الرئيسية / الآراء والمقالات / بكرا ابو بكر يكتب : الزرع والسقاية وتسلق الأكتاف

بكرا ابو بكر يكتب : الزرع والسقاية وتسلق الأكتاف

بكر أبوبكر

الزرع والسقاية وتسلق الأكتاف

بكر أبوبكر

في نقاش دار مع أحد الأخوة حول جدوى ما نسميه التعبئة الفكرية أو التوجيه السياسي أوالإرشاد القومي أوالتربية الحزبية …كان هناك رأيان الأول يفترض ضرورة إلزام الأعضاء في المنظمة السياسية (التنظيم، أوالمؤسسة،أو الحزب…) لعمليات تعبئة وتثقيف إلزامية من أسفل الهرم التنظيمي الى أعلاه، بحيث يرتبط الانتقال بالسلم التنظيمي على هذه التعبئة “العقدية” الفكرية والسياسية.

 

أما الرأي الثاني فكان يفترض أن التعبئة أو التوجيه بالمنطق الإلزامي القسري لن يؤتي أكُله، إن كان الهدف الأساس بناء العضو وتأهيله لحمل رسالة المنظمة أو دعوتها وفكرها، ففي القسر داخل التنظيم الطوعي مفارقة غريبة.

 

الانتماء لأي تنظيم سياسي أو مجتمعي (طوعي الانتماء) يفترض الايمان بمبادئه وأهدافه وطرائقه وأساليبه ومن هنا تأتي القوة الالزامية المقبولة (الالتزام) أي من ذات الفكرة ومن ذات الايمان للشخص المنتمي المشترك في تمازج يجعل من التنمية الذاتية والبناء عملية سلسة.

 

فكرة الانتماء للتنظيم أساسًا يجب أن تتحصن بضرورة المرور بفهم وتشرب وبتمثل الأفكار الرئيسة للتنظيم السياسي او الجماعة أو الحزب وذلك في سياق الاجتماعات الحركية الدورية نعم، أو عبر كتيبات/نشرة صغيرة، أوعبر دورات تمهيدية تؤهل العضو للقبول (عضوًا) وليس (نصيرًا) ضمن أطر المنظمة (التنظيم) السياسي. وهذا ينطبق على العضو الجديد، فكيف الحال والأعضاء القدامي أو المنخرطين في كثير منهم لم يمروا بمثل هذه التجربة؟

 

في الانتماء الطوعي النضالي للقدامي داخل التنظيم حافز للثقافة الذاتية لأنها في صلب النظام، ومقدرة على تثقيف الآخرين أو استيعابه لضرورة التثقيف الفردي أو الجماعي.

 

لكن إن كانت حقيقة الانتماء (للقدامي المنخرطين) ذات طابع مصلحي فهنا ترى المقاومة للفكرة التعبوية التثقيفية أواستسخافها أوتعمد إهمالها، سواء التعبئة بمنطقها الالزامي، أوالتطوير الذاتي لإن الانتماء أصلاً لم يهدف عند المصلحيين الانتهازيين لخدمة الفكرة/المؤسسة، وإنما كانت سلمًا لأهداف أخرى فتنشأ في التنظيم جماعات المصالح والانتهازيين والمتسلقين، وكثيرًا ما تطغى على الصورة لقدرتها العجيبة على تسلق الاكتاف والأعناق.

 

فكرة التأثير أو الجذب أو الاستقطاب للمنظمة (التنظيم، الجماعة…) إن ارتبطت بالمصالح الخاصة مثل المصالح القبلية (العشائرية) أو الأسرية أو المالية أو الوظيفية…الخ، فلن تجد بالحقيقة من يتقبل أن تلزمه بآليات التثقيف والتعبئة والتي إن حصلت تكون ليست ذات جدوى لأن الخطأ الأساسي في طريقة الدخول (الانتساب أو الاشتراك أو الانتماء للتنظيم) وهي التي لاتمتّ للانتماء بمنطقه الايماني بصِلة.

 

حقيقة المنظمات الفلسطينية اليوم –داخل فلسطين-أنها تضم حشودًا متنوعة مصلحية، ووطنية وسواها، انتمت في عدد منها ليس لسبب وطني خالص، بل خالط أو عارض هذا الأمر قضايا خاصة كثيرة قفزت في مراحل عدة مع ضعف التنظيم والفكرة وركود الوضع السياسي وافتقاد المرونة والمتابعة والابتعاد عن حُسن الاتصال قفزت هذه العوامل ما أدت لأن يصبح الانتماء شكلياً وليس فاعلًا، أي أنه يصبح بحكم العادة أو الرغبة بالتجمع أو الظهور، أو لمجرد الشعور بأمان ضمن جماعة تحميه ولو نفسيًا أو اجتماعيًا، وليس ايمانا وقناعة بالهدف الوطني العام أوالمسار السياسي، فما العمل؟

 

أنتم أو نحن في قيادة الفصيل الفلاني مثلًا-على فرضية احساسنا بالمسؤولية وابتعاداً عن فرضية أن العيب فينا أي في الرأس-وهذا نقاش هام آخر تعرضنا له كثيرًا- لنا أن نقول كقيادة أننا ورثنا هؤلاء الأعضاء القدماء ضعيفي أو منعدمي الانتماء، ويجب أن نتعامل معهم ونربيهم ( ) ونعبئهم، ولنا أن نقول ببداية جديدة مع العناصر الجديدة (المستقطبين الجدد)، غير الموروثة، ونركز عليها. ولنا أن نضع عديد الافتراضات ولكن حقيقة اختلاط الجسد بمكونات المنتمي لهدف عام، وطني، وأصحاب المصالح اوالانتهازيين أصبحت فاقعة.

 

وأنت مضطر للتعامل مع الجميع رغم النقص البادي في الانتماء، وتعارض الأهداف، والخطأ الفادح بطريقة الدخول (الانخراط، الانتساب،…) هذا عوضا عن نقص او اهمال المتابعة الداخلية ما يحوّل المنظمة/التنظيم لكمّ أوحشد قابل للاستخدام-الاستغلال، وليس لتنظيم نضالي.

 

في جميع الأحوال وأنت تتعامل مع العضو في التنظيم الثوري أو السياسي الثوري أنت مضطر للمرور بعمليات ثلاثة

 

1-الأول أن تذكّره في كل آن عبر العمل أكثر من القول، أو بترابطهما-وبسلاسة وليس إلزامية فظة- بالثوابت أو الأفكار التي انطلق منها التنظيم وهي الممثلة في النظام (الدستور، القانون…) الحاكم وفيما صدر عن مقررات المؤتمرات على فرضية أن انتماؤه جاء على هذه القاعدة وهو امر مشكوك فيه أصلًا لدى الموروثين من الانتهازيين أو الجهلة، ورغم ذلك وجب الإشارة دومًا لسبب الانتماء والتأكيد على المباديء الأساسية من جهة وإلزامية النظام/القانون. بل وممارسة الفعل التنظيمي المؤكد على ذلك من خلال خماسية: الاجتماع الدوري، واللقاءات الدورية، وتقديم التقاريرالدورية أيضًا عن العمل، ومعرفة وممارسة المهمة/التكليف/العمل، وتحديد المسؤول المباشرالمحدد لكل شخص وإطار، ثم ممارسة التخطيط والتنفيذ و المتابعة الدؤوبة للعملية والا فلا.

 

وأما 2-ثانيا فإنك لا تستطيع أن تفترض أن كلامك يجد أرضًا مهيئة أو متقبلة للزرع بتاتًا، خاصة هذه الأيام في ظل فيض الرسائل التي تقتحم عقل الانسان عبر كافة وسائل الإعلام، والدعائيات (البروباغندا) واجتياحات وسائط التواصل الاجتماعي بل تحتاج في كل بداية أن تحرث الأرض (العقل والنفس…) عبرتهيئة النفس الانسانية لمرحلة القبول لك والتقبل لما تطرحه من أفكار وهي الوظيفة الأهم للتعبئة التنظيمية أو التدريب.

 

وبدون التهيئة (الحرث في النفس) فلن يكون الزرع (الأفكاروالمفاهيم والقيم) مثمرًا، والإثمار هو النتيجة المرجوة بحمل العضو للفكرة والإيمان بها بصلابة هذه الفكرة بل ونشرها والدعوة الوفية لها لأن منبعها يجب أن يكون نهر فلسطين.

 

3-في النقطة الثالثة وهي الزرع (إدخال المادة الى ذهن المتلقي) فإن فهم الآلية الصحيحة، ثم تطبيقها أهم بكثير من طبيعة الفكرة الجامدة.

 

إن أي شخص يستطيع أن يجد أي مادة فكرية سياسية تثقيفية بكبسة زرفي الشابكة (انترنت)، ولربما يقتنع ويحاجج بها هذا إن استطاع عزل المشتتات الكثيرة عن رأسه ويا لها من مهمة صعبة! في هذا الزمن الطافح بالرسائل الدعائية الاعلانية الجسورة والمغرية.

 

ولذلك نقول أن اختيار المادة (المواضيع) هكذا لوحدها ليس هو الأساس-على أهمية المادة/الموضوع بالطبع-وإنما آلية أوطريقة إيصالها عبر ما نكرّر ضرورة تعلمه من فنون الاعلام والاتصال وبناء الشخصية وحُسن العرض وفن الحديث وفن إيصال الفكرة بخفة وسلاسة تستطيع بها أن تحل مشكلة الأعضاء الموروثين (بل والقادة المتكلسين) الذين لربما تكلّست فيهم الأفكار أو انحرفت نحو اتجاهات معينة وآخذين بعين الاعتبار أن القرار القيادي السليم بذلك يقتضي تغييرا في المنهج، منهج التعامل، ومنهج التفكير، وما يرتبط معه بضرورة التغيير لبعض القيادات بلا شك.

 

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية

حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية بقلم  :  سري  القدوة الخميس 28 آذار / مارس …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *