وأنا أقرأ مقالاتك عن الأوضاع السورية أتأكد أننا شعب واحد، وأن فلسطين في القلب دوماً، كما هي سورية التي كانت (قلب العروبة النابض).. وفي الوقت الذي أحييك فيه وكافة الأخوة الذين يكتبون من قلبهم عن الأمل الثوري الناهض : ثورة الشعب لانتزاع الحرية أتذكر أصدقاء شهداء كثراً كرّسوا جزءاً كبيراً من حياتهم لمثل هذه اللحظة فاستشهدوا، أو انفجر قلبهم ولم يكحلوا عيونهم برؤية الشعب السوري ينتفض ويعلنها قوية واضحة : يسقط نظام الاستبداد . نظام القتل والأحادية .نظام الطغمة.. فيحضرني الصديق الشهيد خليل الزبن الذي كان عربياً حتى النخاع، متعلقاً بسورية العروبة، سورية الموقف الوطني الداعم للثورة الفلسطينية.. حتى آخر نفس، والفقيد خالد الجندي، وفتحي عبد الحميد.. وكثر..
أذكر أيضاً الشهيد القائد أبوعمار وعيناه صوب البلد العزيز، وهو يحلم أن تعود سورية إلى موقعها الطبيعي : الحاضن الدافئ لفلسطين وثورتها وليس السوط والسكين والخصم.. وكيف كان يتابع بكل اهتمام تطورات الوضع السوري فيشرق إذا ما نجحت قوى المعارضة في توحيد صفوفها، وتجاوز ثانوياتها لوضع هدف التغيير الجذري على جدول التنفيد ..
اليوم أيها الصديق تنطلق الثورة السورية على يد الشباب بعد أن وصل الاحتقان حدّ الانفجار، وبعد أن يأس
الشعب من وعود النفاق ومناورات الالتفاف لتكشف للجميع، ولمن كان يتدرّع بالممانعة والشعارات الخلبية أن هذا النظام هو الأكثر دموية في عالم نظم الاستبداد والكل الأمني، وانه بدلاً من الاستجابة الواقعية لمطالب الشعب بالإصلاحات الحقيقية التي تكرّس التعددية وتكفّ يد الأجهزة الأمنية الأخطبوطية عن امتهان الوطن والمواطن، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومنع الاعتقال والتعذيب، وعودة المنفيين دون شروط.. كمقدمة لمؤتمر حوار وطني يضمّ كافة أطياف الشعب السوري بغية : وضع دستور جديد للبلاد يكرّس التعددية والتداول السلمي على السلطة، ويقر التحزّب وحرية التعبير والاعتقاد، ويؤسس للدولة المدنية الديمقراطية التي تحقق المساواة والعدالة الاجتماعية بين كافة مكونات سورية السياسية والدينية والمذهبية والقومية، وقانون للإعلام عصري المضمون، تعددي النهج، وتشكيل حكومة مؤقتة تتلوى قيادة مرحلة انتقالية بانتظار إجراء انتخابات رئاسية (وفقاً لتحديد مدة الدورة الرئاسية، ومنع السماح للرئيس بالترشح لأكثر من دورتين)، وانتخابات مجلس نيابي سيّد يكون الرقيب والمحاسب للسلطة التنفيذية، واستقلالية القضاء.. أي توفير مقومات الانتقال ببلدنا من عهد الاستبداد، والشمولية والأحادية إلى التعددية بطريقة سلمية لا تجتثّ ولا تبعد أحداً..
بدلاً من ذلك واجه النظام مطالب شعبنا منذ اليوم الأول بالرصاص الحيّ القاتل في الرأس والعنق( لا توجد لديه خراطيم مياه ولا قنابل مسيلة للدموع)، وبالوقت نفسه أخرج من كيسه المعهود بالتهم المعروفة المألوفة، المقصودة بهدف تلويث ثورة شعبنا من جهة، وطمس جرائمه متوهماً أنه بذلك يهرب من عقاب الشعب ومن تقديمه لمحاكم مجرمي الحرب.. فكانت تنوّعات التآليف البائسة التي وصلت آخر طبعاتها بالسلفيين، والإمارة الإسلامية..وغيرها من الأكاذيب.. وزجّ قطعات الجيش السوري، خاصة الفرقة ال44 التي يقودها الجزار شقيقه ماهر الأسد لقنبلة مدينة درعا وقطع الكهرباء والماء والهاتف عنها.. هي درعا المتاخمة للجولان.. المحتل الذي لم تنطلق منه رصاصة واحدة منذ العام 1973، وبضوء أخضر إسرائيلي يجمّد بنداً من اتفاقية الفصل بين الجيش السوري والجيش الإسرائيلي التي عقدت عام 19474 بين النظام وإسرائيل، والتي تمنع قوات الجيش السوري من التواجد في الشريط الحدودي الجنوبي، أي مدينة درعا ومنطقة حوران على العموم، وكذا محاصرة المدن والمناطق المنتفضة في دوما والمعضمية وحرستا وبانياس وجبلة، واعتقال أعداد كبيرة(غير معروفة نتيجة التعتيم الشامل ومنع أية وسيلة إعلامية من التواجد)..
هذا النظام أيها العزيز هو الابن الشرعي لنظام الأسد الدموي الفاشي، الذي انتهك الجمهورية وأسسها بفرض التوريث، وجوّف حزب البعث بعد إغراقه بالانتهازيين والمرتزقة وكتبة التقارير، وتعويمه كواجهة للتصفيق والتلميع والتهريج، مثله مقل بقية الأجهزة(ولا نقول المؤسسات) ك" الجبهة الوطنية التقدمية"، ومجلس الشعب المهرج،وغيره..
وهو نظام لا يمكنه أن يقدّم الإصلاحات المرجوة، لأنها تتناقض وألف باءاته وارتكازه، ولأنها ـ بنظره ـ بمثابة الانقلاب عليه.. الأمر الذي يدفع شعبنا إلى تقديم مزيد التضحيات على طريق الحرية، كما يعرض بلدنا العزيز لعديد المخاطر التي تلوح في الأفق، والتي يدفع إليها النظام على الطريقة القذافية .
إن الوطنيين السوريين المصممين على تفكيك نظام القهر والاستبداد.. مهما غلت التضحيات.. أكثر حرصاً على مصير ومستقبل بلدهم من طغمة النظام التي لا يهمها سوى البقاء في الحكم، لذلك يرفضون رفضاً قاطعاً الاستقواء بالخارج، أو التدخل في شؤون بلادنا، ويأملون من أمتهم العربية، خاصة على مستوى الشعوب والأحزاب والهيئات والمؤسسات المدنية أن يقفوا إلى جانبه، كما كان دأب الشعب السوري دائماً في تخندقه مع أمته، وفلسطين في القلب منها..
ورغم الدماء.. والجراح، والمعتقلين.. إلا أن شعبنا أكثر تصميماً على المضي بثورته حتى نهاياتها الظافرة..
المجد للشهداء.. والنصر للشعوب العربية.. ولفلسطين القلب الأماني بالوحدة، والاستقلال.. وللقدس عاصمة أبدية..
اعذرني للسرعة والخط.. حيث كتبت تعليقاً فطال..
*كاتب سوري مقيم في الجزائر