الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور يكتب : لماذا تم تفكيك ونقل القواعد العسكرية الأمريكية من قطر إلى الأردن؟

د. مونتجمري حور يكتب : لماذا تم تفكيك ونقل القواعد العسكرية الأمريكية من قطر إلى الأردن؟

مونتجمري حور
لماذا تم تفكيك ونقل القواعد العسكرية الأمريكية من قطر إلى الأردن؟
بقلم: د. مونتجمري حور
تناولت في مقالات سابقة حدثاً سربته المواقع الإسرائيلية هو الأهم في منطقتنا وهو تفكيك ونقل ثلاث قواعد عسكرية أمريكية من قطر إلى الأردن الذي وللآن لم تتناول أي قناة إخبارية هذا الموضوع وسأجيب في مقالي هذا عن السبب الرئيس وراء هذا الإجراء بعد البحث والتقصي، وستكتمل الصورة كاملة حين أتناول مقال يستهدف الدبلوماسية التركية نظراً لغزارة المعلومات وضيق المساحة المتاحة للكتابة في مقال.
من أبرز عيوبنا أننا نذهب إلى الذيل ونترك الرأس عند تناولنا لأي قضية سياسية تمسنا مساً مباشراً فندخل دائماً في جدل له أول وليس له آخر لكثرة التفاصيل ونخلص بعدة آراء سياسية نجعلها رئيسة وجميعها يكون متضارب ثم ينجم عنها عدة آراء فرعية منها دينية ومنها اقتصادية ومنها اجتماعية الخ… فيختلط الحابل بالنابل ونعيش حالة تيه جديدة وفعلاً نفشل في التمييز بين الأشياء والأشخاص ونفشل في التمييز بين الصالح والطالح، ولا أحد يسعى لوضع السيف على المفصل لأن في الاختلاف الدائر لقمة عيش للكثير من التنفيذيين والمنتفعين من ناحية ومصالح حزبية ضيقة من ناحية أخرى.
على أية حال، بدأ إعلامنا الفلسطيني يتناول ما يدور حولنا على أنه صراع بين الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية وروسيا والصين من ناحية أخرى وهذا تطور معتبر وتابعت موقعاً فلسطينياً إخباريا آخر تطرق إلى التحالف الدائر في منطقتنا والذي تناولته في مقال لي قبل أكثر من شهر وأتمنى في هذه المرحلة ألا يقتصر التركيز على الخبر بل ما على ما وراء الخبر.
ما يدور حولنا هي محاولات دائرة مستمرة لانتقال النظام العالمي من أحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية سواء إلى التعددية القطبية بأن تقوم بعض الدول كالصين وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في الزعامة أو على الأقل إيجاد أدوار ريادية لهم في النظام الدولي. تفاصيل جمة عن هذا الموضوع لذلك سأسعى في مقالي هذا للتركيز على بعض الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية للحيلولة دون نجاح هذه المحاولات. نعيش حتى يومنا هذا حالة هيمنة الدولة الواحدة والذي يعرف بأحادية القطبية حيث تهيمن الولايات المتحدة الأمريكية على العالم من عدة نواحي منها العسكرية والتنمية والبحوث الدفاعية ومنها الثقافية كما أن لها نفوذاً اقتصادياً يحتل المرتبة الأولى عالمياً وتأتي الصين في المرتبة الثانية.
الصين كمثال، سعت من مدة ليست بالبسيطة إلى الصعود ومنافسة الولايات المتحدة في الزعامة العالمية وبعد دراسات متقنة، قررت الصين اختيار الناحية الاقتصادية لمنافسة الولايات المتحدة واتبعت لتحقيق ذلك نظرية “الحزام” الاقتصادية التي أزعجت الولايات المتحدة الأمريكية واعتبرتها أنها محاولة صينية للهيمنة الاقتصادية على العالم باستخدام القوة الناعمة التي تسبق الهيمنة العسكرية أيضاً دون إراقة دماء أو الحاجة لشن حروب. عبرت الولايات المتحدة الأمريكية مراراً عن قلقها الشديد من هذه المحاولات وسعت لمنع ذلك ودافعت عن آرائها وخطواتها بالتنويه إلى أن كل القوى التي بدأت بالهيمنة الاقتصادية عبر التاريخ انتهى بها الحال إلى السيطرة العسكرية. عموما سأكتفي هنا بالإشارة إلى أن في هذه المحاولات تقليل للهيبة الأمريكية فعلياً وقد يمثل هذا بداية انتهاء أحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وانتقال النظام العالمي إلى التعددية القطبية بصعود قوى جديدة، وبالبحث والتنقيب ثبت لنا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تسعى لإسقاط الصين أو روسيا ولا دول الاتحاد الأوروبي ليس لجمال عيونهم ولكن حجم التعاون الاقتصادي بينها وبين هذه البلدان مهول جداً فلو سقطت الصين مثلاً، ستسقط معها الولايات المتحدة الأمريكية والعكس صحيحاً والذي يدور هو مجرد محاولات صينية وروسية للعب دور عالمي أكبر وبعض الخبراء اعتبره أنه بداية الانتقال من أحادية القطبية إلى التعددية القطبية، ولكي نفي الصين جزءاً من حقها فهي بلا شك أصبحت أكثر نشاطًا على الساحة العالمية، واتخذت إجراءات من شأنها أن تمنحها فرصة هائلة لتعزيز صورتها ومكانتها أو بمعنى أدق قوة أكبر لهيبتها الاقتصادية بين الدول، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي أكتفي بذكر مثالين لتحركاتها أولهما دورها في سوريا وعدم سقوط نظام بشار الأسد، والثاني اتمامها لصفقة صواريخ S400 المتطورة لتركيا والتي يمكن لها أن تسقط طائرات ال F35 الأمريكية كما أن لها نظام رادار متطور جدا يرافقه أجهزة انذار مبكرة متطورة. فما هي الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية؟
أكتفي هنا بالتركيز على إجراءين أمريكيين فقط أحدهما دبلوماسي والثاني عسكري اتخذتهما الولايات المتحدة الأمريكية لعرقلة هذا التقدم ومنعه:
الإجراء العسكري:
سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إنشاء تحالف جديد في منطقتنا لتنسحب نسبياً منها بعد تولية الأمور لهذا التحالف لتنتبه بدورها إلى مصالحها وهيبتها التي بدأت تهتز على المستوى العالمي، وأول نقطة خاطبتها في منطقتنا تركزت على الموقف الإسرائيلي فقد ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بعيداً بإسرائيل تجاه تعزيز علاقتها بروسيا والصين الأمر الذي أزعج الولايات المتحدة حسمت إسرائيل موقفها بانتفاض جميع قواها وأحزابها في وجه نتنياهو وكنت قد تناولت في مقال سابق تحليلا لخطابه الأخير، ونتج عن ذلك تشكيل حكومة غريبة الأطوار جمعت بين مختلف المتناقضات السياسية في إسرائيل (العربي والإسرائيلي، المسلم واليهودي، اليسار واليمين، المتطرف والمعتدل الخ..) وبعد الإطاحة بنتنياهو وحسم الموقف الإسرائيلي، تم تشكيل تحالف ثلاثي في المنطقة ضم مصر وإسرائيل والأردن تلاه ولتعزيزه جرى تفكيك ونقل ثلاث قواعد أمريكية كبرى من قطر إلى الأردن في خطوة لم يتم الإعلان عنها في وسائل الإعلام حتى هذه اللحظة ولم تتطرق لها أي قناة إخبارية عربية. ولأثبت هذه الفرضية، أنوه إلى أن إسرائيل كانت مثلاً تقصف في سوريا كما يحلو لها

وبعد تسريب تشكيل التحالف الجديد في المنطقة ونقل القواعد الأمريكية إلى الأردن، بدأت المضادات الروسية في سوريا بالتصدي للصواريخ الإسرائيلية بل وإسقاطها بنجاح وخرج وزير الدفاع الروسي في مؤتمر صحفي وصرح علانية بأن الضربات الإسرائيلية مزعجة لروسيا. عموماً بالبحث والتنقيب، ثبت لنا أن نقل القواعد العسكرية الأمريكية إلى منطقتنا يأتي لتحقيق عدة أهداف هي:
• توجيه جزء من الترسانة العسكرية الأمريكية لدول شرق آسيا وهي أفغانستان، طاجيكستان، أوزبكستان، تركمانستان، قيرغيزستان، خراسان وتركستان الشرقية (سأتناول هذه التفاصيل المهمة جداً لاحقاً في مقال قادم) وهو أهم هدف لها.
• توفير إمداد سريع للقوات الأمريكية التي تتكبد خسائر يومية في العراق.
• توجيه ضربات ضد الأهداف الإيرانية في سوريا وحماية المصالح الاقتصادية القادمة. مع العلم، عندما يتناول إعلامنا لاحقاً هذا الموضوع سيبرر وجود القواعد الأمريكية في الأردن بأنه تعزيز لأمن واستقرار الأردن الذي شهد محاولة انقلاب أخيرة على يد الأمير حمزة ولضمان الأمن والسلم الإقليمي.

الإجراء الدبلوماسي
استنفرت الولايات المتحدة الأمريكية دبلوماسيتها وشرعت في تعزيز تحالفاتها القديمة في حلف الناتو وسعت لجلب تحالفات جديدة ولا يخفى على أحد الآن التحالفات في منطقتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية وقد تناولت منذ قليل وكذلك في مقال سابق التحالف الثلاثي الجديد في المنطقة. تلاه جهود لتحديث التحالفات التي أجريت تحت مظلة حلف الناتو وبانتهائها من تشكيله وتعزيزه، سعت لاستقطاب دولتين في مجلس التعاون الخليجي من أصل ست دول هما السعودية وعمان، وللعلم الأربع دول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي هي جزء التحالف مع الولايات المتحدة منذ عام 2004 والسؤال: هل تعلمون كيف دخلت الأربع دول الخليجية في هذا التحالف؟ تقدمت تركيا عام 2004 بمبادرة إسطنبول لدول مجلس التعاون الخليجي الستة وعرفت آنذاك باسم مبادرة إسطنبول واستجابت أربع دول خليجية من أصل ست دول هي البحرين وقطر والإمارات العربية والكويت، وتجري في هذه المرحلة محاولات لضم السعودية وعمان رسمياً لهذا التحالف ويعزز هذه الفرضية التصريحات التي أطلقها مراراً وزير الخارجية الإسرائيلي لابيد وكان آخرها من المغرب، ولأختم هذه النقطة سريعاً يعتبر هذا التحالف هو تعاون أمني في مجال الأمن بين دول الشرق الأوسط الموسع وبين حلف الناتو. باختصار شديد يعني تنسيق أمني بين هذه الدول وتركيا لم تنضم إلى هذا التحالف فقط، بل سعت إلى استقطاب دول مجلس التعاون الخليجي الستة، فهل خانت تركيا بذلك دينها وشعبها والأمة أم أنها لغة المصالح؟! وللمرة الرابعة أؤكد أن النموذج الدبلوماسي التركي من أخطر النماذج وأقواها ولن تكتمل الصورة إلا بعد تناول الدور التركي ودراسته دراسة معمقة لاستخلاص العبر.

بالإضافة إلى ذلك، عملت الدبلوماسية الأمريكية على التذكير بالقيم والأخلاق والعدالة التي نادي بها نموذجها والتي تسعى لتثبيته وتعزيزه في هذه المرحلة الفارقة نسبياً بالنسبة لها فعملت على تسويقه ثانيةً ومدحه كنموذج أحادي للقطبية يعمل كقاضٍ عادل للعالم، وفي المقابل، ركزت انتقاداتها على النماذج المقابلة الأخرى فمثلاً حذرت من عدم ديمقراطية الحزب الحاكم في الصين ونوهت إلى أنه حزب شيوعي لا يؤمن بالتعددية السياسية ولا يحترم الديمقراطية وأنه مدعاة للقلق، واستنفرت كل حلفائها وحذرتهم منه.
وفي هذه الفترة جاءت ال “لا” الفلسطينية برفض القيادة الفلسطينية في رام الله انفراد الولايات المتحدة الأمريكية في رعايتها لعملية السلام وقالت الدبلوماسية الفلسطينية علانيةً وبالبنط العريض ” نرفض التفرد الأمريكي ووصفته بغير النزيه، مما أحرج الولايات المتحدة الأمريكية التي تنادي بالمثل والقيم والأخلاق. جاءت ال “لا ” الفلسطينية في مكانها وفي وقتها. هذه ال “لا” الفلسطينية معناها الدعوة إلى دور دول التعددية القطبية ومعهم الأمم المتحدة للتدخل (روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة) بعد أن فشلت أحادية القطبية وهي أمريكا في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فمن هي الأحزاب الفلسطينية التي عززت هذا الموقف الفلسطيني؟! يؤسفني ويحزنني أن أقول أن معظم الأحزاب الفلسطينية آثرت مصالحها الحزبية الضيقة على المصلحة الفلسطينية العليا ومنها من سخر من الموقف الفلسطيني الرسمي.
في هذه المرحلة الفارقة، علينا حسم موقفنا الفلسطيني العام باشراك الجميع والاستماع إلى الجميع وليشاركنا الرأي أساتذتنا في العلوم السياسية وخبراء الاقتصاد والسياسة للخروج بقرار سياسي فلسطيني موحد. إن اختلافنا بشأن تحالفاتنا الخارجية ليس مدروساً بعناية من قبل متخصصين ويأتي في سياق مناكفات أطلقها تنفيذيون جاهلون منهم من يتستر بالدين ومنهم من يتستر بالوطنية، فأي دين وأي وطنية التي تأخذ الشعب العربي الفلسطيني مثلاً بعيداً عن عمقه العربي الإستراتيجي تجاه إيران أو غيرها؟!! والسؤال المشروع الذي أطرحه هنا: لو وافقنا على استبدال تبعيتنا لأمريكا بتبعيتنا لروسيا أو للصين الشيوعية أو لكليهما، هل سنذهب إلى الجنة؟ ولو آثرنا المعسكر الأمريكي خصوصاً إذا كانت مصلحتنا الفلسطينية العليا ومصلحة أبناء شعبنا معه، هل سنذهب إلى النار؟

Dr. Montgomery Howwar

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : حكومة الاحتلال فوق القانون الدولي

حكومة الاحتلال فوق القانون الدولي بقلم  :  سري  القدوة الأربعاء 24 نيسان / أبريل 2024. …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *