الرئيسية / ادب وثقافة / حنظلة رواية لبديعة النعيمي

حنظلة رواية لبديعة النعيمي

بديعة النعيمي

حنظلة رواية لبديعة النعيمي

كتب :  مهند الاخرس

حنظلة رواية لبديعة النعيمي تقع على متن 190 صفحة من القطع المتوسط، وهي من اصدارات دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان الاردن سنة 2021.

رواية عن ادب المقاومة حيث تجسد صورة النضال الفلسطيني في الاسر وفي ميدان الوغى وفي شتى الفصاءات والميادين؛ فهي رواية فلسطينية متخيلة، نسجت الكاتبة احداثها من تلابيب افكارها واحلام قلمها الذي يقطر حبا لفلسطين الارض والقضية والشعب، وعلى ظهر ص ١٥٩ تبوح الكاتبة بنواياها صراحة بقولها:” الا يجب علينا ان نستأسد في الدفاع عن فلسطين واستردادها ونحن اصحابها التاريخيون؟”.

تبدأ صفحات الرواية واحداثها بصورة متلعثمة ومشتتة! حتى تحسب نفسك جزء من هذا الشتات والضياع، ويصاب القاريء بالتعب وهو يحاول ان يمسك بتلابيب الرواية او تتبع احداثها ومعرفة شخوصها، ويصعب هذا الامر مع سير صفحات الرواية نحو الامام؛ ولاني اعرف بديعةجيدا [ولكل صاحب اسم من اسمه نصيب] ولاني ارقب قلمها وقلم امثالها، انتظرت بثقة ماتبوح به قادم الصفحات وهذا ما حصل.. 

تبدا الاحداث بالتجمع والترابط، وتتضح معالم الشخصيات وادوارها وبالذات دور الفتاة حياة المناضلة والاسيرة ، ثم دور حنظلة [ناجي] البطل الفلسطيني الغترب في امريكا للدراسة وصديقه مارتن الامريكي ذي الاصول الافريقية المناصر للقضية الفلسطينية والذي ورث هذا الانتماء والحب لفلسطين عن والده والذي اغتاله الموساد …وادوار اقل لمزهرة ومقبولة وزهرة وحلوة ودلال واحمد الجزائري والسمين والشقراء والدمية وذو الذقن الطويل…

وهذه الاسماء واختيارها حسب الاحداث والتوظيف لها دلالاتها الفائقة الجودة ، والتي رفعت من سوية الرواية ومجازها وادخلتها في افق ارحب، مما اضفى على الرواية مسحة من التشويق وإِعمال العقل في محاولة الافصاح عن مضامين الخيال والمجاز التي احتوتها تلك الاسماء، ومن ثم محاولة معرفة اثرها الخصب على احداث الرواية .

وفي نفس السياق يحسب للكاتبة عتبة التقديم المكثفة والمنتقاة بعناية و التي تسبق كل فصل من فصول الرواية، فقد جائت تلك العتبات مفعمة بالمعاني ومزدحمة بالتعابير وتحفز القاريء لمعرفة المضمون الذي آلت اليه احداث الرواية وهي على الترتيب :” بعض الحنين يخدش القلب ص٤٩، شعب لا عهود له ٥٩، يتقنون معادلات الاضطهاد ونحترف معادلات الصمود ص٦٥،لو استطعنا معرفة الشخصية الحقيقية للايام لكُنّا تجنبنا صفعاتها القوية ص٧٥، كحطبة سمراء لوحتها شمس بئر السبع ص ٨١، معاركنا خاسرة امام الوقت ص٨٧، الامل طرد بريدي معلق بين الوصول وعدمه ص٩٣، بُعد النظر قد يورث الحظ السيء ص١٠١، لن نساوم على قناعاتنا مهما كانت المغريات ص١٠٩، مؤلم ان تسقط الايام منا ونحن في زنزانة ص١١٥، تجاعيد وجهك خارطة عمري ص١٢١، تعالي يا شمس الشتاء ابادلك بسنين عمري الفائتة ص١٢٧، حياتنا قفزة قصيرة، من ظلام الى ظلام وللقلب ذاكرة سريعة العطب ص١٣٥، فوضوية كبجعة تضرب الشاطيء بجناحيها ص١٤٢، لن يتمكنوا من حشو سمائنا في قمقم ص١٤٩، العالم ليس على مقاسنا انه فضفاض جدا ص١٥٧، الايام تترنح كسكير ص١٦٣.

وقد تعمدت كتابة هذه العتبات جميعها وتكرارها هنا حفاظا وصونا لحقوق صديقتنا بديعة النعيمي، فهي صاحبة سبق في هذا المضمار، وتلك العتبات صنعة فريدة استحقتها بديعة واصبحت ملازمة لها في كتاباتها !؟ لماذا هذه الاشارة قد يقول قائل؟ الاجابة: هناك لص محترف صاحب اعتقاد ساذج يسرق ماتبدعه بديعة وينسبه لنفسه زورا وبهتانا؛ والمخجل في [عملته السودا] اعتقاده الاخرق ان الناس لا تقرأ ولا تعرف.

وعند العودة للرواية نجد يطغوا عليها حديث الغربة والاغتراب على لسان حنظلة وشكوى الحنين للوطن والذكريات، وكل هذا الحديث جاء على شكل مناجاة النفس بحوار داخلي صامت، وكأن الكاتبة تذهب بنا الى بناء اول مداميك النصر، صفاء النفس وصدقها مع ذاتها ثم مع الاخرين، ثم الانتصار للذات للجمعية ومغادرة الانا الضيقة والقاتلة، من خلال بوح صادق يكتنز المعرفة والامل ويدحض الوهم والالم.

ضياع القاريء في البدايات نحسبه مقصود وبعناية، حيث ذهبت الكاتبة الى محاولة حسية جادة في تصوير وتجسيد معنى الشتات والضياع وهذا يسجل للكاتبة ويتفق مع مجاز القضية وفكرة الرواية في صميمها وغايتها [حنظلة المغترب في امريكا].

حيث غربة حنظلة بطل الرواية وصاحب عنوانها في الولايات المتحدة لاكمال دراسته، رحلة كرهها حنظلة لكنه امتثل لها تحقيقا لرغبة والده.

في امريكا حيث الدراسة والاغتراب والفجور والعنصرية وحيث يرتع الموساد في متابعة وملاحقة كل ماهو مناصر لفلسطين ولقيم الحرية والعدالة… في امريكا حيث الغربة كره حنظلة المدينة الفاجرة الماجنة العاهرة ص١٧١.

في امريكا يتعرف حنظلة على مارتن، والذي يأخذه في رحلة عبر الزمن. يشاهد حنظلة في هذه الرحلة تاريخ اليهود منذ وقوع السبي البابلي وقضاء بختنصر على أسرائيل، ووصول (تيتوس) إلى أسوار القدس وإحراق الهيكل، وانشاءهم الماسونية واسقاطهم لامبراطوريات عدة وتامرهم على كثير من القضايا والشعوب حتى قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين… وهذا النسق التوظيفي للتاريخ يظهر لنا قيمة الكلمة المسؤولة والصادقة التي تبني وتبغي الرفعة والنهضة لامة كادت ان تطويها صفحات التاريخ، وهذا يحسب للكاتبة بديعة النعيمي وقلمها والذي عهدناه دوما صاحب موقف وقضية ومبدأ كصاحبته تماما في تطابق وتناغم فكري وسلوكي نهجا وعقيدة.

تعترف حياة نتيجة التعذيب على التهمة المنسوبة اليها(المقاومة) من اجل حماية ونجاة صديقتها مقبولة ص١٥١ ويصدر حكم بحقها ٣ مؤبدات. تعاتبها مقبولة على هذا الايثار وهذه التضحية وتردف قائلة في ص ١٥٢:” لمن سأخرج ياحياة ؟ لا احد سيكون هناك في العراقيب بانتظاري سوى ذلك العجوز الاناني. جدتي حلوة ماتت وابي التحق بالثوار بعدقصة زهرية وعشيقها البائع المتجول اليهودي…زهرية التي تحكمت بحياتنا وسيطرت على عقل ابي لسنوات ليست سوى عميلة حقيرة لليهود…. كانت الملعونة تُسرب الاخبار لذلك الالتغ حتى زج بالكثير من شبابنا في المعتقلات. كانت قد كشفتها جدتي حلوة واخبرت ابي…لم يقم باي ردة فعل بل تركها ليترصد لذلك الخائن. انتظره اسابيع حتى جاء ذات يوم شتوي بارد محملا حماره بالبضائع….تحايل عليه ابي وجره ليلا بعد انقطاع المطر الى الوادي، وانهى حياته برصاصة واحدة.. ص ١٥٣.

تتلاحق الاحداث وتتعقد الامور وتأتي الشرطة للقبض على حنظلة بتهمة القتل للسمين ص ١٧٨، يخبئه مارتن الامريكي في منزله بعد ان يحرق سكن حنظلة بكل محتوياته واسراره.. ص ١٧٩.

ثم تبدا صفحات الرواية بالبوح باسرارها، فتبدا بتفكيك العقد وحلحلة الرموز والاجابة على كل الاسئلة العالقة ابتداء من ص ١٧٨ وحتى ص١٩٠ حين ينبين لنا بان حنظلة بطل الرواية لاجيء فلسطيني من يافا، وامه اسمها حياة البطلة الثانية في الرواية وهي المناضلة والاسيرة ومن مواليد القدس، والسر والحبكة الاهم تختبيء وراء شخصية حنظلة ذلك الطالب المبتعث لدراسة الهندسة النووية في امريكا والذي يقود عملية فدائية [متخيلة] لتفجير مفاعل ديمونة بالاشتراك مع 300 مجاهد والنتيجة زوال الكيان الصهيوني.

وعند ص ١٨٩ وقبل انفراط عقد الرواية باسطر معدودات نجحت الكاتبة بتفكيك احجية العنوان واسم البطل حنظلة بعد ان نجحت في ابقاء الرمزية والمجاز المتعلقان به يطغيان على الرواية حتى الرمق الاخير فتقول:” عاد حنظلة ياناجي وقد كبر، يحمل في قلبه ثورة، فكّ قيده، ادار وجهه للعالم وحمل في يديه قنبلة. قال حين وقف على تراب يافا… كم هو غريب ذلك الاحساس حينما تلامس قدماك الارض التي ولدت عليها، تنفست هوائها، بعد الضياع في ارض كرهتك منذ خطواتك الاولى عليها، منّت عليك بذرات هوائها، اخذت شبابك وفي النهاية اشتهت جسدك وارادت الاحتفاظ بك داخل احشائها….؟؟”.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

غصون غانم

جلسة على موائد الفلسفة

جلسة على موائد الفلسفة في كتاب ( دوستويفسكي وكانط _ حوارات الأخلاق ) للكاتبة أفرجينا …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *