الذكرى الـ 66 لاستشهاد بطل القُدس وفلسطين عبد القادر الحسيني
" د.محمد. ابو دوابة
الذكرى الـ 66 لاستشهاد بطل القُدس وفلسطين عبد القادر الحسيني
" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا
بَدَّلُوا تَبْدِيلًا " الاحزاب(23) يصادف اليوم ذكرى استشهاد قائداً
ليس ككل القادة، فالتاريخ يتوقف عنده والكلمات تتحجر في الاقلام، والحروف
تتجمد في اللسان، فكيف تصف هذا العملاق المجاهد ، واين العبارات التي توفيه
حقه من مكانته في قلب كل فلسطيني مناضل، انه أسداً القُدس وحاميها وقائداً
المُجاهدين المدافعين عن فلسطين كل فلسطين، مغواراً بخبرته العسكرية
الطويلة وبصيرته الثاقبة وتضحياته اللامحدودة، وإصراره وحماسه في الدفاع عن
الأرض، قائدا عربيا وحدويا قوميا لم تستطيع ان تمنعه الحدود من نُصرة أهله
في العراق ومصر وباقي البلاد العربية . إنه عبد القادر موسى كاظم
الحسيني، القائد الفلسطيني العظيم المولود في اسطنبول سنة 1910 والمُستشهد
في القُدس في الثامن من أبريل نيسان سنة 1948. رغم ان هذا القائد فقد
أمه بعد عام ونصف من ولادته، وهو غصناً غضاً، ولم يعرف التاريخ حينها أنه
سيصبح صلباً كصلابة صخور القدس، حيث رعته جدته لأمه مع بقية أشقاءه السبعة,
درس خير العلوم القرآن الكريم في زاوية من زوايا القُدس، وأنهى دراسته
الابتدائية في مدرسة " روضة المعارف الابتدائية " في بيت المقدس، وأنهى
دراسته الثانوية بتفوق والتحق بكلية الآداب والعلوم بالجامعة الأمريكية في
بيروت، وتركها قصراً لنشاطه السياسي فالتحق بالجامعة الأمريكية في القاهرة
ودرس فيها في قسم الكيمياء, وانتهى الأمر بقرار من حكومة إسماعيل صدقي
بطرده من مصر لنشاطه السياسي. دفعته غريزته الوطنية وعشق الوطن للعودة
إلى القدس في سنة 1932، ومنذ سنة 1935 بدأت خطواته الجهادية الحافلة لتحقيق
الحرية والاستقلال لفلسطين, فقام بتدريب بعض الشبان الفلسطينيين لمشاركته
في المقاومة المسلحة، فقام بالهجوم على القطارات الإنجليزية والمُستعمرات
الصهيونية خِلال الثورة الفلسطينية الكُبرى 1936-1939، وبلغت المقاومة ضد
البريطانيين أشدها في معركة الخضر، والتي أصيب فيها إصابة بالغة. في
سنة 1941 دفعه احساسه العميق بالوحدة العربية والشراكة القتالية للمشاركة
مع الاخوة العراقيين في جهادهم ضد الإنجليز ووقع في الأسر هو ورفاق له
لثلاث سنوات، ثم لجأ إلى السعودية لعامين, وفي سنة 1946 انتقل إلى مصر
للعلاج من الجروح التي تقرحت في جسده أثر معاركه الكثيرة, وهناك وضع خطة
لإعداد وتدريب المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال, كما دربَ شُبان عرب مصريين
للقيام بأعمال فدائية وأنشأ معسكراً سرياً بالتعاون مع قوى وطنية مصرية
ليبية مشتركة بالقرب من الحدود المصرية الليبية, وأنشأ مصنعاً للمتفجرات،
وأقام محطة إذاعية في رام الله ومحطة لاسلكية في مقر القيادة في بيرزيت.
