الرئيسية / الآراء والمقالات / عمر حلمي الغول يكتب : شولتس والمعادلات الجديدة

عمر حلمي الغول يكتب : شولتس والمعادلات الجديدة

عمر حلمي الغول

شولتس والمعادلات الجديدة

عمر حلمي الغول

المانيا الاتحادية دولة مركزية ضمن دول المركز العالمي، لا يمكن إدارة الظهر لمكانتها ودورها الأوروبي والعالمي، ودون مبالغة تعتبر ركيزة الاتحاد الأوروبي، ورافعته الاقتصادية، وقطب منافس للاقطاب الدولية المقررة في السياسة الدولية في حال تحررت من قيود الهزيمة في الحرب العالمية الثانية 1939/1945. وهذا ما عبر عنه المستشار الألماني، اولاف شولتس عندما قال يوم الجمعة الموافق 16 أيلول / سبتمبر 2022، ان المانيا يجب ان تصبح “القوة المسلحة الأفضل تجهيزا” في أوروبا، وبالضرورة هو يعني في العالم. لا سيما وان لدى المانيا كل الإمكانيات والقدرات والطاقات التي تؤهلها لتبوأ مثل هذا الموقع، رغم صعود اقطاب دولية جديدة على المسرح العالمي مثل الصين والهند وغيرها.

وتعميقا لهذا التحول في الخطاب السياسي العسكري الألماني، اكمل المستشار الألماني امام ضباط في الجيش الألماني في برلين “كوننا الامة الأكثر تعدادا سكانيا، والتي تتمتع بأكبر قوة اقتصادية، والواقعة في وسط القارة، يجب (لنلاحظ صيغة ال “يجب”) ان يصبح جيشنا ركيزة الدفاع التقليدي في أوروبا، القوة المسلحة الأفضل تجهيزا في أوروبا.” وتابع معززا الرؤية الاستراتيجية الألمانية الجديدة، داعيا إلى ” انشاء “مقر عام أوروبي” قادر على “القيام بمهمات لوجستية ذات صلة بالصراع الافتراضية في القارة وعلى المستوى العالمي.

وكما ذكرت سابقا في اكثر من مقالة، ان المانيا اغتنمت تداعيات الحرب في أوكرانيا، لتخرج نسبيا من القيود الأنكلوسكسونية وخاصة الأميركية، واخذت تدريجيا في أولا في رصد موازنات مالية لتطوير ترسانتها العسكرية، وباشرت بتشكيل صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو لتجديد معدات الجيش وتحديث استراتيجيته؛ ثانيا الخروج النسبي من تحت العباءة الأميركية. لا سيما وان برلين لم تندفع بذات الوتيرة السياسية والعسكرية تجاه ما يجري في أوكرانيا، حتى وصفت مواقفها من الحرب ب”الخجولة”. لان حسابات المانيا لا تتطابق مع حسابات الولايات المتحدة وبريطانيا تحديدا؛ ثالثا تكريس مكانتها العسكرية في القارة العجوز، وهو ما عبر عنه شولتس بالقول، ان “المانيا مستعدة لتحمل مسؤولية أساسية من اجل امن قارتنا.”

اذا اللحظة السياسية الراهنة، تعتبر من اثمن واهم الفرص لاستعادة المكانة والدور الاستراتيجي لألمانيا منذ 77 عاما خلت، ولاعادة ترتيب اوراقها داخل البيت الأوروبي، ليس في المجالين الاقتصادي والمالي، انما في المجال العسكري، الذي يشكل الذراع الضاربة، الذي من خلاله بالتكامل مع العوامل الأخرى تستعيد برلين ثقلها العالمي. اضف الى ان طموحات الشعب الألماني التاريخية لم يطوها التاريخ، ولا الهزائم، ولا القيود المفروضة عليه، لانها تسكن كل قياداته، رغم المواقف السياسية المعلنة من قبل كل المستشارين المتعاقبين خلال العقود الثمانية الماضية.

لكن الولايات المتحدة المستهدفة بالأساس تقويض وتبديد القوة الروسية والصينية، عيونها لا تغمض عن أوروبا عموما للحظة، وخاصة المانيا. لانها تدرك ان تمرد المانيا يعني خروج ماردها من القمقم، وانطلاقه نحو فضاءات جديدة، وبحسابات الماضي، الذي مازال يكوي ويوجع كل الماني. وبالتالي بقدر ما تخفف قيودها عن برلين، بقدر ما تسعى لتوريطها وتوريط أوروبا في مستنقع الحرب مع روسيا الاتحادية لتبقى بعيدة، وبمنأى عن تداعيات الحرب العسكرية الكلاسيكية والنووية المحتملة.

لكن حسابات الدولة الأميركية العميقة تخونها في كثير من الأحيان، فالدول وقياداتها لا تنسى دورس التاريخ القريب ولا البعيد، ولالمانيا ثأر قديم جديد مع الولايات المتحدة، لا يمكن تجاهله، او عفى الله عما مضى، لان الثمن الذي دفعته المانيا من دماء أبنائها، ومن مواردهم ومصالحهم وحقوقهم عاليا جدا. وعجلة التاريخ عندما تدور، وتقلب موازين القوى، وتعيد ترتيب واولويات الأقطاب والدول، لا تتوقف، وتدوس باقدام القادمين والصاعدين الجدد لقمة العرش السياسي العالمي كل من تطاول يوما على مكانتها، وسعى لتقزيمها، واستباحتها.

دورة التاريخ الان تدور بسرعة، لان صفيح العالم ساخن جدا، والاستقطاب الحاد على اشده بين المتصارعين راهنا بالوكالة، وغدا مباشرة، يدفع الحرب دفعا نحو مآلات جديدة ونوعية، ولن تقتصر عند حدود أوكرانيا، لانها ستتجاوزها وتتجه نحو افاق خطيرة ومهددة للبشرية. وتداعياتها قد تجرف أوروبا وأميركا والصين والهند وغيرها الى مقبرة غير مسبوقة في التاريخ، وسيكون الموت بلا قبور. وبالتالي قد تذهب أحلام وطموحات الالمان والاميركان وغيرهم إلى مستنقع العدم والموت والضياع.

لذا سيبقى نداء السلام، وحماية البشرية من تغول الأقطاب، واستهتارها بالارواح الإنسانية النداء الأهم، والاقوى والذي يتطلب حشد قوى عالمية من شعوب الأرض كلها لوقف دورة الموت الشيطانية الجارية في العالم.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : الموقف الأمريكي والاعتراف بالدولة الفلسطينية

الموقف الأمريكي والاعتراف بالدولة الفلسطينية بقلم  :  سري  القدوة السبت 20 نيسان / أبريل 2024. …