، لحسابات الحركة والسلامة والأمان الفردي، وتقدم مروان لكي يعبر عن مفاعيل اللحظة وعن الحيثيات السياسية للغضب الشعبي، وكان وفياَ للدماء التي بذلها المناضلون الشهداء. اختطفه الاحتلال، وهو النائب، لتصبح واقعة الاختطاف كثيرة الدلالات على مستويات لا نرغب في تعدادها لكي لا نشاكس أحداً!
الحرية لأسرانا، وفي الذكرى العاشرة لاختطاف مروان، فيما هي تترافق مع أوضاع أصعب يمر بها؛ نجدد له التحية ونشاطره الآمال في الحرية، على طريق الأمنيات التي ما يزال في زنزانته يرتبها صورة صورة!