جاء قرار التقسيم في 29 نوفمبر تشرين الثاني سنة 1947 وانتهاء الانتداب
وتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية, تولى الاسد الهمام عبد القادر
الحُسيني قيادة قطاع القدس وعمل بكل اصرار على وقف زحف الصهاينة, وقام
بعمليات هجومية نوعية على المستوطنين المتواجدين في محيط المدينة المقدسة
منها على سبيل المثال لا الحصر, معركة مقر القيادة العسكرية اليهودية في حي
" سانهدريا ", بالإضافة إلى عمليات الهجوم المنظم على عدة مراكز يهودية
صهيونية كانت تنتشر بالأحياء العربية كـمقر " ميقور حاييم ". وقد
استبسل القائد في معركة " صوريف " في السادس عشر من يناير كانون الثاني سنة
1948 والتي قتلَ فيها 50 صهيونياً كانوا مزودين بأحدث العتاد الحربي
الثقيل فاستولى على 12 مدفع رشاش، والعديد من الذخيرة والبنادق, وقاتل بكل
شراسة في معركة بيت سوريك، ومعركة رام الله – اللطرون، ومعركة النبي
صموئيل، وهاجم مستعمرة "النبي يعقوب" ومعركة بيت لحم الكبرى. لقد كتب
التاريخ بدم القائد عبد القادر الحسيني خلال "معركة القسطل" غير المتكافئة
في قرية القسطل التي تُعد أحد مداخل القُدس الاستراتيجية, اروع الملاحم في
التضحية والحماسة والاندفاع, وشراسة القتال، وتدور تفاصيل المعركة كما
دونها المؤرخون أن الشهيد عبد القادر الحسيني غادر مدينة القدس إلى دمشق في
أواخر مارس آذار سنة 1948 للاجتماع بقادة اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة
لجامعة الدول العربية, املاً في الحصول على السلاح ليشد من عزم المقاومين
الفلسطينيين على الاستمرار والاستبسال في القتال. إلا أنه عاد إلى
القدس فور علمه ببداية بمعركة القسطل التي كانت بشائرها وهو خارج القدس,
وعد ليقاتل ومعه نصف كيس من الرصاص, بعد ان قال لهم مقولته الشهيرة " ليسجل
التاريخ أنكم أنتم من أضاع فلسطين، سأذهب إلى القسطل و سأحرر القسطل إن
شاء الله و أستشهد فيها" واتجه به مسرعاً إلى القسطل وهناك في السابع من
ابريل نسيان من ذات العام عمد أولاً إلى إعادة ترتيب صفوف المجاهدين بدقة
ونظام, وعلى الرغم من حماس واستبسال كل الجهات المقاومة في القتال إلا أن
ضعف الذخيرة وقلة الامكانيات أدت إلى وقوع الكثير من المجاهدين بين مصاب
وشهيد, وهنا اندفع الشهيد عبد القادر الحسيني باقتحام قرية القسطل مع عدد
من المجاهدين إلا أنه ما لبث أن وقع ومجاهدييه في طوق محكم للقتلة
الصهاينة، وهبت نجدات كبيرة إلى القسطل لإنقاذ عبد القادر الحسيني ورفاقه
وكان من بينها حراس الحرم القدسي الشريف, وتمكن رشيد عريقات في ساعات
الظهيرة من يوم الثامن من ابريل نيسان من السيطرة على الموقف وأمر باقتحام
القرية وبعد ثلاث ساعات تمكنوا من الهجوم وطرد الصهاينة منها ومن ثم فر من
تبقى من الصهاينة بسيارات مصفحة إلى طريق يافا, غير أن المقاومين لم يكتفوا
بذلك وأرادوا ملاحقة الصهاينة الفارين، وهنا ترجل الفارس عن حصانة وسقط
الشهيد عبد القادر الحسيني، وقد صدق ما عاهد الله علية، وسقطت الامة كلها
وكأنه زلزال هز أركان المعمورة، ونبضت قلوب كل من عرفوه وعايشوه بكل حزن
وكانت جنازته مهيبة أمَها الجميع . انها ذكراك فينا ما حييَنا فانت
النور الذي ينير لنا المستقبل، وطريقك الطريق التي يجب انت نتبع خطاه فيها،
انك التاريخ الذي ان غاب غابت فلسطين والذي يجب ان ينقش في وجدان كل
فلسطيني وعربي. العهد هو العهد والقسم هو القسم د.محمد. ابو دوابة
|