السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت
حقبة الخمسينات من القرن الماضي
تبدأ الحكاية من الفحاحيل وعلى شاطئها بالذات ؛ عند شارع الدبوس السوق الرئيس للمدينة الناهض كشاهد أبدي على المنفى الفلسطيني وللحكاية المتجددة ٠٠٠
والدي صبحي النجار حضر للكويت عام ١٩٥٢ ؛ ملأ بيتنا حكايات وأثئت ذاكرتنا بقصص عالم عجائبي تفرّدت وحدها دون حكايات اخرى ٠
شارع الدبوس العرب كما كان يُسمى قلب الفحاحيل النابض بالحكايات عن ايام فلسطين ؛ والسهر والسمر ٠
كان والدي طويل الجسم يخاله من لا يتمعن في ملامحه انه دون العشرين من عمره ٠
حديثه متواصلا معي ٠٠٠ وقتها كنت طالباً في مدرسة الكندي المتوسطة التي تُشرف عليها منظمة التحرير الفلسطينية ؛ وتلك حكاية اخرى ؛ سنتأتي على سردها ٠
هنا تذكر والدي ان الراتب الذي كان يتقاضاها بالروبية الهندية ؛ وهي العملة المتدوالة في الكويت قبل الأستقلال ٠
اول وظيفة التحق بها هي عامل تمديد مواسير في شركة الجات ؛ وهي شركة فلسطينية كانت قبل نكبة عام ١٩٤٨ تعمل في حيفا ويافا ٠
واول راتب تقاضاه 50 روبية ٠ ويُفصل كيف وصل إلى الكويت ؟ في العام ١٩٥٢ إلى ساحة الحرية وسط مدينة الكويت التي كانت ترزح تحت الأنتداب البريطاني ؛ في ذلك الوقت ٠٠٠ وظّل يردد الجملة نفسها طيلة سرده الحكايا ٠٠٠ ان حذائه لم يحتمل السير مشياً من البصرة إلى الكويت ؛ حتى اصبح شبه حذاء اهتراء ؛ لدرجة انه شعر يسير حافياً ٠ ثم كف عن الحديث عن الكويت ؛ لينتقل لسرد حكاياته في الفحاحيل ؛ التي اعتبرها مكانه الثاني بعد قريته صبارين قضاء حيفا ٠
لم يكن ينتظر من يعلق على فاه به ٠
يستمر في سرد حكايته ؛ كانت الفحاحيل السوق الرئيس للإنجليز ويأتون للتسوق ؛ على الرغم انهم اسسوا مدينة الأحمدي ويتواجد فيها سوق ؛ إلا انهم يفضلون سوق الفحاحيل ٠ ومن النوادر التي ذكرها انه في احد الايام ؛ وقتها كان يعمل طباخاً في مدرسة الأحمدي المتوسطة ؛ إذ كانت وزارة التربية والتعليم تقدم وجبة فطور وغذاء للطالبات ؛ وكذلك الطلاب ؛ إن احدى المدرسات العاملات في المدرسة متزوجة من فلسطيني وحامل ؛ وتندرن عليها زميلاتها الكوتيات الفلسطيني يِحبل ؛ لم تعلق المعلمة وذهبت إلى حال سبيلها ٠
وما يذكره عن تلك الأيام ؛ ان المياه الصالحة للشرب تأتي من البصرة ؛ والمالحة من مدينة الكويت ؛ وكان يُطلق عليها مياه صليبي ؛ وتستخدم للإستحمام وتنظيف الأواني والحوش ٠ وكانت المياه الحلوة منها والمالحة توضع في زير ؛ إذ لايوجد في ذاك الوقت ثلاجات ٠
يروي والدي ان البصرة كانت رئة الكويت ؛ فالخصار والفواكه والحلوى كلها تأتي منها ؛ وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال ؛ ان الخضار والفواكه والحلوى متوفرة ؛ بل كان تواجدها في الأسواق استثناء ؛ فكان الأعتماد على المعلبات التي كان يحضرها الإنجليز ٠
وهنا تذكر صبحي النجار ؛ وهي حكاية مالوفة ومتدوالة ومتوارثة بين الفلسطنيين ؛ أن من عرض عليه الجنسية الكوتية رفضها ؛ خوفاً من فقدانه جواز السفر الأردني ؛ الأمر الذي يحرمه من العودة إلى فلسطين ٠ ثم اضاف باللهجة الفلسطينية المتحسّرة نفسها : ان حزب التحرير كان نشطاً بين اوساط الفلسطنيين في الفحاحيل في الخمسينيات من القرن الماضي ؛ ويعتقد والدي السبب الرئيس في التحاق جماعته ؛ ان هذا الحزب لم يُخرم التدخين ؛ وكانت عادة التدخين شائعة بين الفلسطنيين خاصة ان الدخان كان مستورد ؛ على عكس الأخوان المسلمين الذين حرموا التدخين ؛ وكان تواجدهم ضئيل جدا ٠
لاحظ والدي وبشكل متواصل ؛ شرودي وتكون تخيلاتي في حركة ؛ كأنها تتحرك قليلاً كأن حكايته كاميرا تقترب منيّ في شكل كادر / إطار ؛ لهذا استوعب شرودي ؛ لهذا واصل حكايته ٠٠٠ أن العائلات الفلسطينية كانت تسكن في بيت واحد ؛ وتشترك في حمام ومطبخ واحد ؛ وعلى الرغم من عدم وجود صلة قرابة بينهم ؛ لكن كل ما كان يجمعهم انهم فلسطنبين ؛ وبقي هذا الحال شائع ؛ حتى استقلال الكويت ؛ وبدأت الحكومة الكويتية تحسين الرواتب ؛ فأصبح متاح لرّب الأسرة الأستقلال في بيت خاص به ٠
توقف والدي عن سرد الحكاية ؛ وتخيل نفسه خلفها ؛ وضحك ضحكة قاسية ؛ لا مبالية متألمة بشدّة أيضاً ٠