الرئيسية / الآراء والمقالات / د.سالم سرية يكتب : العرب المسيحيون حضور وحضارة-الجزء الثاني-

د.سالم سرية يكتب : العرب المسيحيون حضور وحضارة-الجزء الثاني-

د.سالم سرية  :اكاديمي وكاتب (فلسطين)
د.سالم سرية :اكاديمي وكاتب (فلسطين)

 
العرب المسيحيون حضور وحضارة-الجزء الثاني-
د.سالم سرية :اكاديمي وكاتب (فلسطين)
نتابع ادناه تكملة الجزء الاول :
خامسا : كان للأطباء المسيحيين العرب تأثيرا في الطب العربي وفي تاريخ   الدولة الإسلامية .حيث ان
أول مستشفى لدراسة الطب في الدولة الإسلامية كان مستشفى بختيشوع ، الذي أسسه ، في بغداد إبان القرن الثامن ، الأطباء المسيحيون الذين كانوا منذ زمن طويل قائمين على إدارة المستشفى الشهير في جنديسابور . وكانت أول عملية تشريح أجريت في العالم الإسلامي هي التي أجراها في عام 836م ، السرياني يوحنا بن ماسويه طبيب المعتصم . ومن الأطباء المسيحيين العرب قبل الإسلام وأشرهم على الإطلاق الحارث بن كلدة الثقيف المعروف ” بـ طبيب العرب ” توفي سنة ( 635 م ) ( 13 للهجرة ) أصله من ثقيف من الطائف.  ،و من الأطباء في الدولة الأموية ، أشهرهم هم : ابن أثال الذي ذكره ابن أصيبعة وأبو الحكم ، فانه ” كان طبيبا نصرانيا ، عالما بأنواع العلاج والأدوية ، وله أعمال مذكورة وصفات مشهورة . وكان يستطبّه معاوية ابن أبي سفيان ( 661 – 68. م ) ويعتمد عليه في تركيبات أدوية لأغراض قصدها منه ثم تبعه ابنه الحكم الدمشقي في المهنة ، وخلف ابنا ، عرف بأبي الحسن عيسى ، وهو المشهور بمسيح ، صاحب الكنّاس الكبير الذي يعرف به وينسب إليه ” وكان في خدمة هارون الرشيد ( 7886 – 8.9 م ) . ومن الأطباء المشهورين في الدولة العباسية على الإطلاق : جورجس بن جبرئيل ، يقول ابن أبي أصيبة : ” كانت له خبرة بصناعة الطب ومعرفة بالمداواة وأنواع العلاج  ومن اكثر الأطباء الذين ألفوا كتبا.( 61 كتابا ) : قسطا بن لوقا . أن قسطا كان بارعا في علوم كثيرة ، منها الطب والفلسفة والهندسة والإعداد والموسيقى .. ، فصيحا في اللغة اليونانية ، جيد العبارة بالعربية ، توفي بأرمينيا نحو السنة 113 هـ \ 923 م وكان مولده في بعلبك .
سادسا :لعب المسيحيون العرب دورًا رائدًا في النهضة الثقافية العربية، فكانوا أول من أدخل المطبعة إلى البلدان العربية مطبعة دير قزحيا في لبنان ثم مطبعة حلب عام 1706، وساعدوا منذ منتصف القرن التاسع عشر على نشر التعليم وتأسيس المدارس العربية، فافتتحت  الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1866 وجامعة القديس يوسف عام 1875 مما أدى إلى انتعاش الحركة الفكرية، وقد خرَّجت المدارس المسيحية عددًا وافرًا من أعلام العربية في تلك المرحلة،  وقد أسهم المسيحيون في إحياء التراث والأدب العربي، وكان من أبرز أعلام الأدب جبران خليل جبران  وميخائيل نعيمة ومي زيادة. وقد وصف اللغوي الكبير د. عبد الله العلايلي هذه الكوكبة من اللغويين المسيحيين العرب-  فارس الشدياق  والاب انستاس الكرملي  وناصيف اليازجي وابنه إبراهيم اليازجي وبطرس البستاني  بالقول “(إنهم العُمُد الجدد للغة العربية، بهم تزهو ويزهون بها. وقد خدموها بكل ما أوتوا من طاقة بحث وتفتيش في جمع المادة وترتيبها، وشرح المعانى وتفنيدها، وفي المحصّلة تقديم روافعها تقديماً وافياً ومتجدّدا )اضافة الى امين الريحاني وشفيق معلوف وإلياس فرحات، ومن الشعراء والمؤرخين برز إيليا أبو ماضي وخليل مطران   ونعمة الله الحاج وعيسى إسكندر وصليبا الدويهي ورشيد سليم الخوري وغيرهم. وبرز في الصحافة جرجي زيدان مؤسس مجلة الهلال عام 1892، ويعقوب الصروف مؤسس صحيفة المقطم، وسليم العنجوي مؤسس «مرآة الشرق»، وإسكندر شلهوب مؤسس مجلة السلطنة عام 1897، وسليم تقلا وشقيقه بشارة تقلا مؤسسا جريدة الأهرام. كما لعب كل – أول من ابتدأ بمشروع دائرة معارف باللغة العربية – دورًا في إعادة استخدام اللغة الفصحى بين العرب في القرن التاسع عشر. أما على صعيد المسرح فقد كان للمسيحيين دور متألق مع مارون عبود ومارون النقاش اللذين ساهما في تأسيس الحركة المسرحية في مصر.
سابعا:   وفي الجانب السياسي برز اعلام كبار مثل ميشال عفلق  مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي ومعه مفكر البعث  الياس فرح و طارق عزيز وكمال ناصر(الشاعر المعروف وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والذي اغتاله الموساد في بيروت) واديب ناصر وناصيف عواد وكمال فاخوري ونقولا الفرزلي وفيصل عرنكي وهيلاريون كبوجي (الذي كان يهرب الأسلحة لثوار فتح عند انطلاقتها بالسيارة الرسمية للكنيسة) ،وقسطنطين زريق  وجورج حاوي وادوارد سعيد وأنطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي،وكرم عبيد وفارس خوري الذي شغل منصب رئيس الوزراء في سوريا، وإميل حبيبي وتوفيق طوبي وعزمي بشارة  وجورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،  ونايف حواتمة-امين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحنان عشراوي وفيصل عرنكي(اعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية) زومن رجال الدين الذين يقفون بصلابة بوجه الكيان الصهيوني الغاصب المطران عطالله حنا والبطريرك ميشيل صباح والأب منويل مسلم(الذي فتح ابواب الكنائس  لحمايةأهلنا في غزة اثناء القصف  الصهيوني) وحنا عيسى-القيادي في حركة فتح. وغيرهم الكثيرون.
ثامنا:وعلي الصعيد العلمي برز اعلام بارزين في الرياضيات مثل ريمون شكوري وعادل غسان وفي الفيزياء متي المقدسي وماهر سرسم وغيرهم من العلماء العاملين في مركز الطاقة الذرية في العراق
ان العرب المسيحيين هم من اسسوا الفلسفة القومية المعاصرة في اطارها الثقافي (ميشيل عفلق وقسطنطين زريق)طبعا اضافة الى ساطع الحصري وغيره من المفكرين .ولا يتسع المجال هنا لذكر تضحياتهم بوجه التتريك العثماني  حيث انهم كانوا من اوائل الذين نصبت لهم اعواد المشانق في بيروت على يد جمال باشا السفاح اضافة الى مشاركتهم في الثورة العربية الكبرى.
وهكذا  كان ولا يزال العطاء الحضاري للعرب المسيحيين يلعب دوره المؤثر والفاعل في حياة الامة وشكل  واقعا اجتماعيا وثقافيا وروحيا  متعدد الاوجه  – في العلم والادب والصحافة والفن والمسرح ……الخ .فرض نفسه في مشرق الوطن العربي طيلة أربعة قرون ونيف وخصوصا منذ القرن الخامس حتى الوقت الحاضر.
 واخيرا لابد من  القول ان العروبة قوميّة إيديولوجيّة لا تصهر مَن بداخلها بِفكر واحد، وتلفظ مِن أمعائها مَن لا يقبل الذوبان في هذه البوتقةابدا . ان التنوّع الفكري والثقافي والديني يشكّل الجهاز التنفّسي للحضارة العربية، وهي تختنق إنْ ضاق أفقها بهذا التنوّع بل أن التنوّع هو في أساس العروبة ونشؤها ونهضتها وأن وغياب المسيحيين عن مشهديّتها، يعني فقدان أهلها القدرة على عيش هذا البعد الحضاري في عروبتهم. وفي حالة نفي اي مكون غير اسلامي في نسيجها القومي فإن ذلك يجعل  الحضارة العربية تتحول  إلى إيديولوجيا أحاديّة الجانب، متنكّرة لأساساتها وخانقة لآفاقها المستقبلية.ان التنوع يثري ويغني وحدة الامة ونهضتها .
ان العرب المسيحيين هم ملح الارض وجزء حي وأصيل من جذور الامة  وعصب رئيسي من تركيبة النسيج القومي قديما وحديثا بعيدا عن منطق الاكثرية العددية في الماضي والاقلية العددية في الوقت الحاضر  بسبب الهجرة الى بلاد الغرب (وهذا الجانب سنتناوله لاحقا ). انهم عرب اقحاح لهم بصمات حضارية وفكرية وثقافية عميقة في كافة جوانب الحياة  العربية وذلك لانهم امتلكوا مقومات  علمية وادبية وسياسية انفردوا بها .
المصادر:
1-    سمير عبده-دور المسيحيين في الحضارة العربية الاسلامية-ط1-2005-دار حسن ملص للنشر رابط التحميل   
https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A8-%C2%A0%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D9%87-pdf
2-سلوى بالحاج صالح-رسالة دكتوراه- المسيحية العربية وتطوراتها من القرن الرابع حتى القرن العاشر-نشرتها  دار
الطليعة 1997
https://archive.org/details/ashrf1979_HOTmail_20181025/page/n13/mode/2up
3-فدوى احمد نصيرات-رسالة دكتوراة – المسيحيون العرب وفكرة القومية العربية  في بلاد الشام ومصر -نشرها مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت2009
https://top4top.io/process/b3d4e13110244cc67a1ed8f004bfd6b9f0ec06f8
  4-محمد عمارة –الاسلام والاقليات- مكتبة الشروق الدولية 2003-القاهرة
5- المسيحيون العرب دراسات ومناقشات ط1 -1981-نشر مؤسسة الابحاث العربية-رابط النحميل     https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%82%D8%B4%D8%A7%D8%AA-pdf
6- برهان زريق-العرب المسيحيون ط1 عام 2012-دار حوران للطباعة والنشر-دمشق رابط التحميل
https://foulabook.com/ar/book/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D9%88%D9%86-pdf
7-سهيل قاشا – صفحات من تاريخ المسيحيين العرب قبل الاسلام–منشورات المكتبة البولسية 2005

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

كاتب ومحلل سياسي 

دكتوراة في القانون العام جامعة محمد الخامس المغرب 
محاضر في جامعة الأزهر - فلسطين

إبراد إبراهيم ابراش يكتب : الانتصار الذي تسعى له حركة حماس

الكاتب إبراهيم ابراش الانتصار الذي تسعى له حركة حماس بعد أن ساعدت حركة حماس إسرائيل، …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *