الرئيسية / الآراء والمقالات / عائد زقوت : المُعادلة الصّفرية في الشّرق الأوسط

عائد زقوت : المُعادلة الصّفرية في الشّرق الأوسط

عائد زقوت

المُعادلة الصّفرية في الشّرق الأوسط

عائد زقوت 

شهدت العشريّة الثانية لهذه الألفيّة متغيرات متسارعة بلغت ذروتها بفشل حركات الإسلام السياسي في المحافظة على بقائها في سدة الحكم بعد إعصار الفوضى الأميركية الخلاقة التي عمت المنطقة، وكذلك التغول الإيراني على السيادة العربية، فكان من نتائجها سقوط بعضًا من الدّول في أتون الحرب الأهليّة، وانكشاف المسار الأميركي في المنطقة بعد تخلّيه عن حلفائه، فمهّدت هذه المتغيرات الطريق لتغيير معادلة التحالفات السياسيّة والاقتصاديّة في منطقة الشّرق الأوسط، وقد ظهر هذا التحول جَليًّا في اتفاقيّات التطبيع الخليجيّة ودولة الكيان الصهيوني، حيث فاقت مظاهر التطبيع خلال عام وَنيف في كافة المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والأمنية والعسكرية والثقافية ما تمّ انجازه في اتفاقيّات السلام المصرية خلال أربعة عقود ويزيد، ولكنَّ اللّافت في دفء علاقة التطبيع الخليجي مع دولة الاحتلال لم يكن مظاهر الحفاوة والاستقبال لكبار المسؤولين في دولة الاحتلال والتي كان آخرها زيارة الرئيس الصهيوني لدولة الإمارات، وإنمّا كان في تلك التغريدة التي أطلَقها سموّ الأمير محمد بن زايد وليّ عهد أبو ظبي، والتي عبّر فيها عن توافق وجهة النظر المشتركة بين الدولتين فيما يتعلّق بالتهديدات التي يتعرّض لها استقرار المنطقة والسلام، في إشارةٍ منْه إلى الدّوْر الإيراني المساند والداعم لمليشيا الحوثي التي استهدفت الإمارات غداة الزيارة، فهذه التصريحات تشير بكل وضوح إلى اتّفاق الموقف الخليجي والذي عبّرت عنه الإمارات، مع الموقف الإسرائيلي على اعتبار أن إيران هي العدوّ الأول لكلٍّ منهما مع اختلاف المبرّرات والمعطيات التي دفعت الطرفين لهذا التوافق، فَبِخصوص الدّول العربيّة وعلى رأسها دول الخليج لم ترَ من إيران منذ ثورتها عام 1979 سوى التدخّلات في شؤونها وزعزعة استقرارها، والعبث بأمنها، حيث دلّلت إيران على ذلك من خلال التصريحات المباشرة عن طموحها في استعادة إمبراطوريتها من أفغانستان مرورًا بالعراق ودول الخليج العربي وانتهاءً بسوريا ولبنان، ولم تكتفِ إيران بذلك، بل عزّزت هذا الموقف بتصريحاتها على لسان مسؤوليها من الدرجة الأولى أنّها أصبحت تملك القرار في أربع دول عربية مشيرة إلى العراق وسوريا واليمن ولبنان، ثم أردفت ذلك بأنّها تملك جيوشًا ستة في المنطقة العربية في الإشارة إلى حركتيْ حماس والجهاد الإسلامي، علاوةً على الدول الأربع آنفة الذكر، وفي هذا السياق أرسلت حركتيْ حماس والجهاد الإسلامي إشارات تؤكد على تبنّي الرؤية الإيرانية للصراع في اليمن من خلال تصريحات عضو المكتب السياسي لحركة حماس على فضائيّة الميادين، والذي اعتبر فيه التدخّل السعودي والإماراتي في اليمن عدوان يجب ردّه ومقاومته، ولم يتم نفي تلك التصريحات سوى بكلمات خجولة من حركة حماس تؤكّد فيها على النّأي بنفسها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وفي ذات الوقت سيّرت حركة الجهاد الإسلامي تَظاهُرة كان عنوانها السّب والقذف لدولتيْ السعودية والإمارات، ورموزهما وحكّامهما، وهذا يعني إعلانهما عمليًّا وفعليًّا أنهما تموْضعا في صفّ إيران مما سيؤدي إلى مزيد من العزلة والحصار للشعب الفلسطيني، و الأخطر من ذلك أنَّها تؤسس لنزاع وانقسام جديد داخل غزة يمس السلم المجتمعي، وخلاصة الأمر أنَّ إيران لم تترك مساحة للدول العربية للثّقة فيها، ممّا دفع الدول العربية وخصوصًا الخليجيّة للبحث عن حلفاء للوقوف في وجه الطموحات الإيرانية، أمّا عن المبرّرات والدوافع الصهيونية للسير قدمًا نحو التطبيع مع الخليج العربي، فهو أولًا يأتي في سياق تحقيق حلمهم في دولة إسرائيل الكبرى المزعومة، وثانيًا إعمالًا لمبدأ فرّق تسُد، فاستغلّت الخلافات العربيّة العربية، والعربيّة الإيرانيّة، وغيابِ الرّؤى المشتركة بينهما، فأجّجت أطماع إيران من جهة وجعلت منها شُرطيًّا وتهديدًا قائمًا على رؤوس العرب، ثم تحالفت مع العرب للتخلص من التهديدات الإيرانية، وفي نهاية المطاف وبعد هذه البسطة فإنَّ الدول العربية وإيران تموْضَعا في المكان الخطأ، وانسحب هذا على أنصارهم ومؤيِّديهم، فانقسمت الشعوب إلى فُسطاطَيْن، واختلطت المفاهيم، وتبدّلت الأخلاق، فاختلفوا على العدوّ وليس معه، وأضْحَت الفوضى هدفًا منشودًا، وحلّت الفرقة والعداوة والاقتتال بديلًا عن الألفة والاتحاد والتعايش، والنكران والجحود بدلًا من الوفاء، وأصبح الصديق عدوًّا والعدو صديقًا، وكأنَّنا نعيش في شريعة الغاب، إنَّ استمرار المعادلة الصفرية كناظم للعلاقات في المنطقة يعني المزيد من الخسائر لأنَّ المقدار الذي ستستحوذ عليه إيران هو ذاته الذي سيخسره العرب، والعكس صحيح، وفي المحصلة سيخسر الطرفان وسيمكنان الاحتلال الصهيوني من بسط نفوذه على المنطقة بأسرها، وكذلك استمرار الدور الاستعمالي الذي تقوم به بعض الأطراف سواءً كانت دولًا أو أحزابًا أوفصائل وحركات، سيؤدي إلى استمرار دائرة الصراع، وسيجعل المنطقة مسرحًا للاصطفاف المذهبي والطائفي الذي سيسري في المنطقة كالنَّار في الهشيم، وسيكون أول من يدفع ثمنه تلك الدول والأحزاب الاستعمالية، لذا يجب على إيران أن تعيد حساباتها، وتتوقف عن سياساتها الثيوقراطية، والبحث عن أصول الإختلاف وتعزيزها، وعليها أن تدرك أنَّ المذهب يمثل الطريق إلى الله، وليس هو الحق نفسه.

 

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سليم الوادية

اللواء سليم الوادية يكتب : مسيلمه الكذاب ونتنياهو الاكذب ،،

ياسامعين الصوت ،، بقلم  اللواء سليم الوادية  مسيلمه الكذاب ونتنياهو الاكذب ،، زمن الرسول محمد …