هل الشعب الفلسطيني بحاجةٍ إلى حربٍ أخرى بعد حرب الثمانية أيام الأخيرة لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية , وخلق حالة جديدة من الوئام ووحدة الأداء والعمل الوطني المشترك؟ , سؤال بات مُلِّحاً ومشروعاً بعد أن طال ترجمة الأقوال الجميلة والمعسولة التي سمعناها من الكثيرين في القيادات الفلسطينية وخاصة من طرفيّ الانقسام إلى أفعال على أرض الواقع , والذين أكدوا في كل مناسبة أهمية وضرورة العمل على إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة .
لعلَّ الأجواء الاحتفالية التي واكبت الإعلان عن وقف العدوان واستعادة التهدئة مع الجانب الإسرائيلي في ظروف جديدة ومغايرة من خلال الأشقاء في مصر , وكذلك الاحتفالات التي واكبت قبول فلسطين دولة في الأمم المتحدة وخروج أبناء فتح في غزة بالرايات الفتحاوية , وخروج أبناء حماس في الضفة الغربية بالرايات الحمساوية , قد خلق مناخاً وطنياً أحسن منه في المرحلة السابقة وحمل بشائر جديدة مبشرة بقرب الخروج من مربع الانقسام البغيض وتحقيق المصالحة الوطنية المرجوة , بحاجة إلى إرادة سياسية عليا جادة من جميع الأطراف الوطنية والإسلامية الفلسطينية لترجمة الأقوال إلى أفعال والتقدم خطوات واسعة إلى الأمام .
هل الشعب بحاجةٍ إلى عدوانٍ جديد ومذبحة إضافية , سؤال مشروع , لأن منطق التجربة الفلسطينية التاريخية على مدار سنوات الصراع , يؤشر على أن الشعب الفلسطيني اعتاد أن يتوحد ويرص صفوفه ويحشد طاقاته وإمكانياته في بوتقة واحدة في حالة مواجهة أي خطر خارجي , وبمجرد أن تخبو جذوة هذا الخطر الخارجي الذي يهدد الأمة تتغير فلسفة التعامل مع التناقضات , وتعود التناقضات الثانوية تتقدم على التناقضات الرئيسية , ويغرق الوضع الداخلي في متابعة وملاحقة الإشكاليات الداخلية , وفي هذه المرة وخلال مرحلة العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة توحدت الصفوف والجهود الوطنية المخلصة في خندق المقاومة لصد العدوان والدفاع المشروع عن النفس , وبعد توقف العدوان عاش الشعب الفلسطيني ليس في غزة بؤرة الحدث فحسب وإنما في الضفة وفي كافة أماكن تواجده في الوطن والشتات نشوة الانتصار , والجميع قال كلاماً مسئولاً يليقّ باللحظة وأسطورة الصمود وملحمة الدفاع عن النفس , ولكن السؤال المشروع متى سوف يتم مقارنة الأقوال بالأفعال وانطلاق عربة المصالحة ورسم الضلع الثالث المفقود من المثلث الوطني وتتويج انتصار الشعب على سيف الجلاد والمحتل , واعتراف العالم بدولته عضواً في الأمم المتحدة , بالمصالحة الوطنية .
لقد حان الوقت ودقت ساعة العمل لتنفيذ اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة والمباشرة في ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل على كافة المستويات , والبدء في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية , واستئناف المجلس التشريعي الفلسطيني جلساته وأعماله , والذهاب نحو انتخابات رئاسية وتشريعية وانتخابات أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني , كخطوة على طريق استنهاض وإعادة تفعيل مؤسسات وتنشيط دور منظمة التحرير الفلسطينية .
لقد حانت اللحظة التاريخية وانطلق قطار الشعب الفلسطيني ولا مجال وغير مسموح بالتراجع والعودة إلى الوراء , والجميع مطالب وخاصة طرفا الانقسام بتحمل مسؤولياته كاملة للخروج بالشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني من مطب الانقسام وهذا المنزلق الخطر , وإعادة الاعتبار لفلسطين أمام الأشقاء والأصدقاء في العالم , وسد كل الذرائع والثغرات أمام كل الأطراف التي تتخذ من الانقسام سبباً لمواصلة محاصرة الشعب واحتلال الأرض .
مثلما كان الشعب الفلسطيني رأس الحربة في مسيرة الكفاح الوطني المستمرة ومعركة الدفاع المُقدس عن النفس والوطن , فحري به أن يأخذ زمام المبادرة الوطنية , وأن تتحمل كافة الأطراف الوطنية وخاصة طرفا الانقسام مسؤولياتهم , وأن يعملوا يداً بيد وعلى قلب رجلٍ واحد , لقطف ثمار الانتصار الفلسطيني في الميدان وفي الحلبة السياسية والدبلوماسية الدولية , وإنجاح جهود الأشقاء في مصر الذين باتوا يخافون من أي فشل جديد يعطل ويعرقل جهودهم ومساعيهم المقدرة لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة .
فالجميع مطالبون بأن يكونوا على مستوى المرحلة والمسؤولية , لصيانة الإنجازات وتطويرها , وتحقيق الآمال المرجوة والطموحات المأمولة لدى أبناء الشعب الفلسطيني والأمة كافة , بإعادة رسم المشهد الفلسطيني , وإعادة النبض والحيوية للجسد الفلسطيني , لاستعادة الوحدة الوطنية المفقودة , والخروج من حالة الانقسام والتي لا غالب ولا مغلوب فيها , ووضع الواقع الفلسطيني على أعتاب مرحلة جديدة من العمل الوطني المشترك , وتجسيد إقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف على الأرض وفي الواقع جنباً إلى جنب مع دول وشعوب المنطقة والعالم , وصيانة حق العودة , والعيش بحرية وأمن وسلام كاملين أُسوة بشعوب ودول المنطقة والمعمورة , وتفويت الفرصة وتجنيب الشعب الفلسطيني أي حرب إضافية وحقن دمائه