الرئيسية / الآراء والمقالات / علي ابوحبله : على الشعب التونسي أن يحتكم الى منطق العقل والحكمة لتجاوز الأزمة

علي ابوحبله : على الشعب التونسي أن يحتكم الى منطق العقل والحكمة لتجاوز الأزمة

رئيس تحرير افاق الفلسطينيه
رئيس تحرير افاق الفلسطينيه

على الشعب التونسي أن يحتكم الى منطق العقل والحكمة لتجاوز الأزمة

المحامي علي ابوحبله

على امتداد الأيام الماضية، توالت الدعوات السياسية والشعبية إلى استقالة حكومة المشيشي، فيما بدأت ملامح تنصّل الائتلاف الحاكم منه تتضح بتصريحات تتّهمه بالفشل في تطويق العدوى والعجز عن إنقاذ البلاد اقتصادياً، بعدما بلغت حدّاً غير مسبوق في محدودية مواردها المالية، واخفاقها في تأمين موارد سداد الديون العمومية، ما نجم عنه تخفيض الترقيم السيادي للبلاد في أكثر من مناسبة، مقابل اقتصار الإجراءات الحكومية على تأمين مصالح دوائر النفوذ المالي في البلاد، وآخرها قانون الإنعاش الاقتصادي. وكانت حركة “النهضة” أوّل المبادرين إلى التنصّل، بعد دعوة مجلس الشورى إلى تشكيل حكومة سياسية جديدة ، تتبعها بقية مكوّنات هذا الائتلاف. ولم تلتقط “النهضة” إشارات الشارع التونسي الذي عاد إلى الاحتجاج يوم 25 تموز، في ذكرى “عيد الجمهورية” والاغتيالات السياسية، لم يأخذ حزب النهضة على محمل الجد دلالة حرق عدد من مقارّه في أكثر من جهة وتخريبها، بل خرجت في الليلة نفسها على عجل لتعلن قدرتها على التصدّي لهذه الممارسات وتتوعّد المحتجين بالملاحقة القضائية.

لكن الرئيس التونسي قيس سعيد لم يمنح “النهضة” وقتاً للردّ، إذ بادر خلال أقلّ من ساعة إلى جمع القيادات الأمنية والعسكرية، ليعلن عقب ذلك تطبيق مقتضيات الفصل الـ 80 من الدستور، والقاضي بإسناد صلاحية اتخاذ جميع القرارات والإجراءات المستوجبة لحفظ كيان البلاد من خطر محدق بها، إليه، بعد استشارة رئيسَي الحكومة والبرلمان في خلال ثلاثين يوماً، مع إمكانية إنهاء حالة الاستثناء إثر طلب البتّ بها من قِبَل المحكمة الدستورية. وتَمثّلت إجراءات سعيد في تعطيل البرلمان لمدّة ثلاثين يوماً، وتجريد جميع أعضائه من الحصانة البرلمانية، وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه، وتكليف شخصية أخرى بقيادة الحكومة تحت إشراف مباشر من سعيد، علاوة على ترؤّس الأخير النيابة العمومية في الجهاز القضائي، الذي واجه انتقادات جمّة سابقاً، واتُّهم بعض المشرفين عليه بالانحياز إلى “النهضة”، وأرشفة الملفّات القضائية المتعلّقة بالاغتيالات السياسية. وأعقب هذه القرارات إجراءات أخرى، من بينها إعفاء وزير الدفاع ووزيرة العدل من مهامّهما، وسط تحذير المؤسسة العسكرية من الردّ بالرصاص على من يجرؤ على استعمال العنف أو السلاح لحمل التونسيين على الاقتتال.

وقد نزلت جموع من التونسيين للاحتفال بالقرارات، أذكت حماستَهم زيارةُ سعيد لشارع الحبيب بورقيبة، وتجوّله وسط مؤيّدي في ظرف أمني قراراته، بالغ الدقة. في المقابل، هرعت قيادات “النهضة” لتردّ على الرئيس، وتُعلن رفضها قراراته، وتصفه بـ”الانقلابي” و”النهم للاستبداد”.

