الرئيسية / الآراء والمقالات / حسان البلعاوي يكتب : الفرانكفونية بطبعتها الفلسطينية

حسان البلعاوي يكتب : الفرانكفونية بطبعتها الفلسطينية

حسانً البلعاوي

الفرانكفونية بطبعتها الفلسطينية
 
بقلم: حسان البلعاوي
 
 
 
احتفت جامعة الخليل، بالتعاون مع القنصلية الفرنسية العامة في القدس، باليوم العالمي للفرانكفونية بتنظيمها ندوة علمية دولية بعنوان “السياسة اللغوية وتدريس اللغات الأجنبية” بمشاركة اكاديميين وباحثين فلسطينيين وفرنسيين وسويسريين تناولوا بشكل مركز واقع تدريس اللغة الفرنسية في الجامعات والمدارس الفلسطينية. وكان من ضيوف الندوة سفير المغرب الجديد في فلسطين عبدالرحيم امازيان، لما يلعبه هذا البلد العربي الافريقي الناطق باللغة الفرنسية دورا رياديا في منظمة الدول الناطقة باللغة الفرنسية.
 
ان عدنا الى التعريف الذي تقدمه المنظمة الدولية للفرانكفونية والتي تأسست عام 1970، فنجد ان مصطلح “الفرانكفونية” يشير إلى الرجال والسيدات الذين يشتركون في معرفة لغة شائعة بينهم، وهي: اللغة الفرنسية ويقدر عدد الناطقين بالفرنسية بأكثر من 300 مليون شخص في خمس قارات، وتضيف المنظمة بأنها مؤسسة مكرَّسة منذ تأسيسها لتعزيز اللغة الفرنسية والتعاون السياسي والتعليمي والاقتصادي والثقافي بين البلدان الأعضاء في المنظمة والبالغ عددها 88 بلدا.
 
اما العلاقة بين فلسطين “الأرض المقدسة” وفرنسا بوصفها موطن اللغة الفرنسية، فهي علاقة معقدة جدا تختلط بها الابعاد الدينية، السياسية، الثقافية والإنسانية على مدار قرون طويلة، تعود حتى قبل وقوع الحروب الصليبية أو بمعنى أدق حروب الفرنجة على ارض فلسطين حين قدم الى فلسطين، منذ القرن الثالث ميلادي، مئات الحجاج من فرنسا وقد كتب العديد منهم كتبا عن هذه الأرض المقدسة.
 
رسميا تعود علاقة فرنسا التاريخية بفلسطين، الى عام 1535 عندما منحت الخلافة العثمانية فرنسا مكانة بخلاف بقية الأمم الأوروبية، حين عقد السلطان سليمان القانوني تحالفا مع فرانسوا الأول، ملك فرنسا، والمعاهدة هي الأولى من نوعها بين سلطان مسلم وملك مسيحي، وهي معاهدة تمنح الأخير حق حماية المسيحيين في الأرض المقدسة.
 
وجاء على الموقع الإلكتروني للقنصلية الفرنسية العامة في القدس، أنه بموجب هذه المعاهدة وما تبعتها من اتفاقيات، فإنه يحق لفرنسا رعاية الكنائس وإنشاء قنصليات لفرنسا في كل مناطق الإمبراطورية العثمانية، والصلاحية الممنوحة لفرنسا بحماية الطوائف المسيحية في الشرق، ستعزز من النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط.
 
ويضيف الموقع الإلكتروني الفرنسي، أنه عندما اندلع الخلاف بين الفرانسيسكان والأرمن حول إدارة مغارة كنيسة المهد في بيت لحم، فإن الملك لويس السادس عشر طالب بإعادة الاعتبار لدور اللاتين في إدارة الأماكن المقدسة، وقرر تعيين قنصل فرنسي في القدس ابتداء من عام 1632. وقد أصبح منصب القنصل الفرنسي في القدس بشكل دائم ابتداء من عام 1843.
 
وبناء على الدور الذي منحه العثمانيون لفرنسا كحامية للمسيحيين في الشرق، فقد حصلت على ملكية أراض بنيت عليها كنائس ومستشفيات ومدارس، وهذه الممتلكات ما زالت تتبع حتى يومنا هذا للسيادة الفرنسية، وما زال القنصل الفرنسي العام موجودا في القدس وحتى يومنا هذا، رغم أن فرنسا أصبحت جمهورية، ورغم الفصل بين السلطات الدينية وسلطات الدولة، فإنه يتم استقبال القنصل الفرنسي في كنيسة القيامة في القدس، وهناك، يتم تنصيبه قنصلا عاما وهذا يحدث فقط في فلسطين.
 
وعندما اصطدم الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، خلال زيارته للقدس في 23 تشرين الأول 1996، بقوات الاحتلال الإسرائيلي، فكان ذلك في الكنيسة الصلاحية، وهي أرض فرنسية منذ أيام العثمانيين، وعليه، أمرهم بالخروج فورا من أرض الكنيسة، وإلا قطع زيارته.
 
في هذه الزيارة التاريخية طلب الرئيس الراحل ياسر عرفات والذي كان يفتخر دائما امام ضيوفه الفرنسيين بأنه استلم في عام 1968 هدية قلادة من الجنرال شارل ديغول، طلب من ضيفه الكبير والذي كان يحب مناداته “دكتور شيراك”، انشاء مدرسة فرنسية في فلسطين، وكان يصر ان تكون خطاباته، في المؤتمرات الدولية، مترجمة الى اللغة الفرنسية وليس فقط الإنجليزية، لأنه كان يرى ان اللغة الفرنسية تمثل نافذة إضافية للشعب الفلسطيني وهو يسعى الى بناء دولته القادمة.
 
الحديث عن الفرانكفونية بطبعتها الفلسطينية يطول ولعل كتاب “مسار من باريس للقدس” للباحثين اللبناني الشهيد سمير قصير والسوري فاروق مردم بيك والصادر في جزءين باللغة الفرنسية هو أهم مرجع عن هذه العلاقات والذي يظهر ان فلسطين هي كانت الوجهة الأولى في بلدان المشرق والمغرب العربي للمسعى الاستعماري الفرنسي.
 
الفرانكفونية بطبعتها الفلسطينية يجب ان تذكر ولو بعجالة الأديب الفرنسي الكبير جان جينيه والذي زار معسكرات الفدائيين الفلسطينيين في الأردن في نهاية الستينيات ووضع عن هذه المرحلة كتابه الشهير “أسير عاشق” ولاحقا نصه المسرحي “4 ساعات في شاتيلا”، كما يجب ان تذكر المخرج الفرنسي العالمي جان لوك غودار الذي عايش أيضا الفدائيين في الأردن واخرج فيلمه الشهير “من هنا وهناك”.
 
الفرانكفونية بطبعتها الفلسطينية او الفرانكفونية الفلسطينية (طبقا لنشرة كان يصدرها في غزة فرع فلسطين للاتحاد الدولي للصحافة الفرانكفونية في 2004) تعني أيضا نشرة Fatah Info والتي كانت تصدر في بيروت عام 1968 عن اعلام حركة فتح ضمن نشرات بلغات اجنبية أخرى وكانت امتدادا لجريدة “فتح” الصادرة عن جهاز الاعلام بقيادة الشهيد القائد كمال عدوان، وكان يحرر النشرة الفرنسية الدبلوماسية القديرة العزيزة ليلى شهيد والتي لعبت لاحقا دورا هاما في تدعيم العلاقات الفلسطينية الفرانكفونية عندما كانت سفيرا لفلسطين في فرنسا وبلجيكا.
 
الفرانكفونية الفلسطينية تعيدنا الى نشرة “فدائيين” باللغة الفرنسية الصادرة عن حركة فتح في فرنسا في نهاية الستينيات وكان محرورها مناضلين عربا من المشرق والمغرب درسوا في فرنسا وتعيدنا أيضا الى مجلة “فلسطين” باللغة الفرنسية، بالإضافة الى الإنجليزية والاسبانية الصادرة عن جهاز “الاعلام الخارجي” لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ منتصف السبعينيات برئاسة الإعلامي الراحل محمود اللبدي والذي عرفه كل الاعلاميين الأجانب خلال فترة وجود الثورة الفلسطينية في لبنان.
 
أخيرا لا تستقيم الفرانكفونية الفلسطينية دون الانحناء اجلالا واكبارا لمحمود الهمشري، عز الدين القلق ونعيم خضر، سفراء منظمة التحرير الفلسطينية في باريس وبروكسيل والذين مع شهداء عرب وفلسطينيين كتبوا بدمهم لفلسطين، طبقا لجملة الشهيد الإعلامي حنا مقبل في رثاء غسان كنفاني لدى استشهاده في بيروت 1972.
 
في يوم الفرانكفونية تكتب وتتحدث فلسطين العربية بالفرنسية وكل لغات العالم المتاحة مسعاها في تحقيق الكلمات الثلاث لشعار الثورة الفرنسية: أخوة، مساواة وحرية.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : 200 يوم من العدوان : حرب الإبادة الإسرائيلية تتواصل

200 يوم من العدوان : حرب الإبادة الإسرائيلية تتواصل بقلم  :  سري  القدوة الخميس 25 …