الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور : انعكاسات تصارع قادة فلسطينيين على السلطة ومراكز القرار على الحياة السياسية

د. مونتجمري حور : انعكاسات تصارع قادة فلسطينيين على السلطة ومراكز القرار على الحياة السياسية

مونتجمري حور

انعكاسات تصارع قادة فلسطينيين على السلطة ومراكز القرار على الحياة السياسية

كتب: د. مونتجمري حور

مر مجتمعنا الفلسطيني بتغيرات كبيرة أوصلتنا إلى حالة تشرذم غير مسبوق تلاها تشكيلات داخل التنظيم الواحد وظهرت علينا هويات متباينة وتشكل لدينا بناء مجتمعي مقسم؛ أبناء الداخل وأبناء الخارج وفتحاوي وحمساوي وجبهاوي وجهادي وهنا حدث ولا حرج. جراء هذه الأمراض المجتمعية (التشرذم والانقسامات)، بدأت تظهر لنا آراء متناحرة أوقعتنا في الانقسامات والانقلاب والقتال والدم دون عودة إلى أي حاضنة فلسطينية جامعة كالهوية الوطنية أو القانون أو الدولة نفسها. يلقي هذا المقال الضوء على صراعات حقيقية بين قيادات فلسطينية وازنة ومؤثرة على السلطة ومراكز النفوذ، ويكشف انعكاساتها على حركة فتح، والفصائل الفلسطينية بما فيها حركة حماس، ومنظمة التحرير الفلسطينية.

أولاً، انعكاسات هذا التصارع على حركة فتح:

تتنافس قيادات وازنة داخل حركة فتح والسلطة الفلسطينية قيادة السلطة الفلسطينية ومراكز صنع القرار بتوسيع نفوذها في المدن والمخيمات الفلسطينية. أدى هذا التنافس بطبيعة الحال إلى عدة أمور لا يمكن السكوت عليها، منها خروج مظاهرات في جينين تندد بالسلطة الفلسطينية وقام بعض المشاركين بإطلاق الرصاص، والأمر الآخر يتمثل في قرارات فصل جائرة وانشقاقات غير مبررة داخل حركة فتح مما أدى إلى ظهور تيارات وتحالفات بات لها تأثيرها كالتيار الإصلاحي الديمقراطي الذي يترأسه عضو المجلس التشريعي محمد دحلان، وتحالفات أخرى تتبع للأسير المناضل مروان البرغوثي والدكتور ناصر القدوة، ولا يخفى على أحد أن هذه الخلافات والانشقاقات وصلت إلى المخيمات الفلسطينية في الخارج كمخيمات اللاجئين في سوريا ولبنان.

برصد نطاق نفوذ مختلف الشخصيات المتصارعة والتي قد يتجاوز عددها الستة أشخاص، ثبت لدينا بالدليل القاطع توزع نقاط قوتهم ونفوذهم في الداخل والخارج، فالقائد فلان الذي يحظى بدعم قوي في مدينة الخليل، على سبيل المثال لا الحصر، يفتقد لأي نفوذ في قطاع غزة أو في شمال ووسط الضفة الغربية. ومن لديه نفوذاً في مخيم الدهيشة، يكاد يتلاشى نفوذه في رام الله وجنين ونابلس، ومن لديه قوة ونفوذ حقيقيين في نابلس ومخيم بلاطة، نجده ضعيفاً في باقي المناطق دون أي نفوذ يذكر، ومن هم متنفذون الآن في مناصب متقدمة في السلطة الفلسطينية نجدهم يفتقدون لأي قوة في معظم المخيمات والمدن الفلسطينية، فضلاً عن البعد العشائري المتبع في الدعم والتأييد لهذا القائد أو ذاك. فما الحل لتشتت تأثير هذه الطاقات؟!

ثانياً، انعكاسات هذا التصارع على حركة حماس

تنظر حركة حماس إلى حالة التصارع وتسوق لها على أنها جزء من “فساد” منظومة السلطة الفلسطينية وبعض قيادات حركة فتح، والمرجح أنها ستسعى قريباً لعقد تحالفات مع أطراف أخرى لزعزعة شرعية القرارات التي تصدر على أي مؤسسة لا تشارك فيها حركة حماس. فتح التصارع داخل حركة فتح شهية حركة حماس أكثر لقيادة الشعب الفلسطيني وهذا يعني أن لا حديث عن مصالحة حقيقية بين حركتي فتح وحماس دون عودة حركة فتح للعمل بكامل طاقاتها وقياداتها وأبنائها. وتجدر الإشارة أن هذه البيئة غير الصحية ستساهم بصورة مباشرة وأخرى غير مباشرة في تثبيت نظرة الأطراف الدولية إلى حركة حماس أنها تنفرد في تمثيل قطاع غزة تمثيلاً فعلياً ورسمياً. بكلمات أخرى، يمكنا القول أن التشرذم الفتحاوي-الفتحاوي انعكس سلباً على العلاقات الوطنية الفلسطينية برمتها.

