الرئيسية / ادب وثقافة / مسرحية حياة .. وقتل المرأة بين العادة والدين

مسرحية حياة .. وقتل المرأة بين العادة والدين

IMG-20221021-WA0046

مسرحية حياة .. وقتل المرأة بين العادة والدين

الكاتب والناقد الأدبي/ ناهـض زقـوت

يشكل المسرح أداة تطهير للفكر والنفس، وتعبير عن رؤية فردية للتأثير في المجتمع، بهدف تشكيل رؤية جماعية قادرة على التغيير. فإذا كان المسجد مكان عبادة، فالمسرح أداة تنوير للوعي. وتكمن أهمية المسرح في كونه مؤسسة اجتماعية تمارس دورها في تشخيص القضايا المجتمعية، وطرح إشكالات جوهر الإنسان.

انطلاقاً من هذه الرؤية شاهدنا في أواخر الأسبوع الماضي مسرحية (حياة) للمخرج الفلسطيني نعيم نصر من انتاج جمعية فكرة للفنون التربوية بدعم من الاتحاد العام للمراكز الثقافية، وقدمت في قاعة جمعية الشبان المسيحية بغزة.

تقوم فكرة المسرحية على بلورة موقف تجاه العنف المبني على النوع الاجتماعي، وخاصة النساء، من خلال عرض مسرحي بسيط في الامكانيات يناقش العنف ضد المرأة ومسألة القتل تحت مسمى الشرف، حيث تأخذنا المسرحية إلى عائلة نجد فيها الأب متسلطاً، والأم مستسلمة ضعيفة أمام جبروت الأب، وابنة أنهت دراستها الثانوية ويرفض الأب استكمال تعليمها الجامعي، ويبرر موقفه أن البنت مصيرها الزواج وتعليمها يقع على عاتق زوجها، أما الابن فلم يكمل تعليمه وسلبي وشخصية مهزوزة نتيجة تسلط الأب.

وهذا يعني أن العائلة المفككة التي تواجه القهر والاضطهاد الاجتماعي بالضرورة أن يحدث خلل في توازن القوى الاجتماعية، نتيجة للممارسات غير السوية التي تفجر الصراع داخل المجتمع.  

تأخذنا المسرحية عبر هذه العائلة كنموذج لواقع موجود في الشرق العربي، حيث اضطهاد المرأة والتمييز ضدها، وكل ذلك يأتي من خلال تسلط الأب على أفراد عائلته، مما يزرع فيهم الخوف وعدم القدرة على مناقشته في أمور حياتهم. في مسرحية (حياة) نجد الأب يوافق على زواج ابنته دون مشاورتها بل يقرر مصيرها كأنها قطعة أثاث، وليس هدفه سعادة ابنته بقدر المهر الذي سيأخذه، وحجته في هذا الزواج أن زوجها من عائلة غنية سوف يسعدها. 

إن العنف القائم على المرأة في المجتمع العربي يعود إلى غياب الديمقراطية في أسلوب حياتنا المجتمعية والأسرية، وعدم منح المرأة/ الفتاة الفرصة في التعبير عن رأيها في شريك حياتها. بعد أن تنتقل الفتاة إلى بيت زوجها تكتشف أنها أمام زوج مهزوز الشخصية وخاضع لسيطرة والدته، وقد أصبحت في البيت كخادمة وليس كزوجة، وفي أحد الأيام وخلال غياب الزوج والحماة، يقتحم البيت لص لكي يسرق ذهبها، حاولت أن تقاومه ولكنه تغلب عليها برش مادة مخدرة على وجهها فأغمى عليها، كما تأثر اللص بالمادة فأغمي عليه أيضاً، وسقطا في وسط الغرفة. 

إن الفكرة القائمة أن رجل وامرأة في مكان واحد يعني أن الشيطان ثالثهم مسيطرة على العقول المتخلفة التي تربط كل موقف بين الرجل والمرأة بحالة الجنس. تدخل الحماة المسيطرة وتشاهد الاثنين في وسط الغرفة، فتصرخ بأعلى صوتها أن كنتها عندها رجل، إذن هي خائنة، وتقنع ابنها بخيانة زوجته وأنها انتهكت شرفه، دون سؤالها أو مراجعتها، رغم محاولة الفتاة الدفاع عن نفسها بعد هروب اللص، ولكن لم يستمع إليها أحد، فهي قد تلبست التهمة وانتهى الأمر. 

وفي هذه الحالة تعود الفتاة إلى بيت عائلتها ليقرروا مصيرها. يقول المثل الشعبي: خير المرأة لزوجها وشرها لأهلها. أمام تسلط الأب وخوف البنت منه لم تخبره بموضوعها، بل أخبرت أمها بكل حكايتها، ونتيجة خوف الأم من زوجها لم تناقش الأمر معه. 

يعتمد المجتمع الشرقي وخاصة في الأماكن الشعبية على التداخل وفرض الرؤية المجتمعية على الآخرين، وتأخذ الاشاعة أبعادها القوية داخل هذا المجتمع، في حكاية حياة أخذت الاشاعة مفعولها وانتشارها مؤكدة على خيانتها لزوجها، فهي امرأة فاسدة وزانية. يصل الموضوع إلى مسامع الأب دون أن يدرى ما حدث مع ابنته، ودون أن يحمل نفسه مسؤولية ابتعاد ابنته عنه في مشاكلها أو في عدم جرأتها في طرح موضوعها أمام والدها. هنا كان للأب موقف مغاير إذ صدق اشاعة المجتمع وأخذ في محاسبة ابنته على فعلها، ومهما حاولت الفتاة أن تدافع عن نفسها، كان الأب يعتمد أن حماتها وزوجها والمجتمع يكذبون، وهي الصادقة. أمام قوة الاشاعة، يقرر الأب مصير ابنته، بأن يدفع أخاها إلى قتلها.

لقد طرحت المسرحية فكرتها ورؤيتها بكل بساطتها، ولكن الأجمل في المسرحية تعميقها من خلال مسرح المضطهدين هذا المسرح المتباين مع المسرح العادي القائم على الخضوع للفكرة دون مناقشتها، ولكن مسرح المضطهدين يخلق اطاراً فنياً لتجاوز منطق الخضوع بخلق عناصر جمالية ومسرحية بأشكال مختلفة وبطريقة عفوية، في محاولة لمناقشة القضية بحلول أخرى غير الحل الجاهز. 

إن مسرح المضطهدين من أكثر المسارح ديمقراطية في تقديم الرؤية التعليمية القائمة على الحوار التي يستطيع من خلاله المضطهد أو أحد أفراد المجتمع التعبير عن مكنونات أنفسهم تجاه ما شاهدوه من ظلم واقع.

في مسرحية (حياة) طرح المخرج بعد انتهاء عرض المسرحية مناقشة جوانب المسرحية مع الجمهور الذي كان جله من الشباب والشابات، فكان ثمة حماس كبير من الجمهور في مناقشة المسرحية مما يدل على رفض الأجيال الشابة للعديد من المواقف التي تبنتها فكرة المسرحية، فأخذ الشباب والشابات في مناقشة موقف الأب من زواج ابنته دون موافقتها، وموقف الحماة في اتهام كنتها بالخيانة، وموقف الأب من سلوك ابنته، واتخاذ القانون وسيلة لكشف الحقيقة، والعديد من المواقف التي لم يتقبلها المتفرجون تم مناقشتها بروح ديمقراطية، وكانت من أكثر الأمور جدلية في النقاش مسألة قتل المرأة تحت مسمى الشرف، حيث عبر الشباب والشابات عن رفضهم لهذا الأسلوب المجتمعي القائم على العادات والتقاليد وليس الدين، مما يؤكد أن الأجيال الجديدة سوف تكون مستقبلاً متجاوزة لرؤية آبائهم وأجدادهم في مسألة القتل للمرأة دون التحقيق والتروي في المسألة، والالتزام بما يقوله ديننا الحنيف في هذه المسألة. 

إن الدين الاسلامي لم يدعُ إلى قتل المرأة إذا اتهمت بالزنى بل طالب بأربعة شهود على اثبات واقعة الزنا، أما من تأتي بالزنا فقد طالب المجتمع أو ولي الأمر أن يحبسها في البيت “وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا”. لم يقل الله تعالي بالقتل، كما يفعل المجتمع الشرقي استناداً إلى عادات وتقاليد بعيدة عن الدين.

لقد تمكنت مسرحية (حياة) من خلال فكرة مسرح المضطهدين المؤمن بضرورة تحفيز نزعة التغيير عند المتفرّج، من توصيل فكرتها للجمهور/ المجتمع، فالحوار هو أكثر الاشكال قدرة على خلق تفاعل مجتمعي قادر على تحليل كل المشكلات المجتمعية، والتوصل إلى حلول.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

غصون غانم

جلسة على موائد الفلسفة

جلسة على موائد الفلسفة في كتاب ( دوستويفسكي وكانط _ حوارات الأخلاق ) للكاتبة أفرجينا …