الرئيسية / الآراء والمقالات / محمد جبر الريفي يكتب : عن الإعلام العربي و العولمة الثقافية

محمد جبر الريفي يكتب : عن الإعلام العربي و العولمة الثقافية

محمد جبر الريفي
عن الإعلام العربي و العولمة الثقافية
بقلم:محمد جبر الريفي

الإعلام بوسائلة المتعددة المطبوعة والمرئية والمسموعة وهو بما قائم عليه من تقنية متطورة كان أحد أهم منجزات الحضارة الغربية البرجوازية وبذلك ارتبط إلى حد كبير في البلدان النامية بعملية الاستلاب الحضاري الذي يعاني منه المجتمع العربي كبقية المجتمعات الأخرى في العالم الثالث وباعتباره ظاهرة حديثة العهد لا يمكن فصله عن الواقع المعاش.

 ولا يمكن تقييم أثره بمعزل عن الوضع الثقافي بصورة عامة الذي يسود المجتمع فإعلام أي مجتمع هو جزء من واقعة وترجمة لما يصدر عنه وهكذا فالأعلام العربي بصورته الحالية خاصة في ظل تنامي ظاهرة العولمة الثقافية هو مظهر من مظاهر الواقع العربي المتسم بالتجزئة والتخلف والتبعية السياسية والاقتصادية وقد ارتبط هذا الواقع بمصالح الطبقات الاجتماعية السائدة في المجتمع العربي وأنظمة الحكم السياسية فيها وكان مجرد تعبير حقيق لمصالحها لا يتجاوز الدائرة المرسومة له إلا بقدر ما يعبر أكثر عن المصالح السياسية ولاجتماعية لهذه الطبقات والأنظمة وارتباطاتها في الخارج عن طريق ربطها بالمصالح الإقليمية والدولية.

لقد تأثرت وسائل الإعلام العربية بالاعتبارات التجارية والسياسية فأصبحت صورة واضحة تعكس التبعية السياسية والاقتصادية والتخلف الثقافي والحضاري الذي تعاني منه المجتمعات العربية التي تتعرض لغزو ثقافي وفكري شامل يستهدف التراث العربي باعتباره من المكونات الأساسية للثقافة العربية فلا يفوت وسائل الإعلام العربي من إذاعة مسموعة ومرئية وصحافة من ملاحقة ومتابعة بشغف ما تنتجه الآلة الرأسمالية من أدوات وسلع استهلاكية كظاهرة سوقية تجارية تروج لحضارة الاستهلاك ولثقافة الغرب..

 أما أسلوب نقل الأخبار في أجهزة الإعلام العربية ففي ظل غياب خطة إعلامية عربية موحدة ووكالة أنباء عربية واحدة فغالباً ما يكون أسلوب النقل معتمداً على وكالات الأنباء العالمية خاصة الأمريكية والبريطانية والفرنسية وكل هذه الوكالات تقدم خدمات إخبارية تراعي بها مصالح الدول الغربية التي تتحكم في مجريات الاقتصاد العالمي عبر الأسواق المالية وتنقل للعالم رؤياها السياسية التي تقوم على صياغتها وتحليلها رجال السياسة والاقتصاد والإعلام الغربيين من ذوي الثقافة الاستعمارية.

إن الإعلام العربي مطلوب منه في ظل ثورة الاتصالات وعصر الفضاء والسماء المفتوحة التي جعلت من العالم كوناً واحداً نتيجة انكماش المسافات وزيادة الاحتكاك بين الشعوب وتطور ثورة التكنولوجيا وتأثيرها على طبيعة البشر مطلوب منه أن يقترب أكثر من الجماهير العربية في محاولة لإشراكها في كافة القضايا المصيرية التي تهمها كقضايا الديمقراطية والتنمية والحداثة والتقدم الاجتماعي والعمل على صياغة الخطاب السياسي والتربوي وإبراز أهمية العرب الاقتصادية ومكانتهم الحضارية والتأكيد على القيم الأخلاقية والدينية للمجتمعات العربية والإسلامية لأن ظاهرة العولمة الثقافية التي يسيطر عليها الغرب من خلال منظومة من الفضائيات التي تستهدف تغريب الثقافة العربية وقطعها عن جذورها الدينية والأخلاقية

هذه العولمة الثقافية أصبحت واقعاً ملموساً من خلال هذا الغزو الكبير للقنوات الفضائية والإنترنت والإذاعات الموجهة وفي ظل استمرار عجز وضعف الإعلام العربي الذي ساهم بطريقة أو بأخرى في إحباط المواطن العربي وأوصله إلى موقف الإحباط والحيرة .. إن العولمة الثقافية هي خطر داهم على الثقافة القومية والهوية الوطنية والقومية وخطورتها تنبع بالأساس من تفوق الأمم الأخرى على الأمة العربية خاصة أمم الغرب الرأسمالية التي تمتلك وسائل اتصال قوية يمكن أن تكرس هيمنة ثقافة الأقوياء وبصورة خاصة سيطرة نموذج الفكر الغربي والسلوك الحضاري الغربي الجديد على بقية أجزاء العالم

لأن العالم الغربي بقيادة أمريكا لم يكتف بالهيمنة السياسية والنهب الاقتصادي والاحتكار المصرفي والتقني بل إنه يسعى إلى أبعد من ذلك وهو اختراق المجتمعات التقليدية المتماسكة حضارياً ومحاولة تفتيتها من الداخل كما هو جار الان في الوطن العربي من اثارة النزعات العرقية والطائفية والمذهبية والجهوية تكريسآ اكتر للتجزئة السياسية عبر منازلة ثقافات هذه المجتمعات الوطنية والقومية والعمل على تفاقم مشاكلها الاجتماعية كمشاكل الفقر والبطالة والجريمة والأمراض وانتشار المخدرات وعدم الالتفات إلى رغبة الشعوب النامية في الخروج من مرحلة التخلف والتخلص من التبعية وامتلاك العلم والتكنولوجيا حتى يبقى الغرب الإمبريالي مسيطراً بشركاته المالية والاحتكارية على الأسواق العالمية…

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر
رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين

د جمال ابو نحل يكتب : أيقونة سلاطين هذا الزمان فخامة سلطان عُمان هَيثمُ الهُمام

أيقونة سلاطين هذا الزمان فخامة سلطان عُمان هَيثمُ الهُمام من عاش لشعبه، ولِوطنه عاش كبيرً، …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *