الرئيسية / الآراء والمقالات / تمارا حداد يكتب : داء العنف بحاجة إلى دواء ونظرة وطنية لحماية الأسرة

تمارا حداد يكتب : داء العنف بحاجة إلى دواء ونظرة وطنية لحماية الأسرة

تمارا حداد

داء العنف بحاجة إلى دواء ونظرة وطنية لحماية الأسرة.
بقلم: تمارا حداد.
يُصادف من كل عام حملة 16 يوماً لمناهضة العنف الأسري وهي حملة هامة لتسليط الضوء على قضية بحاجة لإثارتها للدفاع عن كافة أفراد الأسرة للوصول إلى مجتمع يُؤمن بالعمل الجمعي المتسامح بعيد كل البُعد عن الحقد والكراهية.
رغم التقدم التكنولوجي ومسارات الوعي والتثقيف الأسري إلا أن العالم برمته يشهد ارتفاعاً لافتاً لظاهرة العنف الأسري من ذوي القربى وبالتحديد داخل إطار الأسرة المصغرة وأصبحت المنازل هي الفضاء الرئيسي لوقوع مثل هذه الجرائم سواء الضرب والقتل والعنف ضد أحد أفراد الأسرة.
توالت أعداد المُعنفين نحو ازدياد مستمر فمثلا قالت المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة “غادة فتحي والي” أنه في كل 11 دقيقة تتعرض امرأة أو فتاة للقتل على يد أحد أفراد أسرتها، وأفادت أن 47 ألف امرأة وفتاة قتلن على أيدي أزواجهن أو أحد أقاربهن عام 2020، وأكدت أن خُمس حالات قتل النساء في العالم سببها العنف الأسري، مشيرة إلى أن 58 بالمائة من ضحايا العنف الأسري هم من النساء والفتيات بحسب تقرير نشره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، هذا الأمر يشير إلى تراجع في حقوق المرأة بسبب العنف الأسري.
ففي ألمانيا على سبيل المثال، ارتفعت جرائم العنف بين الأزواج والأزواج السابقين المبلغ عنها لدى الدوائر الأمنية في العام الماضي مقارنة بالأعوام الماضية، وفقا لإحصائية رسمية تقول إن العنف بين شركاء الحياة الحاليين أو السابقين أودى بحياة 139 امرأة و30 رجلا في 2020، بالتحديد بعد هجرة السوريين الى المانيا نتيجة الحرب في سوريا حيث ارتفعت حالات العنف.
بلد آخر وهي فرنسا إذ أن وزارة الداخلية كشفت بداية الأسبوع عن زيادة بنسبة 10بالمائة في حالات العنف المنزلي عام 2020، معظم ضحاياها من النساء بسبب جائحة كورونا ونتجية الاغلاقات المتكررة، وفي منطقة الشرق الاوسط مثلاً تركيا حيث نتيجة انسحابها من الاتفاقية الدولية لحماية الأسرة أدى إلى ازدياد حالات العنف بشكل ملحوظ، ففي تركيا يستيقظ المواطنين كل يوم على مقتل امرأة، فمثلا في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر هذا العام شهد مقتل المهندسة المعمارية، باساك جنكيز، البالغة من العمر 28 عاما في إسطنبول بضربة سيف. وقال القاتل ، للشرطة إنه قام بالقتل لشعوره بالملل. وأضاف “خرجت لقتل شخص ما واخترت امرأة”، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام تركية.
في المجتمعات العربية حدث بلا حرج فظاهرة العنف ضد الأسرة تزداد بشكل ملحوظ، ففي المجتمع الفلسطيني نتيجة الواقع السياسي والاقتصادي الصعب ارتفعت حالات العنف الى نسبة 62%، وقد تم سؤال افراد معينين ضمن مقابلات شخصية واختيرت عينة عشوائية في منطقة يعيش فيها 3000 فرد (دون التطرق لذكر اسم المنطقة حفاظاً على السلم الاهلي) حيث ان في تلك المنطقة في كل عمارة سكنية فيها منزلين إلى ثلاثة منازل يُعاني أحد أفراد الأسرة من ظاهرة العنف الأسري وكان الأغلب المُعنف من النساء نتيجة أسباب عديدة سنذكرها لاحقاً.
