الرئيسية / الآراء والمقالات / علي ابو حبلة يكتب : سياسة الجهل و التجهيل والخداع الممارسة بحق الشعوب

علي ابو حبلة يكتب : سياسة الجهل و التجهيل والخداع الممارسة بحق الشعوب

رئيس تحرير افاق الفلسطينيه
رئيس تحرير افاق الفلسطينيه

سياسة الجهل و التجهيل والخداع الممارسة بحق الشعوب 

إعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله 

تتعرض الشعوب العربية لسياسة تجهيل ممنهج عبر سياسة التضليل والخداع التي يمارسها الإعلام الممن هج وينبغي أن نكشف عن مدلولات علم التجهيل في تعريف للمصطلح على أنه يمثل المهارات والقدرات الفائقة التي تمارسها جهات ومؤسسات علمية محترفة في قلب الحقائق ضمن سياق ممارسة التضليل والتشويش على جمهور المتلقين وبسط أو تسويق الجهل المتعمد لتحقيق غاية أساسية يكون فيها الإنسان أو الأسرة أو المجتمع فارغ العقل أو عقل بلا وعي. بمعنى آخر هو صناعة الجهل بتعويق العقل بالتخلف ومغالطة وقلب الحقائق على الناس ضمانا لتصريف المنتجات أو تسويق الوجوه المطروحة من شخصيات سياسية أو دينية أو غيرها، وقد تتوفر هذه المهارات والقدرات لدى الأفراد في تضليل الناس ، وعلم التجهيل لطالما يمثل في مفهومه الحقيقي التشويش وتسطيح العقول فأن بداياته ترجع لبدايات الاتصال والاحتكاك البشري ،إذ أن الأمية كانت شائعة كثيرا بين أوساط المجتمع،وهذا ما يجهل التجهيل قضية سهلة الخطوات للوصول إليه وتحقيقه من قبل الجماعات التي تمارسه لغايات نفعية أو عدائية، وفي هذا السياق يقول الفيلسوف الفرنسي، جان جاك روسو،في الكتاب الأول من العقد الاجتماعي” أن النظام الاجتماعي لا يقوم من الطبيعة، بل هو نتاج الحوارات والاتفاقيات بين الجهات المعنية ” وهذا يعيدنا الى مسألة الحوارات والنقاش والاتفاقات التي تتحقق بين الجماعات البشرية والتي تشارك في عملية صنع الوعي الذي يحقق الحياة المناسبة للفرد والكيان الاجتماعي الذي ينتمي اليه

وهذا يعيدنا الى إشكالية البذخ المالي في أثناء الانتخابات ومحاولة التشويش على الناخب وتجهيله وسرقة صوته أو شراء ضميره باستلاب عقله وتغييب وعيه. وعلم التجهيل تتبناه في العادة مراكز الأبحاث وأجهزة المخابرات ومؤسسات الدعاية والإعلان ووسائل الإعلام وكذلك العلاقات العامة، لتحسين سمعة لجهة صديقة أو تشويه سمعة جهة معادية أو منافسة. وتكون هي الأدوات التي تنفذ ما يطرح عليها في مواجهة الجمهور وانحراف بوصلة تفكيره للأمور والأشياء. بحيث تسهل عملية تسطيح المعرفة لدى الناس،وتكون فرص تمرير مخططاتهم أسهل،ونجاح عمليات التضليل الذي تتبناه المؤسسات الإعلامية والمؤسسات النظيرة لها يتحول إلى علم في إشاعة الجهل والبعد عن المعرفة العميقة. وفي هذا الصدد يورد أستاذ علم الاقتصاد السياسي الدكتور طالب الدليمي ” أن نصف العلم أخطر من الجهل” على اعتبار أن البعض يمتلك قليلا من العلم والمعرفة لكنه يخدع نفسه بمعرفته بكل الأمور،وهذا أمر خطير.وفي بعض الحالات يتم نشر الجهل تحت ستار” النقاش المتوازن” بتوظيف مبرر أن هناك دائمًا وجهتي نظر متعارضتين لا يؤدي دائمًا إلى نتيجة عقلانية،لا بل ان البعض من الذين يمتلكون شيئا محدودا من المعرفة يعتقد انه يعرف كل شيء والخطورة تكمن في قناعة بعض الجماعات به، فيشيع الجهل الذي هو ابتعاد عن الصحيح، ويقول الخليل بن أحمد الفراهيدي: الرجال أربعة، رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه،ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه، ورجل لا يدري ويدري انه لا يدري فذلك مسترشد فأرشدوه، ورجل لا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فأرفضوه.

يقول المؤرخ في جامعة ستانفورد روبرت بروكتور: “نحن نعيش في عالم من الجهل المتطرف. والغريب أن أي نوع من الحقيقة يمر عبر الضّجيج، على الرغم من أن المعرفة متاحة، ولكن هذا لا يعني أنه تم الوصول إليها، علماً أنَّ معظم الأشياء تبدو تافهة”.

ان صناعة الجهل إحدى أجندات مؤتمر (هنري كامبل بانيرمان)، الذي انعقد عام 1906 بلندن، والمثال التالي من مدونات عصريّة: (ميريا شالوم) مجنّدة في الجيش الإسرائيلي، ما أن تعود إلى منزلها حتى تخلع زيها العسكري، وتفتح (فيسبوك) لتكتب على صفحتها المزوّرة باسم #أم المؤمنين: هل عمر ابن الخطاب أحق بالخلافة أم علي بن أبي طالب؟! ثم تنتظر التعليقات.. ابتسمت (ميريا) لتوالي الردود: الشيعة يسبون السنة، والسنة يسبون الشيعة، وطرف ثالث يصمُ الاثنين بالتخلّف، ليتحول هذا الجدل العقيم إلى أنهار من الدم في شوارع الوطن العربي، أقفلت ميريا شالوم هاتفها، وتمددت على سريرها لتغط في نوم عميق، مطمئنة إلى مستقبل (دولتها) يحميها بلا ثمن مجموعة من المُغفلين.

ويؤكّد البعض أنّ أفضل وسيلة لنشر الجهل تتمثّل في خلق مناخ يتمّ فيه التّشجيع والحثّ على النقاش أو حتى الصراع، على شرط أن يكون متكافئاً ومتوازناً بين فكرتين أو جبهتين، وأن لا يسمح لأحدهما بالتفوّق والغلبة على الآخر، بل الإبقاء على حالة التكافؤ بين وجهتي النّظر، لتكون النتيجة في الغالب هي غياب النتيجة، وهذا هو المطلوب.

الجهل، إذاً، هو قوّة من حيث إنّك لا تستطيع التعامل معه إلّا من خلال علمٍ، ومن خلال معاينة المعلومات المعرفية، ومن ثم التحكّم بها وتوجيهها سلباً أو إيجاباً، فالجهل، وإن كان نتاجاً طبيعياً لحالة التردّي في المنظومة التعليمية، والانحطاط الذي تشهده الجامعات العربيّة، لكنّه في المقابل يمثّل نتاجاً لعمليّة فعليّة أُسّست وفق منهج علميّ. 

هذا المنهج بدأ يتعمّق أكثر ويتّسع ليتمّ استخدامه في الأوساط السياسية والاقتصادية والأكاديميّة، وحتى الإعلاميّة. وأصبح البعض يعرّفه بـ”إدارة الإدراك”، وهو أسلوب يتّبع التضليل والخداع، من خلال نشر بعض الحقائق وإخفاء البعض الآخر، باستخدام تقنيّات وفنون ومهارات عالية الدقة، بغية خلق حالة من التشويش والإرباك لدى المتلقّي.

إنّ علم الجهل أو صناعة الجهل أو إدارة الإدراك كلّها مسمّيات لعلمٍ تقنيّ يقوم بإنتاج معلومات مزيّفة ونشرها على أنّها حقائق، ومحو حقائق ثابتة معتبراً أنّها مزيّفة، وهو يعتبر من أهمّ الأدوات التي يستخدمها الحاكم المستبد والسلطات المهيمنة من أجل تطبيق مبدأ التجهيل وإدارة الأفهام الإنسانية، كمنهج لتدجين العوام من الناس وتحويلهم إلى جيل خانع.

إنه منهجٌ لا تقرأ من خلاله إلا الانحطاط ورداءة الخلق، وأسلوب لبثّ حالة الرّعب، وزعزعة الاستقرار، وإثارة الشكوك، وإدخال الفرد في متاهات ومطبّات تمنع عنه الحلول، ليترك وحيداً في حال من التّخبّط والحيرة، ولتكون قراراته بعد ذلك انفعاليّة غير مدروسة، تعكس حجم الضغوط النفسية وغياب المعلومة الصّحيحة. 

وعندما نقف أمام نظم استبداديّة تُسمّي نفسها سياسية، لا بدّ لنا من أن نعيد سؤالي بروكتر: كيف ولماذا “لا نعرف ما لا نعرف”؟ حينها، سنعرف سبب عدم معرفتنا وجهلنا وانحدارنا. سنعرف كيف أننا لم نعرف، وسنعرف بيقين أنّ ما كانوا يصوّرونه لنا على أنّه علمٌ وتعليم، إنّما هو جهل وتجهيل، وأنّ أكثر المصنّعين لبضاعة الجهل هم ممّن باعوا وطنيّتهم، فتمّ اختيارهم وتأهيلهم بعناية وعلميّة فائقتين، وهم على أنواع، فمنهم من يقدّم الاستشارات السياسية والاقتصادية والإعلاميّة، متّكئاً على قاعدة “اكذب ثم اكذب ثم اكذب”، ومحصّناً ومؤهّلاً بـ”علم الجهل”، ليبدأ بنشر التّجهيل وبثّ الإشاعات وزرع حالة اليأس، حتى يبدأ المستهلك بتصديقها، بل ويقاتل في الدفاع عنها. 

وحين أقف أمام الحالة المفزعة والانحطاط والتّردي الذي أصاب مؤسَّسات التعليم عموماً، والجامعات على وجه الخصوص، وحالة الإسفاف والانحدار وفقدان البوصلة، والركون إلى الجهل والتخلّف والرضا بهما، فإنني أقف أمام أحد أعمدة الجهل المصنّع. 

هو تجهيل أُعدّ بعناية، وشارك في إنتاجه وتمريره أناسٌ قفزوا إلى مجال التّعليم ومواقع اتخاذ القرارات المصيريّة في غفلة من الزّمن، فحوّلوا المناخ التعليمي والجودة في البحث العلميّ وطرق التّدريس إلى مناخ أدهم حالك وأرض جرداء لا تنمو فيها بساتين العلم والفكر والمعرفة. 

لقد كان الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار (1884 – 1962) يرى أنَّ نمو العلم إنّما هو نموّ متعرج، لا يسير في خط مستقيم، بل يحدث التقدم فيه من خلال نزاع دائم مع الخطأ، فالحقيقة العلميّة خطأ تمّ تصحيحه، وليس ثمّة قيمة كبيرة لتلك الحقيقة الّتي تظهر منذ البداية واضحة ساطعة متميزة عن كل ما عداها، بل إنّ الخطأ كامن في قلب الحقيقة. 

لذلك، بات لزاماً على الأحرار الوقوف بشجاعة أمام كلّ الطبقات المنتفعة التي يزعجها محو الجهل وعودة العلم والمعرفة. علينا أن نقف حاملين درع ضياء الفكر صفاً واحداً أمام رياح الجهل والظلام، وإلّا ستتحوّل مجتمعاتنا إلى “مفاقس” لتوليد المفاهيم المنحرفة والنظريّات السّقيمة، وسيتوقّف الوعي ألمفاهيمي عن العمل، فيتوقّف بعده الإنتاج الفكريّ، ويُمحى الإبداع، ويحلّ محلّه النزاع، لنبدأ بعدها مسيرة الضياع.

ومن طرق التجهيل التي يمكن تناولها وفق ما يأتي :

أولاً- عدم إدراك الحقيقة: فالحقيقة تعني الوصول الى الوعي والوعي الاجتماعي هو الذي يتكفل بكنس المخلفات والنفايات وتحرير العقول والنظر للأمور بحقيقتها لا بجهل العقل.

ثانيا – توظيف فن التضليل: عندما تمتلك جماعات المصالح المؤثرة مهارات عالية في فن التضليل والتزييف فأن ذلك يؤثر باتجاه تحول الباطل حق والحق باطل على وفق نظرية “ما لكوم إكس”.

ثالثا – التجهيل الدولي: بإثارة الحروب وفرض الحصارات الاقتصادية التي من شأنها تؤثر كثيرا على مستوى حياة الشعوب المحاصرة، ومن ذلك تدني مستوى التعليم وضعف سلطة القانون ولجوء الموظفين في المؤسسات الحكومية الى الرشوة سبيلا لإدامة حياتهم.ويعد هذا النوع من اخطر طرق التجهيل في تعويق الشعوب وتخضع العديد من الدول لسياسة الجهل والتجهيل ، وهذه الدول فرضت عليها الولايات المتحدة حصارات اقتصادية.

رابعا – الإدارات السياسية الفاشلة: تعمل بعض الدول التي لها هيمنة على دول ضعيفة تكون خرجت للتو من حرب بفرض قيادات سياسية غير مؤهلة للإدارة ولا تحكم بمنهجية الحكم الرشيد وتمارس العبث بمقدرات البلد ، فهذا تساهم في تجهيل المجتمع وتعويق الأجيال.

خامسا –الإدارات التربوية والتعليمية الفاشلة : وهنا تكمن عملية التجهيل عندما توكل إدارة المؤسسات التربوية والتعليمية لإدارات فاشلة غير محترفة وهي جزء من سياسة التزوير والغش فان ذلك يشكل عامل مهم في صناعة التجهيل ،وقد نجحت الولايات المتحدة بالتأثير على إدارات في الاتحاد السوفيتي السابق قبل انهياره ، فضلا عن بلدان المشرق بالوقت الحاضر.

وبالرغم من رؤية الباحث (فاضل البدراني) من أن الانترنت يمثل أعلى منصة لإشاعة الديمقراطية وتفوق أي منهج ديمقراطي في البلدان التي تنعم به منذ قرون ،سيما البلدان الغربية ذلك يمنح الشعوب فرصة التعبير عن آرائها والمطالبة بحقوقها بل يمثل الملاذ الآمن لمنح الحريات وعدم محاصرتها باعتباره فضاء مفتوح لا سيطرة عليه ولا تمييز فيه بين اسود وابيض وحاكم ومحكوم ومن ذلك ممكن أن يتحقق الوعي، ألا أن الأكاديمي ديفيد دانينغ من جامعة كورنيل، يحذر من أن الإنترنت يساعد على نشر الجهل، وهو المكان الذي يضع لدى الجميع فرصة ليكونوا خبراءً فيه، مما يجعلهم فريسة لمصالح قوية ترغب في النشر المتعمد للجهل.وهناك خصوصية من أن مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل العاملة على الانترنت لا تعد وسائل إعلام كونها غير منضبطة في نصوصها بعيدا عن شكلها الظاهر، فهي تذهب بالمعلومة الحقيقية الى التضليل والدعاية وتشكل الرأي العام الجاهل،وهو نفس التوجه لبعض الدوريات والمطبوعات والمواقع التي تتخذ الطابع الشخص أو المواطني أكثر من المنهج المؤسساتي الذي يعني برعاية الجمهور الواسع .ووفق رؤية ديفيد دانينغ التي تناقض رؤية فاضل البدراني ،فانه ينبغي التعامل مع هذا الفضاء الالكتروني المفتوح بعلمية لكي يحقق الديمقراطية والوعي وبخلاف ذلك فان رؤية دانينغ تكون هي المطب الذي يساعد على إنتاج الجهل والتخلف.

وفي هذه الخصوصية التي يتفاعل فيها الجاهلون وقليلوا الوعي مع المواد والموضوعات التي ينشرها الانترنت فأن بعض الأذكياء يستفيدون من جميع المعلومات الموجودة بمجرد الدخول إلى الإنترنت،إلا أن الكثيرين يكونون ضحايا للتضليل والشعور الزائف بامتلاكهم الخبرة.والقلق لا يعني أننا نخسر القدرة على التفكير بل أصبح من السهل استقاء المعلومات من الانترنت من دون تفكير وعناء،وهنا لا بد من التعرض الى إشكالية تحمل بين طياتها الكثير من القلق تتمثل بأن المعروض في الانترنت تشارك في إنتاجه العديد من المؤسسات السياسية والفكرية المتخصصة والتي تنضوي في جهات علمية مثل مراكز الدراسات والأبحاث أو الجهات النفسية والاجتماعية في أجهزة المخابرات والدوائر السياسية في وزارات الخارجية للدول المتقدمة ، فهذه تقوم بطرح الآراء إما لتجهيل الناس وإما لمعرفة التوجهات العامة أو لمعرفة مستوى الوعي، ومن ضمن ذلك قد تطرح شائعاتها في منتصف بلوغ وقت الأزمة سواء الحربية آو الاقتصادية أو غير ذلك وافتراس عقول الناس.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية

حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية بقلم  :  سري  القدوة الخميس 28 آذار / مارس …