ذكرى رحيل المناضل
وليد إبراهيم سليمان أبو جاموس (أبو رمزي)
مدير عام وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)
بقلم لواء ركن/ عرابي كلوب 12/12/2016م
ولد المناضل/ وليد إبراهيم سليمان أبو جاموس في بلدة عصيرة الشمالية محافظة نابلس بتاريخ 09/04/1949م، تلقي دراسته الابتدائي
ذكرى رحيل المناضل
وليد إبراهيم سليمان أبو جاموس (أبو رمزي)
مدير عام وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)
بقلم لواء ركن/ عرابي كلوب 12/12/2016م
ولد المناضل/ وليد إبراهيم سليمان أبو جاموس في بلدة عصيرة الشمالية محافظة نابلس بتاريخ 09/04/1949م، تلقي دراسته الابتدائية والاعدادية في مدارسها ثم أنتقل إلى نابلس لمتابعة دراسته، غادرت عائلته مدينة نابلس إلى الأردن بعد هزيمة حزيران عام 1967م، حيث تابع دراسته وحصل على شهادة الثانوية العام من مدارسها عام 1968م سافر إلى لبنان والتحق بجامعة بيروت العربية لإكمال دراسته الجامعية (قسم الجغرافيا).
خلال تأزم الأوضاع السياسية في لبنان والصدامات الأولي بين الجيش اللبناني والثورة الفلسطينية وما تعرضت له دفعته للالتحاق مبكراً بالثورة مقاتلاً ومدافعاً عنها في وجه ما يخطط لها.
كان من أوائل الملتحقين في وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) عند تأسيسها عام 1972م، وتولي مسؤولية قسم الاستماع ونشرات الصحف اليومية.
أنتقل وليد أبو جاموس إلى قسم التحرير بعد أن أثبت كفاءة ومقدرة في تنظيم قسم الاستماع وحسن سير عمله، قبل أن يتولى مسؤولية (مدير التحرير) ونائباً لرئيس الوكالة.
أستطاع بعلاقاته الجيدة استقطاب العديد من الكفاءات المهنية والأكاديمية وزجها بالعمل من أجل خلق رسالة إعلامية فلسطينية صادقة في وجه زيف الاعلام الصهيوني، وتحت مسؤوليته تأسس القسم الإنجليزي حيث تولي مسؤوليته في بيروت البروفيسور المعروف (رشيد الخالدي).
عمل وليد أبو جاموس بتفان ونكران ذات في كل المواقع دون أي اعتبار للموقع الرسمي الذي يشغله، فتلقاه تارة مراسلاً، وتارة أخري مندوباً، وتارة محرر أستماع، ومرة محرر نشرات استماع، حتى أرتبط اسمه باسم الوكالة فكان يعرف في كل المواقع ومكاتب الثورة الفلسطينية باسم (سليمان وفا).
كان قريباً جداً من الرئيس الشهيد/ ياسر عرفات، وكان يعتبره العنوان الرسمي لوكالة (وفا) لذا فقد أنتخبه ليكون مرافقاً له في العديد من رحلاته الرسمية الخارجية المهمة.
خلال اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982م كان لــ (سليمان وفا) دور فاعل في تأمين احتياجات الوكالة المادية اللوجستية والأماكن البديلة فيما لو تم قصف المقر الرئيس للوكالة، وقد استطاع بإدارته المباشرة اليومية من تأمين استمرار سلس ومتناسق لجهود العاملين والصحفيين في مواقعهم البديلة.
عند خروج قوات الثورة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية من بيروت، أنتقل (سليمان وفا) إلى تونس حيث أصبح هناك المقر الرئيسي لوكالة (وفا) بعد أن أصبحت تونس مقراً لمنظمة التحرير الفلسطينية.
أستطاع بجهود جبارة تجميع كادر الوكالة الأساسي وأعاده توزيعه بين المقر الرئيسي وبعض البلدان لضمان استمرارية العمل بعد أن اتخذت الوكالة مقراً مستقلاً في ضاحية المنزه بالعاصمة التونسية، وتأمينه ببعض الوسائل الأساسية الكفيلة بأستمرارية العمل ومتابعة الشأن الفلسطيني في مختلف تجمعاته.