هكذا، تسارعت الأحداث في تونس بنسق هستيري على امتداد الساعات العشر الأخيرة، فيما بدأ كثيرون في تقليب السيناريوهات التي يمكن أن تتحقّق في البلاد، مستحضرين خصوصاً السيناريو التركي والمصري، من دون الأخذ بعين الاعتبار تجربة البلدين وتعاملها مع مستجدات الأحداث . في الساحة التونسية لم تشهد إقحاماً للمؤسسة العسكرية في الشأن السياسي سابقاً، وحتى اللحظة، لا دور سياسياً الجيش التونسي باستثناء الوظيفة العادية المتمثّلة في تأمين المنشآت والمقارّ السيادية، وخاصة تلك المشمولة بقرارات تجميد أو إعفاء المشرفين عليها. كما أن الثقة التي يحظى بها سعيد لدى طيف واسع من التونسيين، بعد صعوده من رحم انتخابات رئاسية مبكرة عقب رحيل الباجي قائد السبسي سنة 2019، بما يفوق المليونين ونصف مليون صوت، تجعل شخصه، في نظر كثيرين، الضمانة الوحيدة لعدم الانحراف بالسلطة، في ظلّ غياب الآليات الدستورية الضامنة لذلك. لكن هذه “الضمانة” المفترضة لا تحجب وضع الريبة وتكافؤ الفرضيات بين إمكانية انزلاق البلاد نحو الاستبداد بالحكم، أو إنقاذها وتحصينها من الأخطار التي تسبّبت بها كامل الطبقة السياسية.

وعلى رغم أن أنصار سعيد ومعارضيه معاً كانوا على علم بمشروعه قبيل انتخابه أصلاً، كونه القادم من خارج المنظومة السياسية التي يعتبرها في تشابك وتداخل مع لوبيات المال والسياسة الفاسدة، ما يجعل وقع المفاجأة أخفّ وطأة لدى الكثيرين، إلا أن من المنطقي أن تثير قرارات سعيد مخاوف لدى التونسيين، وخاصة الحقوقيين منهم، طالما أنها تُمركز السلطات الثلاث، تشريعية وقضائية وتنفيذية، بيد الرئيس، من دون إمكانية للرقابة عليها، قبل انتهاء مدة “التدابير الاستثنائية”. ردود الفعل الدولية والعربية على قرارات الرئيس التونسي، قيس سعيّد، بإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان، لم تخرج عن إطار إبداء القلق، في انتظار معرفة مآل خطوات ليل الأحد ، فالولايات المتحدة، لم تُحدِّد بعد ” إذا ما كان الوضع في تونس انقلاباً” ، على رغم أنها أبدت قلقها إزاء قرارات سعيّد، ودعت إلى احترام ” المبادئ الديموقراطية” . وأملت فرنسا، من جهتها، ” عودة المؤسسات إلى عملها الطبيعي” ، معلنةً أنها ” تتابع بأكبر قدر من الانتباه تطور الوضع السياسي في تونس” ، فيما دعت ألمانيا إلى ” احترام الحريات المدنية التي تشكل أحد أهمّ مكتسبات الثورة التونسية” ، موضحةً أنها لا تودّ ” الحديث عن انقلاب” وأصدرت الجامعة العربية بيانا أعلنت تضامنها مع الشعب التونسي فيما أبدت وزارة الخارجية التركية، بدورها، ” قلقها البالغ” إزاء التطورات الأخيرة في تونس، داعية إلى إعادة إرساء ” الشرعية الديموقراطية” .

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عبد الرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
رئيس اللجنة الشعبية في الرياض

د عبد الرحيم جاموس يكتب : لا يرحلون ..!

لا يرحلون ..! بقلم د. عبدالرحيم جاموس  الشعراءُ يذهبونُ او يرحلون.. كما يرحلُ الثوارُ دون …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *