الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور يكتب : المخاوف العسكرية لإسرائيل جراء استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية

د. مونتجمري حور يكتب : المخاوف العسكرية لإسرائيل جراء استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية

مونتجمري حور

المخاوف العسكرية لإسرائيل جراء استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية
كتب: د. مونتجمري حور
يتواصل الانخراط الإسرائيلي المتزايد في الأزمة الأوكرانية الروسية، وسط تحركات من كبار قادتها في المستوى السياسي خشيةً على مصالح تل أبيب في منطقة الشرق الأوسط من ناحية، ومع القوتين العظمتين من ناحية أخرى. تناولنا في المقال السابق المكاسب التي حققتها تل أبيب من هذه الحرب، ويأت هذا المقال ليركز على المخاوف الإسرائيلية العسكرية فقط دون غيرها والتي ستنعكس على منطقة الشرق الأوسط وتؤرق تل أبيب، وذلك بوضع الدول الثلاثة ذات النوايا التوسعية في منطقة الشرق الأوسط متقابلة، وهي إيران وإسرائيل وتركيا لاستخلاص السيناريوهات المتوقعة والمخاوف الإسرائيلية الناجمة عنها.
هناك جهود إسرائيلية واستنفار في صفوف الدبلوماسيين الإسرائيليين لتنفيذ مهام دبلوماسية جسام ترافقها ضغوط ثقال، منها جهود تبذل للحيلولة دون انفجار الصراع المسلح بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لأن هذا من شأنه أن يجبر تل أبيب باتخاذ موقف واضح، وبين سعي هنا وهناك، باتت تل أبيب تنظر بقلق شديد إلى الانعكاسات السلبية التي ستحدثها تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط التي بدأت تطفو إلى السطح وتزيد حدتها يوماً بعد يوم، ومن أبرز أسباب ظهورها هي المساعي التي تتخذها دول منطقة الشرق الأوسط للاستفادة من الصراع في أوكرانيا، ويتجهّز بعضها لتمرير مبادرات بعينها، أو فرض لغة القوة في المقابل على غرار الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا. ينطلق الجميع في دراساته وتحليلاته للصراع الدائر على أنه صراع بين قوتين عظمتين وأنهما عاملين ثابتين، وهذا صحيح، ولكن دعونا نجري في هذا المقال العكس تماماً بالتعامل مع دول الشرق الأوسط كعامل متغير ثابت، وأن القوى الدولية المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا هي المتغيرات الخارجية الدخيلة التي تؤثر على دول الشرق الأوسط، وبذلك يمكننا تحديد التحديات العسكرية التي ستواجهها دول الشرق الأوسط، وسيكون التركيز على المخاوف الإسرائيلية على الصعيد العسكري إجراء قصدي لوضع القضايا في نصابها وقراءة ما هو قادم.
التدابير العسكرية المتوقعة:
أولاً، ردات الفعل العسكرية المحتملة لإيران:
القضية الإيرانية وتأييدها من عدمه كانت ولا تزال قضية خلافية شائكة قسمت موقفنا العربي عامةً، والفلسطيني خاصةً، وهي من أهم القضايا التي يجب علينا كعرب، وكفلسطينيين تحديداً، أن نستكشفها لنحدد مدى صدقها وصدق موقفها وأهدافها من عدمها، وأن نجمع على رأي واحد صوبها. المتابع للأحداث يرى بأم عينه أن للتهديدات الإيرانية الحقيقية المعادية لدولنا العربية ولعمقنا الإستراتيجي العربي من جهة، وللتهديدات الناجمة عن مشاريع الطاقة في منطقتنا من جهة أخرى، الأثر الأكبر في إحراز إسرائيل اندماجاً في وسطنا العربي دون أن تدفع حتى أي ثمن سياسي يذكر لنا كفلسطينيين، وأصبحت إيران الشماعة التي تعلّق عليها دولنا العربية خطاياها بحقنا. من أبرز السيناريوهات القادمة هي إطلاق إيران حروباً مباشرة وأخرى بالوكالة، ففي خضم تطورات الأحداث الدولية وعدم ثبات التحالفات الحالية واحتمالية عقد تحالفات جديدة، قد تسعى إيران إلى فتح عدة جبهات قتالية مباشرة أو بالوكالة تستهدف فيها المملكة البحرينية ودولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية وإسرائيل.
لن تتواجه إسرائيل وإيران في حرب مباشرة بينهما، والمرجح أن تتسيّد حروب الوكالة الموقف بأشكال مختلفة. تركز الإجراءات والتدابير العسكرية التي تعد لها معظم الأطراف على سيناريو استهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية للملكة البحرينية استهدافاً مباشراً، مما يشير إلى أن المعركة الإيرانية-الإسرائيلية ستندلع على الأراضي البحرينية، في حين ستعتمد إيران على أتبعاها وحلفائها في المنطقة لشن حرب بالوكالة ضد إسرائيل والسعودية والإمارات، وهذا قد يفسر جزءاً من أهداف الزيارات المكوكية التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي غانتس لدول عديدة في المنطقة. قد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال مفاده: لم سيقتصر الاستهداف الإيراني المباشر على الملكة البحرينية، وستكون باقي الجبهات بالوكالة؟
من البديهي أن إيران لن ترغب في تشتت جهدها العسكري بفتح عدة جبهات قتالية مباشرة، وأنها هي الأخرى ترتب أولياتها العسكرية وفق درجة خطورة التهديد وموقعه، ومن المرجح أن يقع اختيارها على المملكة البحرينية بحجة الاتفاق العسكري الذي وقعه وزير الدفاع الإسرائيلي غانتس مع المسئولين في المنامة والذي جاء بعد اتفاقيات التطبيع التي أقامتها إسرائيل مع دول عربية العام المنصرم. نجم عن هذا الاتفاق العسكري تعزيز إسرائيل لقاعدة بحرية بحرينية في خطوة ترى فيها إيران أنها تعطي إسرائيل موطئ قدم غير مسبوق في المنطقة وعلى بعد أقل من 200 كيلو متر عن سواحلها الغربية، مع العلم أن هذه القاعدة مدعومة من الأسطول البحري الأمريكي الخامس المتواجد في تلك المنطقة. تجدر الإشارة إلى تدريبات دولية وصفت بالأكبر في المنطقة احتضنتها منطقة البحر الأحمر والمياه الإقليمية لمملكة البحرين جرت قبل أيام قليلة، تحديداً أواخر فبراير الماضي لعام 2022، بقيادة الأسطول الخامس الأمريكي، لإيصال رسالة من مختلف الأطراف رسالة واضحة لإيران، وسبق ذلك تزويد إسرائيل لتلك القاعدة البحرية بزوارق حربية إسرائيلية بدون ربان على غرار الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى أسلحة وقطع بحرية إسرائيلية متطورة أخرى. كما تجدر الإشارة أيضاً هنا على عجالة إلى أن إسرائيل تنفرد في صناعة هذا النوع من الزوارق الحربية كجزء من التقدم التكنولوجي الذي حققته تل أبيب، وهذا موضوع له تشعبات مهمة أخرى وهو ليس موضوعنا الرئيس هنا. أما فيما يتعلق بحروب الوكالة، ستعتمد إيران على حزب الله اللبناني ليدخل في جولة قتالية مع إسرائيل وقد تلتحق بها حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وفي الوقت ذاته، ستطلق يد الحوثيين لتوجيه ضربات مؤثرة ضد دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية.
ثانياً، استغلال تركيا للمرحلة لإنهاء القضية التركية-الكردية:
ترى إسرائيل في تركيا أنها منافس حقيقي لها وأن لها طموحاً توسعياً في منطقة الشرق الأوسط هي الأخرى، وتدرك أيضا قدرة السياسية الخارجية التركية على الجمع بين المتناقضات السياسية، فباتت إسرائيل تخشى استغلال أنقرة لحالة خلط الأوراق وعدم ثبوت المتغيرات السياسية على الساحة الدولية لإيجاد حلول لخلافاتها مع الأكراد وأن تأتي هذه الخطوة على حساب إسرائيل باستغلال تركيا الساحة السورية للعب سراً من تحت الطاولة على النقيضين المتصارعين؛ تارةً مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتارة أخرى مع روسيا. تجدر الإشارة إلى أن تركيا هي الأخرى انضمت إلى سائر دول الشرق الأوسط، باستثناء سوريا، في عدم تبنيها موقف واضح تماماً، فنجدها تدعم أوكرانيا بطائرات بدون طيار من جانب، وتقوم بشراء أنظمة الدفاع الروسيةS-400 من جانب آخر، وتعرض وساطة بين الروس والأوكرانيين، وأن لها يد في المحادثات التي درات في بلاروسيا.
 
ثالثاً، الانسحاب الأمريكي المتوقع من الساحة السورية:
يسبب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية الاضطراري المتوقع لقواتها العاملة في شرق سوريا قلقاً كبيراً في الأوساط الإسرائيلية، وإسرائيل على دراية بأن هذا الإجراء الأمريكي يأتي على سلم الأوليات الأمريكية التي ستتخذها واشنطن في حالتين هما: أولا، اذا استشعرت واشنطن أي تصاعد للتوترات مع الصين، وثانياً، إذا شعرت بعجز في قدرتها على الإيفاء بوعودها لتأمين دول حلف شمال الأطلسي، عندها لن تترد لحظة في سحب قواتها فوراً من مناطق شرق سوريا ومنطقة التنف. في سياق متصل، أطلق وزير الخارجية الإسرائيلي لابيد تصريحات تهكم فيها بأن إسرائيل باتت تشعر بأنها إحدى دول البلطيق، أو على الأقل أنها باتت جارةً لروسيا في إشارة الى التواجد الروسي في سوريا.
 
رابعاً، روسيا قادرة على قلب موازين القوى في الشرق الأوسط:
لو دققنا في التحالفات الإسرائيلية الحقيقية، نجد أن إسرائيل تنظر للولايات المتحدة الأمريكية على أنها الحليف الإستراتيجي الذي صدقها القول والفعل لعقود طويلة بتقديمها دعماً سياسياً ومالياً بل وعسكرياً لها، والزيارة السرية الأخيرة التي جرت حديثاً في 2 مارس 2022 لمسئول أمريكي بحجم الجنرال الأمريكي كينيث ماكنزي وهو قائد القيادة المركزية الأميركية تظهر استمرار العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وحجم التنسيق العسكري بينهما، لكن في المقابل إسرائيل قلقة جدياً من البرنامج النووي الإيراني والخطوط الحمراء المختلفة المرتبطة به، وتسود حالة من الإحباط في الأوساط الإسرائيلية جراء الموقف الأمريكي تجاه إيران وبرنامجها النووي مؤخراً. من زاوية أخرى، لو نظرنا إلى روسيا كمتغير دخيل مؤثر على العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية الثابتة، سنجد باقتضاب شديد أن بإمكان موسكو أن تتسبب بزلزال مفاجئ لكل ما بنته تل أبيب والولايات المتحدة الأمريكية طيلة السنوات السابقة لضمان التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وإسرائيل متيقنة أن موسكو ستستخدم ورقة الضغط الإيرانية لإحداث انقلاب فوري في موازين القوى في الشرق الأوسط بجعل إيران صاحبة اليد العليا في منطقة الشرق الأوسط ، إذا شعرت أن حربها على أوكرانيا ستؤدي بها إلى عزلة كاملة وحقيقية لموسكو، ما يدفعها لتعاون علني وآخر مخفي مع موسكو. بالنسبة لروسيا، هي ترى في إيران وإسرائيل ورقتين قويتين للعب فيهما كيفما ومتى شاءت وتضع كليهما تحت ضغوط حقيقية وتستثمر قضاياهما الجوهرية بما يتناسب مع طبيعة مصالحها. على صعيد العلاقة مع إسرائيل، تلوّح روسيا بقدرتها على دعم برنامج النووي وتزويدها بأسلحة متطورة، الأمر الذي يكفل إحداث انقلاب فوري في موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط كما أسلفت، كما يمكنها منع سلاح الجو الإسرائيلي من توجيه أي ضربات لأي هدف له أو منعه حتى من مجرد استخدام الأجواء السورية، الأمر الذي يساهم فعلياً في تشكل قوة على الأراضي السرية على غرار حزب الله اللبناني في لبنان مما يزيد من التهديدات والتعقيدات تجاه الحالة الأمنية لإسرائيل.
 
لو دققنا النظر في الجوانب العسكرية منفصلةً، قد نخلص بسبب رئيس من الأسباب التي دفعت تل أبيب لانتهاج سياسة جديدة في تعاملها مع معظم دول الشرق الأوسط، باستثنائنا كفلسطينيين، ويبدو أنها انتبهت منذ مدة طويلة لسنة التدافع الكونية التي ستشهد فيها ماما أمريكا تراجعاً حقيقياً، فحوّلت سياستها الخارجية من سياسة تهديد ووعيد وغطرسة إلى سياسة البحث عن نقاط التقاء مصالح تجمعها بمعظم دول الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تكون قد نجحت في تجهيز نفسها لهذه المرحلة. على أية حال، الأيام القادمة مهمة ببساطة لأنها ستكون كاشفة للقضايا الرئيسة وللحقائق المنبثقة عنها على مرأى ومسمع جميع الأطراف، بمن فيهم نحن كفلسطينيين، والأهم من ذلك أنها ستجيب على أسئلة مصيرية تتعلق مثلاً بقدرة إسرائيل من عدمها على العمل باستقلالية أعلى من ذي قبل بعيداً عن الدول العظمى، وستظهر مدى قدرتها في التأثير على دول الجوار. مرحلة مثيرة سيتبين فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وعلينا كفلسطينيين ألا نتعجل الحكم على أي قضية فحقائق كثيرة في انتظارنا، وأشدد ثانيةً أن علينا أن نؤهل أنفسنا من الآن أن لا قداسة سياسية لأي ملف سياسي. والسؤال المطروح الآن: من هي الدولة التي ستصعد كقوة رائدة للشرق الأوسط؟
 
montgomeryhowwar@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

د. ادمون ملحم

د. ادمون ملحم يكتب : الواجب القومي

الواجب القومي د. ادمون ملحم رئيس الندوة الثقافية المركزية “الواجب” هو فعل إلزامي أخلاقي يقوم …