تحت إدارته أعيد العمل بالنشرة العربية والنشرة الإنجليزية، وأضيفت النشرة الفرنسية، وكان هنالك مخططاً لإصدار النشرة العبرية، لكن الإمكانات المحدودة من قوى بشرية وفنية أعاقت هذا الإصدار.
استمر وليد أبو جاموس بقيادة عمل الوكالة اليومي طيلة فترة التواجد بتونس بصفته نائباً لرئيس الوكالة ومديراً للتحرير، حتى توقيع أتفاق أوسلو عام 1993م.
في شهر حزيران عام 1994م، عقد الرئيس/ أبو عمار اجتماعاً في مقر إقامة السفير الفلسطيني بتونس حضرة جمع من كوادر المنظمة، حيث قرر الرئيس أن يكون (سليما وفا) من بين الكوادر التي ترافقه في رحلة العودة إلى أرض الوطن.
بعد عودته إلى أرض الوطن بدأ (سليمان وفا) رحلة بناء جديدة وبإمكانيات تقترب من الصفر، فلا كوادر قد عادت بعد إلى الوطن ولا مقرات ولا إمكانات فنية وتقنية، ومن غرفة متواضعة في مقر الرئاسة في المنتدي بدأ (سليمان وفا) بث أول نشرات الوكالة الورقية بمساعدة من أخوانه في مكتب الرئيس ومن معارفه.
أستطاع سليمان وفي فترة قياسية التعرف على الكوادر والكفاءات الإعلامية في الوطن، وتمكن من استقطاب بعضها للعمل في الوكالة بعد أن أتخذ مقراً مستقلاً لها في شارع النصر.
بعد عودة بعض كوادر الوكالة الأساسية أعاد العمل بالنشرة الإنجليزية إلى جانب النشرة العربية، وأضاف إلى ما تصدره الوكالة نشرة ترصد الصحافة العبرية وأخبار إسرائيل وتوزع بشكل محدود.
توسع عمل الوكالة تحت إدارته المباشرة، واتخذت مقراً قريباً من مقر الرئاسة وبدء العمل من أجل ترسيخ هيكلية للعمل، تكون متوافقة من توجه السلطة لبناء مؤسسات تعمل وفق نسق منتظم وقواعد إدارية واضحة.
كان (سليمان وفا) يعمل وظل يعمل واصلاً الليل بالنهار، هكذا كان أثناء المعارك، وهكذا كان وقت الأزمات يدير باقتدار وهدوء أهم الأنباء والأخبار لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، محافظاً على علاقات ودوده حميمة صادقة مع زملائه، وكل من لهم علاقة به من الصحفيين ووكالات الأنباء، وتعامل مع عمله ومهنته وزملائه بأمانة ومسؤولية وصدق الحس والانتماء الوطني، وعدالة القضية التي ظل يناضل من أجل انتصارها.
لقد أعطي (سليمان وفا) كل عقله وعواطفه من أجل أن تأخذ الوكالة مكانتها المتميزة بين أقرانها ولتقف في مصاف الوكالات العالمية من خلال الخبر الصادق والصياغة العلمية والمهنية.
لم يكن (سليمان وفا) مجرد مدير عام لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أو أحد الكوادر الإعلامية البارزة في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، بل كان طرازاً فريداً من المسؤولين، بل وكان بمثابة أخ وصديق لجميع من عرفه وعمل معه، حيث كان مكتبه دائماً ملتقي للتنفيس وتبادل التداعيات بين كل من هم في دائرة همومه.
كان (سليمان وفا) عضواً في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في الخارج وكذلك عضواً في نقابة الصحفيين الفلسطينيين فور عودته إلى أرض الوطن.
بعد سهره على غير ترتيب ولا مواعيد مسبقة جمعته بحشد من أصدقائه القدامى والجدد، استعادوا فيها ذكريات النضال المشترك والعمل المضنى، أفترق الجمع، ليتفاجأ الجميع بنبأ وفاته بنوبة قلبية حادة لم تمهله طويلاً بعد ساعات من هذا التجمع الذي بدأ وكأنه لقاء وداع بين الأصدقاء ورفاق النضال المشترك وذلك يوم الأحد الرابع من شهر رمضان، الموافق 12/12/1999م في مدينة غزة.
