الرئيسية / الآراء والمقالات / د.احمد لطفي شاهين يكتب : معنى الركود الاقتصادي بإختصار

د.احمد لطفي شاهين يكتب : معنى الركود الاقتصادي بإختصار

احمد لطفي شاهين

معنى الركود الاقتصادي بإختصار
د.احمد لطفي شاهين
في إحدى محاضراتي عن التنمية المستدامة اثار الطلاب مسألة الركود الاقتصادي وتناقشنا وقررت اثر نصيحة من شخصية محترمة ان اكتب لمحة عن الموضوع ببساطة واختصار
لقد تعددت وتشعبت تعريفات
الركود الاقتصادي ولكن اكثر التعريفات اختصاراً تقول
١- انه انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما، لمدة فصلين متعاقبين أو أكثر وقد كانت معظم حالات الركود التي عرفها العالم قصيرة الأمد وعادةً ما يكون سبب حدوث الركود أن الإنتاج يفوق الاستهلاك، الأمر الذي يؤدي إلى كساد البضاعة وانخفاض الأسعار، فيصعب على المنتجين بيع المخزون، لذلك ينخفض معدل الإنتاج

٢-تعريف اخر ان الركود ليس سوى تقارب بين جشع المسؤولين الماليين في الحكومة ومسؤولي الضرائب لاستخراج المزيد من الضرائب، وجشع الشركات الكبرى لتكون أكثر ربحية من خلال خفض الجودة واستخدام الممارسات غير العادلة مع وجود موظفين متغطرسين انتهازيين يقدمون خدمة سيئة للجمهور

 ولتوضيح المعنى اكثر اذكر لكم هذه القصة التاريخية

 كان هناك بائع فطائر اعتاد على بيع ٥٠٠ فطيرة كل يوم على عربة متجولة وكان الناس يحبون الفطائر الخاصة به على مدار ثلاثين عاماً، لأنه كان يهتم بالنظافة أثناء الإعداد والبيع ، ويستخدم زيتاً عالي الجودة، ويوفر الصلصات المجانية مع الفطير وكان نهاية اليوم يوزع جميع الفطائر غير المباعة للفقراء مجاناً وكانت سمعته طيبة وربح أموال كثيرة من بيع الفطائر ولم يواجه ابداً اي انخفاض في مبيعاته خلال ثلاثين عامًا .  لذلك كان قادراً على تمويل تعليم ماجستير إدارة الأعمال لابنه في كلية خاصة شهيرة من أرباحه من بيع الفطائر لكنه لم يفكر في توسيع مجال عمله لانه ينتظر عودة ابنه . وأخيراً ، أكمل ابنه شهادة الدكتوراه في إدارة الأعمال وعاد إلى وطنه…  ولكنه لم يستطع الحصول على الوظيفة المناسبة له ولذلك بدأ الابن يهتم بأعمال الفطير الخاصة بوالده، مع العلم انه لم يشترك في أعمال والده في وقت سابق لأنه اعتبر أن هذه وظيفة أقل شأنا من مستواه.
وخلال دراسته سنوات في إدارة الأعمال ، قرأ الكثير عن الركود، وأنه سينشأ في الاقتصاد العالمي وكيف سيؤثر على فرص العمل، ويزيد من البطالة وما إلى ذلك. لذا فقد اعتقد أنه ينبغي عليه أن ينصح والده بالمخاطر التي قد تنطوي في عمليات بيع الفطير بسبب الركود المتوقع فأخبر والده أن الركود قد يتسبب في انخفاض مبيعات الفطير، لذلك يجب عليه الاستعداد لخفض التكاليف حفاظاً على مستوى الربح…
في البداية كان الاب البائع سعيدًا لأن ابنه المتعلم يعرف الكثير عن الأعمال التجارية والاهتمام بأعماله وتطويره .. لذلك وافق على اتباع نصائح ابنه. وفي اليوم التالي اقترح الابن استخدام ٢٠ ٪ من زيت الطهي المستخدم ( القديم ) و ٨٠ ٪ زيت جديد.  ولم يلاحظ الناس التغيير في المذاق وتم بيع ٥٠٠ فطيرة بشكل طبيعي. وفرح البائع ان نسبة الارباح زادت .. وفي اليوم التالي اقترح ابنه زيادة حصة الزيت المستخدم إلى ٣٠ ٪ وتقليل كمية الصلصة المجانية، ووافق ابوه على الفور لانه يثق في ابنه لكن ذلك اليوم ، تم بيع ٤٠٠ فطيرة فقط ، وتم توزيع ١٠٠ فطيرة للفقراء . وهنا أخبر الابن والده أن الركود قد بدأ حقاً كما تنبأ به، لذلك يجب القيام بمزيد من خفض التكاليف وانه لن يوزع الفطير الزائد ولكنه سيحمره مرة أخرى في اليوم التالي ويبيعه،  وسيتم أيضًا زيادة كمية الزيت القديم إلى ٤٠٪ وسيتم صنع ٤٠٠ فطيرة فقط لتجنب الهدر.
وفعلا تم بيع ٤٠٠ فطيرة في اليوم التالي ، لكن الزبائن لم يشعروا بالطعم الجيد القديم. فيما تم اتلاف الفطائر التي تم تسخينها والقيت في مكب النفايات ورفض الابن توزيعها على الفقراء الذين اعتادوا على ذلك .. و اخبر الابن والده عن زيادة نسبة الركود وعن تخطيطه الذكي للمواجهة، … فقال الأب ربما تكون على دراية أفضل لانك متعلمً. وفي اليوم التالي، قرر الابن استخدام ٥٠ ٪ من الزيوت المستخدمة، والتخلص من الصلصة الحلوة وتوفير الصلصة الخضراء فقط، وتم صنع ٤٠٠ فطيرة في ذلك اليوم، ولكنه لم يبيع سوى ٢٠٠ فطيرة، لان الناس بدأوا يكرهون الطعم واصبح شكل ولون الفطيرة مغشوش.
 وهنا قال الابن لوالده بكل فصاحة  : أنظر ، كنت أتوقع أن يصبح الركود كبير وأعلم ان المبيعات ستنخفض وانت ترى الآن ماذا حدث لذلك لن نرمي الفطائر التي لم تباع اليوم والتي بلغ عددها ٢٠٠ ، ولكننا سنقوم بقليها وبيعها غداً. ..  فوافق الأب لابنه صاحب الدكتوراه في إدارة الأعمال. وفي اليوم التالي ، تم تصنيع ٢٠٠ فطيرة طازجة مع زيت مُستخدم بنسبة ٥٠٪ ، وتم عرض ١٠٠ فطيرة مقلية قديمة للبيع ولكن لم يتمكن من بيع اكثر من ١٠٠ فطيرة فقط، والسبب أن الناس شعروا بانخفاض حاد في الجودة… وهنا قال الابن إن الركود قد بدأ بالفعل ، والآن لا يوجد أموال للإنفاق على انتاج الفطائر ، لذا علينا أن نصنع فقط ١٠٠ فطيرة وأن نعيد تسخين ١٠٠ فطيرة قديمة وعرضها للبيع، ويجب ان نخفض تكاليف الانتاج ونتوقف عن إعطاء المناديل الورقية، لكن خلال اليوم التالي تم بيع ٥٠ فطيرة جديدة فقط.
هنا أخبر الابن والده ان الناس فقدوا دخلهم بسبب الركود ولم يعودوا قادرين على شراء الفطائر ، لذا ، فإن هذا العمل سيكون فيه خسارة ويجب على والده التوقف تماما عن صناعة الفطير..!!!! او هناك حل بسيط جدا وهو الاقتراض من البنك بنسبة فائدة ربوية ١٠%
وهنا بدأ الوالد في الصراخ : “لم أكن أعلم أنهم يعلمونكم الغش باسم دكتوراه إدارة الأعمال، لقد فقدت أموالي في الحصول على تعليمك إدارة الأعمال في الثلاثين عامًا الماضية من بيع الفطير، ولم أحصل على الركود مطلقًا، لكن جشعك في الربح جلب الركود  إلى عملي وتسببت في إغلاق مصنعي الصغير، ..  أخرج من أعمالي وسأعيده انا إلى المستوى السابق، وإذا كنت تريد العمل يمكنني توظيفك لغسل الصحون لأن هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكنك فعله على الرغم من حصولك على درجة الدكتوراه.”

بعد ذلك ، بدأ الاب باتباع حكمته القديمة والممارسات العادلة في الأعمال التجارية وصنع ٥٠٠ فطيرة باع منها ١٠٠ ووزع الباقي مجاناً على الفقراء وغير الفقراء كتسويق لعودته الى عمله بأمانة واصول الطبخ وانتشر الخبر انه عاد للطعم الشهير واقبل عليه الزبائن وفي غضون شهر وصلت مبيعاته إلى ٧٠٠ فطيرة يوميا ولم يشعر بالركود لانه يعمل باخلاص وشرف ولمصلحة الجميع.

السؤال المهم الآن :كيف يمكننا القضاء على الركود الاقتصادي؟
١- الحفاظ على جودة الانتاج مهما كانت الظروف لضمان تسويق السلعة وفي نفس الوقت حرص الشعب على شراء المنتجات الوطنية لدعم اقتصاد البلد
٢- العدالة في توزيع الناتج القومي والاستمرار في دعم الفئات الفقيرة بتوفير فرص عمل ومشاريع صغيرة لهم حتى لايكونوا عبء على الدولة ومصدر لارتكاب الجريمة أو ترويج المخدرات
٣- القضاء على الفاسدين وعزلهم من المناصب الحساسة والاعتماد على الخبراء الممارسين للتخصص فالدرجة العلمية فقط لا تعني الأهلية لتولي المناصب بل يجب ان تترافق مع خبرات عملية مهنية حتى يتم تطوير وخدمة المجتمع فعلا
٤-ايقاف القروض الربوية وتحريم الربا وايقاف القروض من البنك الدولي واية بنوك
٥-استثمار فريضة الزكاة وانشاء بنك الزكاة واستغلال ذلك في تحقيق التنمية واقصد هنا
 الزكاة بكل انواعها على كل شيء زكاة المال وزكاة المزروعات وزكاة الانتاج وزكاة الفطر في رمضان ..
٦-منع الاحتكار وتحريم اكتناز البضائع
٧-تنظيم التسعير للبضائع ومراقبة الاسعار
٨-ترشيد الاستهلاك وذلك لتخفيض الواردات وتخفيف العبء عن الاقتصاد ودعم النهضة الاقتصادية والمنتج المحلي
٩-التشجيع على توجه الشباب نحو العمل في القطاع الخاص، هذا يوفر الكثير من فرص العمل التي تساعد في حل مشكلة البطالةوأيضًا تخفف الضغط الشديد على العمل في القطاع العام وتمنع الركود الاقتصادي
١٠-العمل بجهد أكبر على استقطاب الاستثمارات الداخلية والخارجية، وأيضًا يجب الحرص الشديد من الحكومة على مكافحة التهرب الضريبي فهو يساعد كثيرًا في علاج الركود الاقتصادي
١١-الحفاظ على مستوى الإنفاق التسويقي والتواصل الاجتماعي الدائم في الواقع وعبر مواقع التواصل مع الجمهور لمعرفة احتياجات ومشاكل السوق وعلاجها

هذا باختصار مقال مختصر جدا عن موضوع كبير جدا وهو مجرد لمحة بسيطة وباب التعلم والبحث مفتوح أمامكم لمن أراد الاستزادة والاستفادة

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية

حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية بقلم  :  سري  القدوة الخميس 28 آذار / مارس …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *