إنها ليست إنتفاضة أفراد بل ثقافة فلسطينية عامة
أعتقد أن هذا الوصف الجديد للإنتفاضة الفلسطينية الثالثة في الإعلام الرسمي الإسرائيلي بأنها إنتفاضة أفراد قد يدعوا إلى التفكير في ما يدور في العقل السياسي والأمني الإسرائيلي الذي أصبح على ما يبدو في موقف مرتبك كون الإنتفاضة الفلسطينية الجديدة أصبحت جزء من ثقافة التحرر الفلسطيني وجزء مقلق في حياة المواطن الإسرائيلي ، وأعتقد أن إستخدام هذا المصطلح قد خرج من عباءة الرقابة العسكرية الإسرائيلية ، فالرقابة هناك لا يقتصر دورها على ممارسة الرقيب المهني فحسب وإنما ممارسة دور أكبر من ذلك في توجيه الإعلام بما يخدم الجبهة الداخلية الإسرائيلية بخلق حالة من الهدوء النفسي لدى المواطن الإسرائيلي ، ومما لا شك فيه أنهم يحاولون التقليل من أهمية الإنتفاضة التي راهنوا على أن توقفها السلطة الوطنية الفلسطينية أو إدانتها من قبل الرئيس أبو مازن ، وفشل الرهان لأن القيادة السياسية الفلسطينية راضية عن أداء هذه الإنتفاضة وتحاول إستثمارها وليس تجنيدها وأقصد بإستثمارها لصالح المعركة الدبلوماسية على المستوى الدولي والإنضمام للمعاهدات الدولية بإسم دولة فلسطين وهذا ما لا يروق لحكومة النتن ياهو ، وماهو ملفت للإهتمام أن إطلاق مصطلح إنتفاضة الأفراد بعد فشل كل محاولات إسرائيل من لجم الإنتفاضة أو قمعها أو السيطرة عليها حتى إنزال مزيد من كتائب الجيش وعزل الأحياء العربية في مدينة القدس وتنفيذ سياسة الإعدام الميداني للفلسطينيين و المحاولات اليائسة لم تنجح ، وباعتقادي زيارة وزير خارجية أعظم دولة في العالم لمرتين متتاليتين في أقل من شهرين يثير تساؤلات ويعطينا إنطباع عام بأهمية الزيارتين وبمدى تعقيد الأمور التي باتت تخرج من دائرة السيطرة ، وأثارت قلق البيت الأبيض بإعتباره الشريك الكامل في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيلين ، ومما لا شك فيه أن عدم إحتواء الإنتفاضة أيضاً أزعج منظمة ايباك التي تعتبر أقوى منظمات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة بما تمثله من قوة ضاغطة على الموقف الرسمي للبيت الأبيض والسياسة الخارجية الأمريكية فيما يخص قضايا الصراع العربي الفلسطيني/الإسرائيلي ، وأعتقد كان لها دور كبير في توجيه الزيارتين السابقتين للوزير كيري للمنطقة ومحاولاته الضغط على القيادة السياسية الفلسطينية من أجل إحتواء الموقف وعدم خروجه عما هو عليه والتحكم بتوجيه الإنتفاضة وعدم السماح بتطور أدواتها القتالية التي أربكت إسرائيل بسكين ودهس بسيارة أو شاحنة ، وأصبحت تتطور بشكل تدريجي حيث بدأت تشهد تحول ببداية إنخراط بعضاً من منتسبي أجهزة الأمن الفلسطينية بتنفيذ عمليات مسلحة ضد جيش الإحتلال الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه كعملية حاجز حزما العسكري في القدس و التي نفذها ضابط في جهاز المخابرات العامة الفلسطينية ، وهذا ما يربك إسرائيل من تطور المشهد وانعكاساته على نظرية الأمن الفاشلة التي طالما تغنت بها وتصدع الجبهة الداخلية والهجرة المعاكسة من وإلى أوربا وأمريكا ، وكذلك العزلة السياسية الدولية خاصةً بعد إستخدام الإتحاد الأوروبي إجراءات عقابية بحظر منتجات المستوطنات الإسرائيلية ، وتخارج صناديق الإستثمار الأوربي من أسهم البنوك والشركات الإسرائيلية التي تتعامل مع المستوطنات أو تمول إنشائها على أراضي الدولة الفلسطينية المعترف بشرعيتها في الأمم المتحدة كدولة غير كاملة العضوية أو كعضو مراقب ، لذلك كل المعطيات على الأرض تشير إلى فشل إسرائيل ومحاولاتها من التقليل من أهمية الإنتفاضة ووصفها بأوصاف غير واقعية على الإطلاق لأن الإنتفاضة هي إنتفاضة عامة وجزء من الثقافة الفلسطينية العامة والوجدان الفلسطيني العام وصولاً لنيل الحرية والتحرر وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس .
#نضال العرابيد