الرئيسية / الآراء والمقالات / نادرة هاشم حامدة تكتب : في رحاب آية

نادرة هاشم حامدة تكتب : في رحاب آية

نادرة هاشم حامدة

في رحاب آية

 الأستاذة نادرة هاشم حامدة

يقول الله سبحانه وتعالى : *فَجَاۤءَتۡهُ إِحۡدَاهُمَا تَمۡشِی عَلَى ٱسۡتِحۡیَاۤءࣲ قَالَتۡ إِنَّ أَبِی یَدۡعُوكَ لِیَجۡزِیَكَ أَجۡرَ مَا سَقَیۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَاۤءَهُۥوَقَصَّ عَلَیۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ** [سُورَةُ القَصَصِ: ٢٥]

إليك أيها القارئ المتبصر بمنهج الله بعضا من دلالات هذا المنهج الإلهي من خلال اللطائف اللغوية والتربوية والسلوكية والنفسية والاجتماعية التي ساقتها إلينا هذه الآية:

أولا: قوله تعالى “جاءته احداهما”

لم يرسل الرجل الصالح ابنتيه الاثنتين بل أرسل واحدة، وفي هذا الثقة المطلقة في تربية بنته وقدرتها على إدارة الموقف وحدها مع الرجل الغريب.

ثانيا: قوله تعالى “إحداهما”

(إحداهما)تشير أن البنتين لا تتخير إحداهما عن الأخرى في الأدب، فهما سواء فيه .

ثالثا: إشارة لطيفة

يعكس الموقف السابق طبيعة المجتمع العربي في حرمة الخوض في الأعراض و إلا حرص الرجل الصالح على إرسال ابنتيه الاثنتين معا طلبا لموسى عليه السلام.

رابعا: قوله تعالى “تمشي”

الفعل تمشي الذي استخدمته الآية يحمل معنى الاطمئنان في المشي وعدم العجلة وهو الأنسب في وصف السلوك الظاهر عن البنت (الاستحياء)، فلم يقل تسعى مثلا ، وفي هذا قمة في اتقان اختيار ألفاظ القرآن بعناية وانجدالها بقوة مع المعنى العام.

خامسا: قوله تعالى:”تمشي على استحياء”

فلم يقل تعالى على حياء، وهنا قوة لفظية أخرى تبهرنا في الاستخدام الدقيق حيث أن الحياء هو تعريف للقيمة الخلقية نفسها، بينما الاستحياء هو وصف لسلوك الشخص الذي تلبس بالحياء، كما أن في قانون اللغة زيادة البنية في اللفظة هي زيادة في المعنى وفي لفظة استحياء بزيادة حروفها إشارة إلى زيادة و شدة حيائها.

سادسا: التموقع والسياق

جاءت لفظة (استحياء) بين فعلي المشي والقول لتبين أنها كانت حيية في الفعلين المشي والقول .

سابعا: أدب البنت وثقة الأب

كان الأدب والثقة في محلهما، نجد ذلك في اختصار كلامها مع الرجل الغريب “موسى عليه السلام” والدخول في الموضوع مباشرة وبإيجاز واضح غير مخل بالمعنى ينم عن فصاحتها *إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا*

ثامنا: حكمة راجحة مرجحة

أدب البنت وفصاحتها وذكائها في صحة الحكم على موسى عليه السلام بعد ذلك منذ الموقف الأول بينهما، كل هذا جعلها تكون مؤهلة لتكون زوجة كليم الله موسى عليه السلام

تاسعا: “إن أبي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا”

تجسد في هذه الاية القانون الإلهي “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره” الزلزلة 7 وقد تحقق القانون بسرعة مع كليم الله “وكذلك نجزي المحسنين”

عاشرا: “”فلما جاءه”

كانت الاستجابة الطيبة من موسى عليه السلام لدعوة الرجل الصالح له وذلك بغرض التعارف على الرجل وهذه طبيعة الأنبياء الذين بعثوا للناس ، وكذلك كان يرجو موسى فرجا من الله في بلد غريب عنه، فهو لم يلب الدعوة طمعا في الأجر إنما سقى لوجه الله و لم يبتغ عليه أجرا .

الحادي عشر: (قص عليه القصص)

تشير العبارة إلى حسن استقبال الرجل الصالح لموسى عليه السلام فلولا ارتياح موسى له وطيب ملقاه، لانصرف عنه الكليم ولم يقص عليه القصص براحة، ففي قص القصص بالذات مزيد من الراحة والاطمئنان في الجلسة.

الثاني عشر: حسن الخلق أس الأمر

لقد فاق حسن خلق الرجل الصالح الحد الذي جعل موسى عليه السلام يثق به حيث قص عليه قصصا حساسة كقتله للرجل المصري وهروبه من فرعون، نفهم ذلك من رد الرجل الصالح عليه “لا تخف نجوت من القوم الظالمين”

الثالث عشر: أخلاق كادت تندثر

العون في الكرب و إغاثة وإيواء الملهوف و مساعدة الضعيف ونصرة المظلوم أخلاق عربية سامية يعلمنا إياها هذا الموقف النبيل للرجل الصالح الذي على بعض الروايات أنه نبي الله شعيب عليه السلام.

الرابع عشر: (نجوت من القوم الظالمين)

تشير الجملة إلى الفطنة إلى وحدة الدين و الصلاح بين الرجل الصالح وموسى عليه السلام وما يتوقف عليها من مسؤولية وحماية

الخامس عشر: نور البصيرة

يدل موقف الرجل الصالح من موسى على ذكائه وفطنته وقدرته على معرفة حقيقة الآخرين، وقد ورثت ابنته هذا عنه حين وصفت موسى بأنه القوي الأمين.

السادس عشر: (القوم الظالمين)

تشير لفظة القوم و الجمع في الظالمين إلى أن الظلم لم يكن يتمثل في شخص فرعون فقط وسط استنكار قومه له مثلا، بل كان الظلم صفة قومه معه أيضا، و في هذا تعاضد مع وصفهم بالفسق في موضع آخر في القرآن حيث قال القرآن عن فرعون وعنهم *فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين* الزخرف 54

السابع عشر:” نجوت من القوم الظالمين”

يبين المفهوم أنه قد شاع خبر ظلم فرعون وقومه من المصريين حتى وصل أرض مدين وإلا ما كان للرجل الصالح أن يصفهم بالظلم بهذه السرعة مع سرد القصص فقط. سبحانك ربي ما أعظمك وأعظم هذا القرآن العظيم الذي هو صفتك.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سليم الوادية

اللواء سليم الوادية يكتب : مسيلمه الكذاب ونتنياهو الاكذب ،،

ياسامعين الصوت ،، بقلم  اللواء سليم الوادية  مسيلمه الكذاب ونتنياهو الاكذب ،، زمن الرسول محمد …