لقد تفاجأ الكثيرون بالنبأ الصاعقة ... رغم قناعتهم بأن النفوس كلها ستذوق الموت، وأن موعد ذلك خارج حسابات بني البشر، فالراحل كان في عز الشباب، يتمتع ببنيه قوية وصحة جيدة ولم يشكوا قط، غير أن شكواه وهمه الأول والوحيد هو قلقه الشديد على الآخرين بطريقته المفعمة بالانتماء للقضية وشعبه وحركته وانتمائه لمهنة العمل الصحافي.
نقل الجثمان من مستشفى الشفاء بغزة على سيارة عسكرية طافت به في موكب جنائزي عسكري شعبي شوارع غزة مروراً بوكالة (وفا)، ماراً بجامعة الأزهر ومحاذاة سرايا غزة والساحة وتوقف أمام الجامع الكبير للصلاة الأخيرة على جثمانه ومنه نحو مقبرة الشهداء ليواري ثرى الوطن.
كان الموكب مهيباً صامتاً في حركة منظمة كحياته.
أطلقت ثلة من حرس الشرف أحدي وعشرين طلقة تحية وتقديراً للراحل الكبير وعطائه.
هذا وقد أبن الراحل الكبير (سليمان وفا) الأخ/ أحمد عبد الرحمن أمين عام مجلس الوزراء آنذاك قائلاً: (نودع اليوم مناضلاً فدائياً وكاتباً كان يكتب بالدم لفلسطين ... وجندياً مجهولاً قضي عمره ينتقل من موقع لآخر ومن مدينة لآخري ومن مخيم إلى مخيم ومن منفي إلى منفي من أجل فلسطين، لك الفضل نم هنيئاً يا أخي سليمان ... وكن في صورتنا الأفضل، لك الفضل في أن كفاح شعبنا يعرفه العالم على ثقة أن رسالتك وجهادك وكفاحك نبراساً وشعلة تضيء الطريق أمام أجيالنا وأمام أبنائك، وسنظل أوفياء للعهد وسنواصل المسيرة حتى النصر).
هذا وأقيم للراحل المناضل الكبير بيت عزاء في مرجعية حركة فتح بغزة، التي أمها الجميع قيادات وكوادر ومناضلين ومواطنين يتقدمهم الرئيس/ ياسر عرفات، جاؤوا للتعزية، حيث كان رحمه الله يحب الجميع فلا عجب أن يحبوه.
كان رحمه الله مدرسة متكاملة في العمل الإعلامي المنظم الذي يخدم شعبنا وقضيته الوطنية، فأعطاه جل وقته، فنسى نفسه وأسرته في خضم هموم العمل وزحمته، فلم يكن لديه الوقت للبحث عن بيت يملكه.
لقد رحل الفارس في صمت متحفظاً بالكثير الكثير من التاريخ غير المكتوب للإعلام الفلسطيني ورجاله والمراحل المختلفة التي مر بها، رحل دون أن يدلي بشهادته على الكثير مما شاهده وسمعه وعاصره خلال أربعين عاماً من النضال المتواصل بالسلاح والقلم والورقة.
رحل الفارس في صمت مثل كثير من الفرسان العظام، ترجل عن حصانه دون أن يزعج أحد كعادته، أراد أن يمضى دون أية إشارة، فكانت المفاجأة التي أذهلت جميع من عرفوه ولم يعرفه.
مثلما كان في حياته جندياً فاعلاً نشطاً مجهولاً هادئاً متزن الخطوات، رحل (سليمان وفا) بصمت ودون ضجيج لم يخرج عن عاداته التي التزم بها حتى في موته.
المناضل/ وليد أبو جاموس متزوج ورزق بثلاث أولاد وهم:
(رمزي، رامي، رائد).
رحم الله المناضل الكبير/ وليد إبراهيم أبو جاموس (سليمان وفا) وأسكنه فسيح جناته