حركة حماس تعيش أكثر مراحل تاريخها عزلة وحصارا. الأغطية العربية تقريبا جميعها رفعت عنها وعن التنظيم الدولي للجماعة، بعد قطع العلاقات الخليجية والعربية مع دولة قطر، ومطالبة كل من وزير خارجية السعودية، عادل الجبير، وممثلي دولة الإمارات والبحرين الأمير تميم بطرد حركة جماس واقطاب جماعة الإخوان المسلمين، الذين تأويهم دولته كأحد الشروط لإعادة العلاقات معها، ومطالبة مصر العربية الوفد الحمساوي بقيادة يحيى السينوار (الموجود بالقاهرة حتى الآن) بالإختيار ما بين قطر والحاضنة الفلسطينية والعربية. لم يعد هناك من غطاء تتدثر به، حتى إيران وحزب الله تعتبر من المحذورات عليها، هذا إن قبلت إيران إحتضانها كتنظيم، لاسيما وان العلاقة مع الحكم الفارسي يعتبر أحد المآخذ على سياسة الدولة القطرية. وبالتالي على قيادة حركة حماس ان تبحث بشكل عقلاني ومسؤول عن مسارب للخروج من عنق الزجاجة.
إغماض العين عن عمق وحدة الأزمة الراهنة، والتخندق في وحل الإمتيازات، التي أمنها الإنقلاب خلال الأعوام العشرة الماضية للمتنفذين في حركة حماس، والإعتماد على فلسفة التسويف والمماطلة والضحك على الدقون، والمراهنة على المناورة والإدعاءات غير الواقعية، والإفتراض أن إسرائيل يمكن ان تشكل غطاءاً لبعض الوقت، كل هذه العوامل لم تعد تفيد قيادة حركة حماس بشيء. جميع الأنظمة السياسية العربية بإستثناء قطر المعزولة والمنبوذة الآن وتركيا الإسلامية لا يوجد عمليا من يقف إلى جانب الحركة، وكلا البلدين لا يعيش اوضاعا حسنة، بل كل منهما يعيش ازمته الخاصة. والرهان على جمهورية الملالي في إيران لا يجدي نفعا، لإن الدول العربية وخاصة دول الخليج تعتبر نفسها في مواجهة مباشرة معها، والبوابة المصرية السياسية والجغرافية ليست مفتوحة على الغارب لحركة حماس، لا بل ان النظام السياسي المصري، الذي لديه كل الوثائق والشهود على تورط حركة حماس بالعديد من العمليات الإرهابية، التي طالت الجيش والمؤسسات الأمنية والشعب المصري، لا يقبل العمل وفق منطق النعام "وضع الرأس في الرمال"، وغض النظر عن الإنتهاكات الحمساوية. مصر، هي الدولة الأهم الواقفة في مواجهة مباشرة مع الإرهاب وجماعاته المختلفة. وإستقبالها وفود وقيادات حركة حماس، لا يعني صمتا او إغفالا عن الحقائق، إنما هي جزء من عمليات التحقيق غير المباشر مع تلك القيادات، ومحاولة لفتح الباب أمام فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين للإنسحاب من مواقع التصادم مع مصر والعرب والقيادة الفلسطينية الشرعية بهدوء.
وقبل الخطوة العربية بقطع العلاقة مع دولة قطر، قامت القيادة الفلسطينية بإتخاذ إجراءات جدية وجديدة للضغط على قيادة الإنقلاب الحمساوي، بهدف التخلي عن خيار الإمارة، والعودة لحاضنة الشرعية الوطنية، لإنها الملاذ الآمن والأخير لإنقاذ حماس من شرور اعمالها وإنتهاكاتها الخطيرة لوحدة الأرض والشعب والقضية والمشروع الوطني والنظام السياسي. ومازالت القيادة الفلسطينية تعمل دون تردد لتحقيق هدف وأد وتصفية الإنقلاب الحمساوي، دون ان تربط إجراءاتها بما يجري في الساحة العربية.
إذا حركة حماس امام خيارات صعبة، لا بل أكثر صعوبة مما تواجهة دولة قطر وأميرها الآن، فهي كما اشير متهمة مباشرة بالإرهاب، ومطلوب طرد قياداتها وكوادرها من قطر والدول العربية، وهو ما يعني بشكل مباشر تعريتها كليا من اي ورقة توت يمكن ان تغطي عورات إنقلابها، وإمكانية لجوئها لخيار فتح جبهة حرب جديدة مع إسرائيل لخلط الأوراق مجددا، لن يفيدها في شيء، وحتى الجماهير الفلسطينية في محافظات غزة، لن تسمح لحماس بإغراقها في دوامات الحرب مجددا. كما ان إسرائيل وقيادتها اليمينية المتطرفة، ورغم اهمية إنقلاب حماس في الإستراتيجية الإسرائيلية، إلآ انها قد تضطر لعملية عسكرية واسعة، قد تخرج عن دائرة الحفاظ على رأس حماس وأذرعها العسكرية، وبالتالي حركة حماس في وضع لا تحسد عليه. والتباكي على دولة قطر او غيرها لم يعد يجدي نفعا، وعليها ان تختار اما الإنقلاب والإنتحار السياسي او الخروج من شرنقة الموت بالعودة لحاضنة الشرعية الوطنية. لا حلول وسط. الكرة في مرمى اسماعيل هنية واقرانه في القيادة التنفيذية الجديدة. ولا مجال للمناورة، الوقت من ذهب، فإما ان تعود لحاضنة الشعب والمنظمة او الإندثار والسقوط في مستنقع الغياب الكلي.