الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور يكتب : ثورة الغاز في إسرائيل وحالة الجمود الفلسطينية

د. مونتجمري حور يكتب : ثورة الغاز في إسرائيل وحالة الجمود الفلسطينية

مونتجمري حور

ثورة الغاز في إسرائيل وحالة الجمود الفلسطينية

د. مونتجمري حور

طرحت عدة مرات في مقالات سابقة أن كل ما يعرض علينا في هذه المرحلة هي حلول لا تعدو كونها حلول اقتصادية وتحدثت عن تحالفات جديدة منها العلني ومنها السري التي تم تشكلها في المنطقة، وهنا سأحاول التركيز على جملةً من الحقائق منها المعلوم ومنها ما لم يتم الاعلان عنه للآن، وسأحاول في هذا المقال ومقالات أخرى لاحقة الإجابة عن سؤال رئيس: هل يجب علينا أن نستثمر التحولات الكبيرة في المنطقة سياسياً واقتصادياً لمصلحتنا وأن نصبح جزءاً من المشاريع الاقتصادية في المنطقة لتحسين أوضاع أهلنا، أم نبقي على حالة الجمود هذه؟ وسأبدأ بحصر حقول الغاز المكتشفة التي تسيطر عليها إسرائيل باختصار شديد.
أبرز حقول الغاز التي تسيطر عليها إسرائيل:
حقل ليفياثان: وهو أحد أكبر حقول الغاز المكتشفة واحتياطي الغاز به 620 مليار متر مكعب ويعتقد أن وصول هذا الحقل إلى كامل طاقته الإنتاجية، سيعمل على الإخلال بالتوازنات التجارية في منطقة الشرق الأوسط.
حقل تمار: يقع حقل تمار في شرق البحر المتوسط مقابل لسواحل سوريا ولينان وقبرص وفلسطين وإسرائيل ومصر وهو يبعد 80 كم عن حيفا وتم اكتشاف الغاز فيه على عمق 1700 متر. تقدر الكميات التي ممكن استخراجها منه ب 280 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
حقل داليت: يبعد مسافة 60 كيلو متر من منطقة الخضيرة ويبلغ اجمالي احتياط الغاز به حوالي 0.53 تريليون قدم.
حقل تانين: يبعد حوالي 120 كم عن السواحل الإسرائيلية ويبلغ إجمالي احتياطي الغاز به حوالي 1.1 تريليون متر مكعب.
حقل دولفن: يبعد حوالي 110 كم عن سواحل حيفا ويبلغ اجمالي احتياطي الغاز به حوالي 550 مليار قدم مكعب.
حقل تانين: وهو ما يعرف باسم “خزان التمساح” ويقع على بعد 120 كم من شاطئ إسرائيل. ويقدر احتياطي الغاز فيه ب 34 مليار متر مكعب.
لتبسيط الأمر، أفضل تشبيه للتحول الحاصل في منطقتنا هو تشبيهه بالتحول الذي حدث في دول الخليج في القرن الماضي حين انتقلت منطقة الخليج من الصيد إلى انتاج النفط، ومنطقتنا في هذه المرحلة لا أقول ستنتقل بل انتقلت من منطقة مستوردة للطاقة إلى منطقة مصدرة لها بفضل ظهور تقنيات وتنقيب وحفر بحري يمكنها العمل والبحث تحت مياه يفوق عمقها الألفين متر.
احدى أبرز الأسباب الحقيقية وراء العروض الاقتصادية التي تقدم لنا، بالإضافة إلى حالة التشرذم الفلسطيني، هي اكتشافات الغاز في شرق المتوسط وبالبنط العريض بسبب اختلال موازين القوى أكثر وأكثر لصالح إسرائيل. مؤخراً، فتحت ثروة الطاقة المكتشفة في المنطقة شهية الجميع للتركيز اقتصادياً على منطقة الشرق الأوسط، لا شيء يهمهم سوى شراء الغاز ولكل طرف مصالح يسعى لتحقيقها. على صعيد القوى العظمى، تسعى الولايات المتحدة إلى تقويض الغاز الروسي والإيراني عبر عقد تحالفات جديدة وأظن أن هذه الخطوة قد تمت، وفي المقابل، تسعى روسيا للحفاظ على بقائها المورد الرئيس لأوروبا. أما على الصعيد الإقليمي، سارعت إسرائيل للاطاحة ببنيامين نتنياهو الذي أكدت في مقال سابق لي على أن السبب الرئيس للإطاحة به هو اقترابه بدرجة كبيرة من محور الصين وروسيا مما أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، وبإطاحته تكون إسرائيل اختارت لنفسها أن تبقى في كتف الولايات المتحدة. بالنسبة لتركيا، فجهودها في هذا الصدد يحتاج لمقال منفصل وحدها وسأكتفي الآن بالتنويه إلى أنني أشرت في مقال سابق منفصل بتحليلي لخطاب يحيى السنوار، قائد حركة حماس، قلت أن السنوار ركز في مدحه على إيران دون تركيا وكأن تركيا اختارت لنفسها الابتعاد عن حركة الإخوان المسلمين عامةً وعن حركة حماس خاصةً لانشغالها اليوم فيما هو أهم من الجميع بالنسبة لها وهي مصالحها الخاصة وسأتناول الجهود التركية لاحقاً وهي جديرة بالدراسة فعلاً. أما إسرائيل، فانتبهت لهذا الكنز واستثمرته بطريقتها الخاصة منذ اللحظة الأولى فلم تقتصر استفادتها مما يدور على الاقتصاد فحسب، بل امتدت لتشمل فتح علاقات قوية مع دول الجوار دون أن تدفع أي ثمن سياسي مقابل ذلك، ناهيك عن نجاحها في تسويق نفسها على أنها المورد الرئيس للغاز في المنطقة لدول أوروبا. أما مصر التي تشبه حالتنا الفلسطينية كثيراً في ثقل الملفات التي تتعامل معها هذه المرحلة المصيرية، اختلفت عنا (نحن الفلسطينيون) في أنها اختارت لنفسها الشروع في خوض معارك دبلوماسية واقتصادية في شتى المجالات وعلى كافة الجبهات، وبذكاء مصري مدروس، تسعى القاهرة جاهدةً إلى تحريك مياه الاقتصاد الراكدة لتدور عجلته ولتواصل مصر مسيرة البناء التي أطلقها النظام المصري الجديد في فترة حرجة تسعى أطراف عدة إلى التأثير سلباً على قناة السويس وحصة مصر من مياه نهر النيل وأظن أن مصر ستنجح في ذلك. كما ذكرت آنفاً يتمحور هذا المقال على حقول الغاز الإسرائيلية المكتشفة في شرق البحر المتوسط دون غيرها وسأتناول في مقالات لاحقة باقي دول الإقليم لتكتمل الصورة. أقول أن اكتشافات الغاز من أخطر المواضيع وأهمها في هذه المرحلة، ولن يكتمل فهمنا لما يدور حولنا إلا بتفصيل وتحليل مجريات الأحداث التي يتناولها الإعلام المحلي والدولي بطريقة خجولة، وأختار لمقالي هذا المنهج الاستنباطي المباشر للدخول لهدفه ولسرد حقيقة ما يدور وهو أن إسرائيل التي تحولت من دولة مستوردة للطاقة إلى دولة مصدرة لها، سعت إلى إحداث نقلة نوعية في مكانتها السياسية والاقتصادية في المنطقة، وسخرت كافة جهودها في هذا الصدد. ويمكن القول أنها حققت نجاحاً كبيراً إلى الآن مقارنة بالصعوبات والتحديات التي تواجهها، فحجم المشاريع الاقتصادية الحالية في المنطقة وتقاطع المصالح بينها وبين مختلف الأطراف سيجبر الجميع على التعاون معها وبذلك تكون إسرائيل قد نجحت عملياً في الاندماج في محيطها الإقليمي بدافع المصالح العليا التي ربطتها الآن به دون أن تدفع أي ثمن سياسي لذلك، بل وتمكنت من تعزيز علاقاتها مع دول أوروبا ودول عديدة أخرى. ولكي لا يتوه مني القارئ أعود لأقول أن هذا الهدف هو جزء مما نصت عليه بنود صفقة القرن وها هو يتحقق فعلياً على الأرض.

تتصل المنطقة المطلة على البحر المتوسط جغرافياً بشكل وثيق مع قطاع غزة الذي يملك هو الآخر حقول غاز منها مارين (1) الذي يقع على مساحة تفوق 1000 كيلومتر، ما يعني أنه يحوي احتياطاً كبيراً من الغاز ولا يزال غير مستغل للآن، وليس ببعيد عنه يقع حقل آخر أصغر حجما قدرت كميات الغاز فيه بحوالي 3 مليارات متر مكعب، وقد وضعت إسرائيل يدها عليه واستغلته إلى أن استنفذ تماماً. وللعلم إذا نجحنا كفلسطينيين في الحصول على تمويل من أجل استغلال مواردنا في شرق المتوسط، سنتمكن خلال عام واحد، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، من وقف اعتماد غزة والضفة الغربية على الاحتلال في توفير احتياجاتهما من الطاقة، مع الأخذ في الاعتبار أن القطاع يعيش حالياً على تيار كهربائي متقطع على مدار اليوم.
في هذه المرحلة، نحن أحوج ما نكون إلى لملمة الجراح وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وإنهاء حالة التشرذم وأعتقد أننا بحاجة إلى قيادة فلسطينية موحدة ومتفق عليها عبر صندوق الانتخابات. أليس هذا التحول جدير بأن يجلس الفرقاء الفلسطينيون حول طاولة مستديرة والشروع في نقاشات وطنية جدية للاستفادة القصوى مما يدور سياسياً واقتصادياً بعيداً عن تنفيذ الأجندات الخارجية كإيران ومن هم على شاكلتها؟!

وللعلم، سيحظى الأمن البحري من الآن فصاعداً اهتماماً كبيراً فلقد أصبح لمشاريع الغاز الطبيعي المكتشفة في منطقتا والمشاريع القادمة أباً يحميها ولن يسمح هذا الأب لأي قوة للمساس بها والجميع يحشد من طرفه. لذا، يجب استخلاص العبر مما يدور حولنا ومن طريقة تصرف كل دولة في الإقليم، فمثلاً سعت مصر الى فتح علاقات اقليمية ودولية ووقعت اتفاقات مع اليونان وايطاليا وتسعى لاستغلال ثرواتها المكتشفة الاستغلال الأمثل بأن تصبح المركز الرئيس للمنطقة في تصدير الغازمعتمدةً على حقولها الكبيرة المكتشفة من الغاز الطبيعي وعلى معامل تسييل الغاز التي تنفرد في امتلاكها في المنطقة، وتركيا التي تجري كالغول في كل اتجاه لتأكل الأخضر واليابس، فتحت علاقات مع ليبيا وتسعى لعلاقات مع مصر وكذلك مع وروسيا والصين ودول آسيا الوسطى في وقت لم تغادر فيه المربع الأمريكي، وإسرائيل التي انحازت للموقف الأمريكي وبقت تحت مظلته لا تزال تسعى لجذب تركيا أو على الأقل عدم خسارتها ولعب دور رئيس في المنطقة. كل هذا يتم باتباع نظريات ودراسات خبراء ومتخصصين لهم بصمات في مجالاتهم، أما نحن فتعصف بنا حالة تشرذم قبيحة مقيتة يقودها المتواكلون غير المتخصصين وتغلب علينا العاطفة الوجدانية والخطابات الرنانة الزائفة. إن إمعاننا في استثناء الكفاءات والمتخصصين من أبناء شعبنا وهم بالمئات إن لم يكونوا بالالاف، هو استمرار للإخفاقات التي تعصف بنا في شتى المجالات وهو من قادنا إلى حالة الانقسام البغيضة لعدم اتضاح كل الحقيقة أمام الشعب الفلسطيني وهو الذي أدى إلى تحكم بعض الجاهلين والمراهقين السياسيين بمصيرنا وإلى تغييب أبناء شعبنا وفصلهم عن واقعهم وهو من أوصلنا إلى حالة الجمود والجلوس في الزاوية ننتظر كابونة مساعدات لا تسمن ولا تغني من جوع أو 100 دولار مشروطة.
Dr.Montgomery Howwar
#معا_ندق_جدران_الخزان

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية

حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية بقلم  :  سري  القدوة الخميس 28 آذار / مارس …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *