الرئيسية / ادب وثقافة / عبد الناصر صالح يكتب : إلى الأسير كريم يونس * ” حارس الوادي

عبد الناصر صالح يكتب : إلى الأسير كريم يونس * ” حارس الوادي

FB_IMG_1651782209933

ما كُـنْـتَهُ سَنَكونُهُ يَوْماً
 
( إلى الأسير كريم يونس * ” حارس الوادي “)
 
شعر : عبد الناصر صالح
 
كانَتْ مُطَهَّمَةً خُيولكَ
إذ تّسامى الغَيْطُ في مَلَكوتِها
والحُلْمُ طوْعُ يَدَيْكَ
آياتٌ مُعَظَّمَةُ الرّؤى
ماذا عَساكَ تقولُ في ميراثِ جَدِّكَ
سوفَ تُبْصِرُكَ النّجومُ
وتستَضيءُ بكَ الصَّحاري
– لن تَضِلَّ شِعابَها –
فانْهَضْ بما جادَتْ عليكَ الرّيحُ
قد يَصْبو إليكَ أزيزُها
واخْرُجْ إلينا من مخاضِ السّجنِ حيّاً
في رِداءِ العُمرِ
لا مِن عَوْدَةٍ للخَلفِ
لم يَرْأفْ بنا بَهْو الدُّجى والحائِطُ الصّخْريُّ
هل عُقِدَ اللّسانُ وخَرّتِ الأقلامُ ؟
هل وَصَلَتْ رسائِلُكَ العَميمةُ ؟
لم يَغِبْ في السَّهلِ ظلُّ السَّهلِ
جاءَ مُحَمّلاً بعُصارةِ الثّوّارِ
هل أبْصَرْتَ وجهكَ في عيون رفاقكَ الأسرى ؟
ما جفَّ حِبْرُكَ
– لا تُصدّقَ قوْلَهُمْ –
وامضُغْ غيابكَ علَّ ينْفَكُّ السَّوادُ عن الوِسادةِ
والنّدى يسْتَدْرِجُ الأقفالَ
يَرْتفعُ السّتارُ على حَديثِ الصّبحِ
والمفتاحُ يَشْجُبُ خَوْفَهُ في عُروةِ الأبوابِ
” وادي عارةَ ” المفتاحُ
بصْمَتُكَ النّقيّةُ في المرايا ..
مَرَّتْ على قلبي حَكايا الغائبينَ
تَئِنُّ ،
طيْفُ سحابةٍ في الشّارع المَغْدورِ
خلفَ الضّفَةِ الأُخْرى ..
فهل غَسَلَتْ يداكَ الزّرْعَ والأسماءَ ؟
بيني وبينَكَ ألفُ رابطةٍ
على وَقْعِ الرّصاصِ
تشدُّ أَزْرَ صَهيلنا
فاحمِلْ تَراتيلَ الصّلاةِ إلى القلاعِ
يَؤُمّكَ الزّيتونُ /
أشرقَ وجهُكَ المَخضوبُ
أَثْمَرَ في وجوهِ السائرينَ
إلى طريقِ الجُلْجُلَةْ ..
كَبُرَتْ أهازيجُ الطفولةِ
وازدهى نبع الهوى في الحَوْصَلَةْ ..
الجرحُ جرحُكَ أم جِراحُ أعِزَّةٍ
يَسْقونَ حقلَ القمحِ ؟
هل تُصْغي لوقْعِ الأبْجَديّةِ
– سوف أفتَتِحُ الكلامَ
ومُخْرَجاتِ الواقعِ السلبيِّ –
أيُّ سفينةٍ عَبَرَتْ
تعانِقُ – في المساءاتِ اللّذيذةِ –
نَشْوَةَ الإيقاعِ
كي تَرْقى لروحكَ أو تُؤَرِّخَ للحصادِ ؟
الوهنُ يَعْجِنُ جُرْحَنا
فاسرِجْ عُيونكَ
هل ترى ميراثَنا الوطنيَّ طَوْعَ يَديْكَ ؟
هل غطّتْ يدُ الزّنزانةِ البلْهاء وجهَكَ
في مَجاهيلِ الجهاتِ؟
فلستَ موثوقَ الحُجى ..
ما كُنْتَهُ سَنَكونُهُ حَتْماً
فهل تنسى ؟
خُلِقْتَ مُؤَمّلاً بالفَتْحِ
خلفَكَ سائرونَ إلى مواقيتِ النّهارِ
ولن تكونَ الأرضُ عاصِيَةً
فهل فاضَتْ عليكَ منابعُ الأمجادِ ؟
هل بلغَ الهِيامُ نِصابَهُ ؟
لا لم تَزُغْ عيناكَ
صَوْتُكَ لا تغيبُ الشمسُ عنهُ
ولا تُفَرّقُهُ المواجِعُ
فاستعدْ ريشَ القصيدة ِ
كي تطيرَ على بِساطِ جَناحِها
واحْكُمْ نوافِذَ من مَضَوْا عكسَ اتّجاهكَ
وارتضَوْا زَيْفَ العبارةِ
سوفَ تلْفُظُهُمْ شوارِعُنا وأطفالُ الحجارةِ
ساقَهُمْ لِجَهنّمَ التنّينُ ،
حينَ تَمَرّغوا بالوَحْلِ
وارتدّوا إلى جهةِ العدوِّ تَقودُهُمْ ديباجَةُ التّفْريط ..
فاحضُرْ مثلَ ذاكرةٍ تُفَكّكُ قيْدَها الوَهْميًّ
تَعْدو في مرايا الرّملِ /
ذاكرةٍ مُعَمّدةٍ كما ميلادِنا الآتي
على نَقْشِ الحماسةِ
– لا مَحالةَ قادمٌ –
رغمَ التَّردّدِ والخيانةِ قادمٌ
فادلُفْ إلينا من ثغورِ ربيعِنا الدّاني
يُصفّقُ في لُحاءِ الرّوحِ
واحمِلْ بِذرَةَ العشقِ المُزَنَّرِ بالنّدى الدَّوّارِ
وانْسَخْ كلَّ طقسٍ في فُصولِ الماوَرائيّاتِ
واقرأْ ما تبقّى من كِتابكَ
في مُصَلّى العِشْقِ ..
قد تنأى الحقيقةُ
والجبالُ تحاوِرُ الذّكرى ،
“ووادي عارةَ ” المَجْبولَ بالرّيْحانِ
واخرجْ من بَراثِنِ قَيْدِهِمْ
وابدأ – كما ساعي الأماكن – من حُطام الوَقْتِ
مُؤْتَزِراً بروحِ القُدسِ
تأتي مثلَ عاشقةٍ بَتولٍ
هل يُضاهي الحُلْمُ فَوْضى الجَمْرِ ؟
واستَرْسِلْ بكلِّ ضَراوَةٍ ..
فالصّورة اكتملَتْ ..
والمُرْجِفونَ الخائِنونَ الغارِقونَ بِغِيّهِمْ
لا يُشْبِهونَ قَصيدتي ..
في الليلِ يَسْتَعِرُ اللَّظى
وأغازلُ الكَلِماتِ
أسْرِقُ نبضَها من خانةِ الإبداعِ
والعمر المُبَعْثرِ بالخُطى ..
أجْتاحُ عالمَكَ المُوَشّى بالمَجازِ
أنا أميرُ الشِّعرِ ،
أدْخُلُ للقَوافي من شذى شاماتِها
مَشْفوعةً بأصابعِ الوصلِ القديمِ
أنا مَسيحُ حُروفِها الجَوّالُ
والمنفيُّ في المَعْنى
أبيعُ الحزنَ مَغْروساً بخاصِرَتي
نَزَفْتُ ، وأطفأ الحَنّونُ نُدْبيَ ..
لا هَياكلَ قد تُضيءُ
ولا صَوامِعَ تَشْتهي صُوَراً مُكَدّسةً
على شَدْوِ الكُهولةِ
تَخْتَفي شيئاً
فشيئاً ..
في نَواصي الإنتظارِ
ضَجيجُ أسئلةٍ تَحَلَّقَ في النّدى
حتى نُتوءاتِ الخريفِ
فهل سأبتكِرُ المدى مُدُناً
تسيرُ إلى الذًّرى بِنَمارِقِ الفَيْروزِ
قد تلِدُ البلادُ رَبيعَها ..
كم مرَّ عامٌ في سحابةِ عُمْرِنا
أُسْقِطْتَّ من تَقْويمهِ
فاصْدَحْ بما عُلّمْتَ للملأِ /
استعد نَفَحاتِكَ الأولى
كأنّكَ سِندبادُ غنائِنا
في خَلْوةِ المِحْرابِ
يرفعُ سُنّةَ الوقتِ الفريدةَ
هل سَتُمْعِنُ في شرارتِها ؟
بكَ تفتَحُ الرّؤيا على أرجائِها
وتعودُ ريحُ الشّرقِ يَحْدوها الأمَلْ
فَاكتُبْ على صَدْرِ الجَبَلْ
أسماءَ من رحلوا وعادوا
يملأون الأرضَ فاكهةً وقمحاً ..
واحذَرْ صَهايِنَةَ الخَليجِ ونَفْطَهُمْ
والأوسلوئيلييّنَ خلفَ البابِ
يَغْتَرفونَ من دمِنا مِدادَ كؤوسِهِمْ ..
البرُّ لكْ
والبحرُ لكْ
والمجدُ يَبْغي مَنْهَلَكْ
فاسْقِ المواسِمَ بُرْدَةً للعمرِ
صوتُكَ – في انشطارِ الرّيحِ –
يَنْمو في أصابعِ كفّها ..
أكْمِلْ صلاتَكَ مثلَ صوفيٍّ
تهيّأَ للقيامةِ
واعتَنَقْ قَبَسَ النُّبوَّةِ
حينَ يَنْتَفِضُ الشعارْ ..
قَصْرُ الخَليفةِ عارِمُ الفَتوى
مَلاذٌ خاسِرٌ للعارِ أُسْقِطَ في المزادِ
كما شياطينِ السّياسَةِ
كلُّ شَيءٍ عالِقٌ مُتَرَنِّحٌ
أو قابِلٌ للانفِجارْ ..
وانْصًبْ عيونُكَ ضِفّتيْنِ لِحُلْمِنا
علَّ القَصائِدَ تَرْتَقي لِبَهائِكَ المَحْجوبِ
في عَتْمِ الجِدارْ ..
واكمل صلاتِكَ مثلَ صوفيٍّ أمينٍ
كي ترى إضبارةَ الشّهداءِ
تلمَعُ كالطّلوعِ /
هنا يقينُكَ في طوافِ السّجنِ
يَكْتَشِفُ الخُطى
فارْجِعْ لِنَصّكَ
جَوْلَة السّردابِ طاغ

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

د. ادمون ملحم

أنطون سعادة والمشروع الحضاري

أنطون سعادة والمشروع الحضاري   كتب د ربيع  الدبس  عن «مؤسسة سعادة للثقافة» في بيروت، …