ثالثاً، انعكاسات هذا التصارع على باقي الفصائل الفلسطينية:

وحدة حركة فتح أمر مهم وله تداعيات على المستوى السياسي لأن انقسامات فتح تحدث فجوات خطيرة، ولسدها ندفع كشعب وكقضية أثماناً باهظة، فغالباً ما يتم سد هذه الفجوات باتباع سياسة إرضاء بعض الفصائل الفلسطينية التي يمكنا القول لا وجود فعلي وحقيقي لها على الأرض. لكي لا يتم اتهام حركة فتح بالتفرد بالسلطة والقرار، نتبع سياسة إرضاء فصيل هنا أو فصيل هناك وفي المقابل ندفع فاتورة باهظة نظير هذه الخدمة فغالباً ما يطلب هذا الفصيل قبول ترشيح شخصية أو شخصيات منه لشغل مناصب متقدمة ومؤثرة، ونحن كشعب وكأصحاب قضية نتحمل أعباء جمة نتيجة لهذا الإجراء الخاطئ، منها دخول شخصيات غالياً لا تكن مؤهلة ومن يدخل عالمنا السياسي يقضي عشرين إلى ثلاثين سنة في منصبه وعلينا تحمله. 

رابعاً، انعكاسات هذا الصراع على منظمة التحرير الفلسطينية

لا يخفى على أحد انقسامات المجتمع الفلسطيني وبتنا نرى منظمة التحرير الفلسطينية مؤسسة مهمشة فهناك تداخل للأدوار بين منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية، ويعي الجميع أن السلطة الفلسطينية جارت في قراراتها على دور منظمة التحرير الفلسطينية وأن هناك خلط كبير للأوراق. يأتي التصارع بين الشخصيات الفلسطينية الوازنة ليعزز هذه الانقسامات الفلسطينية-الفلسطينية ويؤجل النظر في إعادة بناء المنظمة ولملمة الجراح الفلسطينية وصولاً لحالة التوافق الوطني.

خامساً، انعكاسات هذا التصارع على قوة الدبلوماسية الفلسطينية

تنعكس حالة الصراع والتشرذم القائمة سلبياً حيث تتسبب في تشتيت الجهود الدبلوماسية وتحدث خللاً في أولويات القضايا ومعالجاتها كما تساهم بطريقة أو بأخرى في تأجيل العمل على قضايا دبلوماسية أساسية وجد الجميع لخدمتها وهذا يشمل كل ملفات القضية الفلسطينية الثقال. علينا العمل على فتح ملفات ثقال كثيرة بدلاً من التصارع على مراكز القوى وعلينا البحث في حلول وطنية وخلاقة لتوحيد الجهود والعودة للساحة الدولية بقوة.

نقول للأخوة المختلفين، نتمنى عليكم بدل الصراع والتناحر، أن تكونوا على قدر من الأمانة والمسؤولية وأن تجنبونا سياسة إرضاء بعض الفصائل المهمشة باهظ الثمن، وأن تؤثروا حمل الأمانة والقضية فوق أكتافكم على تبني سياسة الاحتكام إلى لغة الكلاشينكوف القادمة، ففي وحدتكم حقناً للدماء ورفعة لقضيتنا الفلسطينية ومكانتها وهيبتها. لسان حال أبناء حركة فتح الغيورين على حركتهم العملاقة يرون ضرورة إنهاء هذه المهزلة لما لحركة فتح من تأثير مباشر وغير مباشر على القضية الفلسطينية برمتها. أوصلت هذه المهزلة حركة فتح ومعها السلطة الفلسطينية لمرحلة تعمل فيها بطاقة منقوصة ومجتزأة ومشتتة، وما نحذر منه هو اقترابنا للاحتكام للغة الكلاشينكوف في مرحلة قريبة قادمة. علينا أن نخضع جميعاً إلى اللوائح والنظم سريعاً داخل حركة فتح، ولو ساد القانون أصلاً لما حدثت هذه الانقسامات.

وفي الختام، نقول أن وحدة حركة فتح هي الخطوة العملية الأولى تجاه تدشين علاقات وطنية رصينة قائمة على تكامل الأدوار وسنصل حتماً إلى شحذ همم الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وألوانه وطاقاته ونستعيد وحدته. حركة فتح ليست ملكية فردية، بل مظلة جماهيرية وهي أمانة في أعناقكم. علينا جميعاً العمل للحفاظ على الإرث والتاريخ والمستقبل المشرفين التي أسست لهم هذه الحركة العملاقة، وعليه أدعو صراحةً إلى إنهاء حالة الصراع والتشرذم القائمة بوحدة حركة فتح بالدعوة إلى عقد مؤتمر حركي على أساس جامع على قاعدة لا غالب ولا مغلوب وبالتزام الجميع باللوائح والقوانين بإغلاق كافة الأطر والدكاكين التي أسس ويؤسس لها البعض. لو وفرنا النوايا الحسنة، حتماً سنجد حلولاً خلاقة. في وحدتكم، نرى قيادةً قوية ومتكاملة قادرة على قيادة الدفة وسنجمع عليها ونلتف حولها، وفي تفرقكم نرى أفراداً عاديين بل أفراداً عاجزين تغلب عليهم المصلحة والأنانية.

montgomeryhowwar@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : حكومة الاحتلال فوق القانون الدولي

حكومة الاحتلال فوق القانون الدولي بقلم  :  سري  القدوة الأربعاء 24 نيسان / أبريل 2024. …