أن ظاهرة العنف الأسري ظاهرة منتشرة كثيراً ولكن ما معنى مفهوم العنف الأسري؟ هو أي تصرف يقترفه أي فرد في العائلة ضد أي فرد من نفس العائلة، بهدف خلق الألم والأذى لأفراد العائلة أو خلق أي شكل من أشكال الإساءة ضد أي فرد من افراد العائلة نفسها.
من أنواع العنف الاسري: العنف الجسدي فهو سلوك موجه ضد الجسد ويستعمل من خلاله عدة وسائل منها دفع الجسد بقوة، واستخدام ادوات تلحق الاذى بالجسد، الضرب ،الصفع ، الخنق، اللكم باليد، استعمال ادوات حادة مثل السكين يودي بحياة الفرد.
أما النوع الثاني هو العنف النفسي ومعناه  المعاملة السيئة للإنسان، ويتمثل بالاستهزاء والاستهتار والتقليل من قيمة الفرد، والشتم ، واستعمال الالقاب البذيئة، والأوصاف السيئة مثل الغبي او فاشل او طرد الطفل  خارج البيت وهذا يؤدي الى التقليل من قيمته والحد من قدراته العقلية والنفسية والذاتية ويضعف من الشخصية ويزعزع الثقة.
اما العنف الجنسي وهو الاعتداء على الجسد بطريقة تشذ عن الوضع الطبيعي نتيجة غياب بما يسمى التربية الجنسية والتي تغيب عن مناهجنا وأولويات التثقيف فيها.
أسباب العنف الأسري عديدة في فلسطين:
• وجود الاحتلال خلق الظلم والقمع والاستبداد ليزيد من هذه الظاهرة السلبية بالتحديد في المناطق المكتظة كالمخيمات نتيجة شعورهم بخروجهم قسراً من ديارهم وبعض المناطق الريفية القريبة من الجدار الفاصل أدى الى ازدياد هذه الظاهرة، وللاحتلال وأساليبه القمعية والممنهجة أدى الى بث العنف القهري بين أبناء الشعب الفلسطيني.
• السبب الاقتصادي هو عدم توفر المال وانتشار البطالة  ليؤثر بشكل سلبي على العوائل مما أدى إلى زيادة العنف الأسري وذلك عن طريق تفريغ شحنة الغضب ليتسبب عقداً نفسية للأطفال، وقد يكون سبب البخل لأحد من الوالدين سبباً آخر لازدياد هذه الظاهرة.
• السبب الثقافي وهو أهم الأسباب لازدياد ظاهرة العنف الأسري وذلك لعدم التكافؤ بين الوالدين او مشاهدة  الاطفال  افلام العنف كل ذلك يؤدي الى زيادة ظاهرة العنف الأسري.
• السبب السيكولوجي أو النفسي نتيجة عدم اتزان أحد الزوجين نتيجة استعماله المسكرات والمخدرات التي تجعل من الشخص الضعيف نفسياً اكثر جرأة ليستخدم القوة أمام من يراه نتيجة فشله في عمله الخارجي وضعف شخصيته وعدم اتزان فكره الطبيعي.
• من الاسباب الاجتماعية هي طبيعة التربية والأطر الفكرية التي تربى عليها الفرد فقد يتربى ضمن أسرة يرى والده يستخدم العنف له ولوالدته يؤدي الأمر لنشأته ضمن فكر غير سوي يتمثل باستخدام العنف، ويتمثل السبب الاجتماعي بالمشاكل الزوجية وفارق السن بين الزوجين لأكثر من 10 سنوات، وانفصال احد الوالدين او موت احدهما، وغياب الحب والحنان والعطف داخل الأسرة.
• السبب القانوني إن غياب القوانين والتشريعات التي تحمي الأسرة تساهم في دفع هذه الظاهرة لازدياد مستمر، صحيح بعض الأمور العشائرية قد تُساهم في حل المشاكل الاسرية لكن هذا الأمر لا غنى عن القوانين التي تردع مقترف تلك الجرائم ( جرائم القتل غير المبرر).
• وهناك أسباب لضرب الزوجات منها المفاهيم غير الصحيحة الخاصة بالرجولة يعتقد الرجل أن بإهانة المرأة بانه (رجل) وهذا الأمر خاطئ تماماً فهو نتيجة ضعفه يلجأ لأسلوب العنف لغياب الثقافة والاخلاق بشكل عام، وعدم معرفته ان الزوجة تشاركه الواجبات والحقوق والأدوار التي يؤدونها في الحياة، وعدم قدرة الرجل على مواصلة الحوار وغير قادر على مقاومة الفكرة بالفكرة.
• سبب هام وهو ضعف الرجال من حيث القدرة الجنسية واحساسه بالدونية نتيجة تسابق العمر أو ضعف نتيجة العامل الوراثي وامراض اخرى كالسكري وغيرها فلا يجد هنا سوى القوة الجسدية ليثبت انه الأقوى.
• ومن الأسباب الأخرى وهي خوف النساء من كلمة مطلقة وخوفها على أطفالها اكثر من ذاتها يجعلها تبقى ضمن سياق أسرة غير سوية وهذا ما حدث قبل يومين لقضية صابرين خويرة (30) عاما من قرية كفر نعمة.
آثار العنف الأسري:
أن أهم آثار العنف الأسري داخل الأسرة هي تفكك الأسرة بما ينعكس كلياً على طبيعة المجتمع وأيضا على ركائز الحفاظ على السلم الأهلي، وعدم توفر الأمن والأمان داخل الاسرة، وزعزعة الثقة وضعف الشخصية والانطوائية بالتحديد للأطفال، وأهم أثر هو بث الكراهية بين أفراد الاسرة وازدياد الانحرافات الاخلاقية داخل الاسرة بحيث يُشجع احد افراد الاسرة للخروج عن المألوف لتعويض الحب والاحترام في مكان آخر، والعنف لأحد أفراد الأسرة يترك شرخاً فظيعاً في النفوس وتؤثر على العلاقة الاسرية ويصعب بعد ذلك استقامة العلاقة من جديد.
الحلول المقترحة للحد من ظاهرة العنف الاسري:
• نشر الوازع الديني وتثبيت القيم والأخلاق وزرع الثقافة المتسامحة بين افراد الاسرة تبدأ منذ الطفولة وهي مسؤولية الأسرة والمدارس والجامعات بوضع منهاج كامل حول تقليل حالات العنف.
• إقرار تشريعات وقوانين وهي مسؤولية رئيس الدولة الفلسطينية (ابو مازن) والحكومة الحالية ووزارة المرأة والشؤون الاجتماعية ومسؤولية مؤسسات المجتمع المدني والحقوقية والنسوية والأمنية لدعم مفهوم المساواة بين الذكور والإناث وحماية كلا الطرفين.
• إيجاد خطة وطنية للتقليل من ظاهرة العنف الأسري وحلها بطريقة جذرية وليس فقط ضمن سياق آني.
• نشر ثقافة المحبة والوئام والتعاون والتكافل والتراحم والإخلاص بين افراد الاسرة فالصفات الحميدة تساعد في التخفيف من هذه الظاهرة.
• قُبيل عقد الزواج من المفترض أن يُقر بشكل إجباري بوضع خطوة كخطوة فحص التلاسيميا بعمل دورة متخصصة حول الزواج مدتها ستة أشهر حتى يستطيع المقبلين على الزواج التعرف عن قُرب عن صفات وأخلاقيات الآخر، وهذه التجربة نجحت في دول اسلامية مثل أندونيسيا وماليزيا في تقليل حالات العنف الأسري والطلاق.
خلاصة: إن غياب التوجيهات السليمة وغياب الضمير الحي وغياب المفاهيم الصحيحة عن معنى الأسرة والرجولة والسعادة والقوامة يساهم في ازدياد الظاهرة، بالرغم من رفض المجتمعات لها إلا أنها تزداد بشكل يدعو إلى القلق، الأمر بحاجة لجهد متكامل وشامل لرؤية وطنية لحماية الأسرة من كافة أشكال العنف والاضطهاد.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : نواقص القرار الاممي

نبض الحياة نواقص القرار الاممي عمر حلمي الغول بين مد وجزر على مدار 171 يوما …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *