الرئيسية / الآراء والمقالات / نادرة هاشم حامدة تكتب : المعطف والآربجي

نادرة هاشم حامدة تكتب : المعطف والآربجي

نادرة هاشم حامدة

المعطف والآربجي

أ. نادرة هاشم حامدة

كان يوم عرفة في شتاء عام 2008 /يوم الاحد الموافق السابع من شهر كانون الأول، حيث صاحبني فيه مهند إلى السوق ولم يكن هذا من عادته، فهل سيصبر حتى أشتري القائمة الطويلة المتنوعة التي أعددتها مسبقا؟ وفي أحد محلات الملابس امسك بمعطف طويل بلون فئراني جميل مبطن بفرو أبيض، صناعة أجنبية، سعره أربعمائة شيكلا.، مهند معروف بالأناقة ، ولكنه أعقل من أن يطلب مني أن اشتري له هذا المعطف الغالي فجأة، دون ترتيب واستعداد مالي مسبق، فهو يعي هذا جيدا، ورغم أن موقف كهذا ليس بالإمكان ان أنصاع له، إلا أن الأمر اختلف تماما هذه المرة ولا أعرف كيف؟ فلم ارفض طلبه ولو بكلمة، كل ما هنالك أنني وجهته إلى معطف مثله تماما نظام جاكيت قصير لعله أرخص، ولكنه وبكل هدوء وأدب كعادته : قال أريد المعطف الطويل،ثم ما أدهشني أكثر انه اختار مقاسا أوسع مما يلبس بشكل غير منطقي، وفي ظل صمتي واندهاشي، دفعت مائة دولار ثمنا للمعطف بعد موافقة التاجر وتم الأمر ، وبذلك قد استغنيت عن معظم الأشياء في قائمة المشتريات ….بعدها بأياااام ..شن العدو غاراته الجوية الوحشية لتبدأ حرب الكانونين، حرب الفرقان، ثم بدأت الحرب البرية بعدها، لأعرف وأرى بعيني سر المعطف الواسع الطويل، فقد كان من أجل أن يخفي مهند من تحته سلاح الآربجي ،و بعد خمسة ايام كنت لم أره فيها ،جاءني خبر استشهاده، فخرجت في استقباله عند ثلاجة الموتى في مشفى الشفاء، ولحسن حظي اني استقبلت الكثير من الشهداء يومها، وانا انتظر ابني العريس صاحب المعطف الفئراني الجميل بالفرو الأبيض وقد خِلْتَه ملونا بالدم الاحمر فأصبح أجمل وأشيك ، حتى وصل مهند أخيرا ولكنه بمعطف أسود كبير وقديم وبالي قد دفن فيه، تقدمت منه، أفسح المتجمهرون حوله في زفته لي …قائلين أمه، أمه ، قَبَّلْتَهُ وهنأته بشهادته و باركت له بالحور العين، طلبت منه أن لا ينساني من شفاعته في الآخرة بعد أن يأذن له رب العالمين، زغردت له زغرودة الرعونة والدموع، لكني وددت بعدها لو أعرف قصة هذا المعطف الأسود وأين ذهب المعطف الفئراني الذي ما زلت أحمد الله الذي ألهمني فلم اكسر بخاطر ابني في آخر طلب له في الدنيا، فقد رحمني ربي من الشعور بالذنب وتأنيب الضمير ؟ حتى أخبرني أحد رفاقه أن مهند قد آثر مجاهدا من منطقة أخرى بالمعطف على نفسه حين كان المجاهد يرتعش بردا، وأردف قائلا : وفي الليل ومن شدة البرد ونحن في الخلاء نفترش الأرض ونلتحف السماء، أشفقت على مهند فأحضرت له ساكو سيدي المزارع المعلق في عريشة في الكروم على البحر بجانبنا، (لينال ساكو سيدي الشرف) هكذا علق بابتسامة أسى ودموع. سيبقى يوم عرفة رغم عظمته الإلهية، يحظى بالنسبة لي بميزة خاصة تتمثل في آخر وأوضح ساعات الذكريات مع ابني الشهيد ومع أحداث عديدة مرحة ومضحكة ومستفزة يومها في السوق، اللهم إنا لا نزكي عليك أحدا، فتقبل منا جميع شهدائنا في عليين، وَصَبِّرْنَا اللهم على الألم و الوجع حين نجتمع بأحبتنا وهم عن الدنيا غائبين*

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : مقابلتان ومواقف هامة

نبض الحياة مقابلتان ومواقف هامة عمر حلمي الغول من التحولات الإيجابية البارزة في المشهد الأوروبي …